لماذا تحول بعد الارتباط؟

أهلا وسهلا بك يا مريم؛
الحمد لله لأنك أرسلت لنا يا ابنتي، فكم من فتيات وقعن في الوضع غير المفهوم هذا، ولكنهن أتممن تلك العلاقة المدمرة، وأفقن بعد أن فات الأوان، والحقيقة يا مريم أن هناك مساحة مرضية شائكة جداً في مجالنا النفسي تعرف باضطرابات الشخصية.

واضطرابات الشخصية تلك ليست مرضاً نفسياً كلاسيكياً كالاكتئاب المرضي مثلاً، أو القلق المرضي... إلخ، وليست مرضاً عقلياً كلاسيكياً، ولكن اضطراب الشخصية عبارة عن سلوكيات شاذة أو خبيثة أو مبالغ فيها عميقة جداً.. تتداخل تداخلاً كبيراً جداً مع شخصية المريض منذ نعومة أظافره أو كما نقول علمياً في نهاية فترة الطفولة المبكرة، وأوائل الطفولة المتوسطة.. فتؤدي لصعوبة شديدة في شخصيته؛ فالشخص المريض تتعشق تلك السلوكيات بما كونت من مشاعر، وطريقة تفكير في شخصيته؛ فحين نتحدث معه عن مرضه ينكر ذلك؛ لأنه يعرف نفسه هكذا منذ صغره، ولأن الناس لا تملك عين المتخصص فلا تتمكن من رؤية صعوبة شخصيته تلك إلا بمرور الوقت، وكلما زاد عمره كلما زاد ظهور الاضطراب في شخصيته بشكل أوضح لمن حوله، وكلما ترك نفسه بدون علاج؛ كلما تمكن الاضطراب منه وصدق أنه بخير وأن من حوله هم البهائم، أو من يحتاجون لعلاج.

ولأن معظم اضطرابات الشخصية لا تتجلى بوضوح إلا في العلاقات القريبة التفصيلية الممتدة – كالآباء/ الأزواج/ الأبناء/... إلخ - فلا تظهر إلا ببداية هذه العلاقات، لذا قبل القرب بينكما كحبيبين كنتما بخير ولا مشاكل، ولكن بمجرد الدخول الأعمق في علاقة تفصيلية يظهر الاضطراب بوضوح، واضطرابات الشخصية عالم كبير متنوع فيه ما يخص التحكم في المشاعر، والانفعالات، وما يخص طريقة التفكير واستقبال الأحداث، وفيها ما هو خبيث يؤذي شريكه، وفيها الانعزال غير الطبيعي.. إلخ، لذا ينخدع الكثر من غير المتخصصين في هذا النوع من المرضى، خاصة لو كان المريض له "كاريزما" أو كان متفوقاً وطموحاً في عمله، أو كان ناعماً ويتمكن من إيذاء غيره بنعومة، أو متديناً من الخارج، وغيره الكثير.

أردت أن تفهمي، وحاولت باختصار أن أوضح، وأشعر بصدمتك فيه فهي ليست سهلة، وكون أنك تصدقين أن من عرفته من قبل كان شخصا مريضا متخفيا أمر ليس بسيط، ولكن دوماً بجانب الألم تجدين نورا يضيء لك تلك الظلمة؛ فلو راجعت شخصيته بهدوء وحيادية فستجدين علامات لم تقفي عندها من قبل كانت تفسر نفسها، وهو ذات الأمر الذي سيجعلك مسؤولة عن حماية نفسك من الانزلاق في علاقة تؤذيك مهما تعهد بالتغير، أو أنه لا يعلم ما حدث، أو غيره من تلك الأمور.

وأرى سؤالا يدور في رأسك وربما في رؤوس القراء كذلك، كيف تأكدت من أن ما تقولينه هو حقيقة ما يحدث؟ فلعله يمر بضائقة نفسية ضاغطة في تلك الفترة، أو أن هناك سرا وراء تغيره كأن يكون مثلا مغصوبا عليه في تلك العلاقة ولم يقل؟ أو فهم تصرفا منك بشكل خاطئ، وأقول لك، ولمن فكر هكذا، إن عامل الخبرة يجعل المتخصص يرى تلك الفروقات البسيطة بين تصرفات تظهر من الخارج واحدة، ولكن سببها يختلف، وكذلك من الأدلة التي في سطورك يا ابنتي؛ فأنت تعرفينه من قبل لسنوات، وحدث ذلك التطور فقط منذ قرار القرب، ولا يوجد سبب واضح لما قام به من تصرفات غريبة، فلو كان بالفعل يريد البعد عنك لأي سبب فلماذا يطاردك؟ لماذا يسبك؟ لماذا يهينك؟ لماذا يقول إنه لا يعرف لماذا يفعل ذلك؟

انتبهي لنفسك يا ابنتي، وصدقي أنك تستحقين أن تحبي، وتستحقين الخير، ووقوع هذا الشخص في حياتك درس مفيد لك في مساحات عديدة، وفي نفس الوقت لا تجعلي تلك الخبرة المؤلمة عائقاً بينك وبين الحب، أو بينك وبين نفسك فالمرضى كثر، ولكن الأصحاء لا يزالون الأكثر.. دمت بخير.