صحــــتك
10 فبراير 2017

ابنتي مثالية بدرجة 95%.. أين 5%؟

ابنتي عمرها ١٣عاماً، هي مثالية رائعة مطيعة متفهمة وحبوبة، خمس وتسعون في المائه من حياتها، والخمسة اللي باقين العكس تماماً عصبية وعنيدة ومتمردة، ويمكن قليلة الأدب، وده من صغرها يعني مش جديد، ومش بعرف بتقلب امتى، وترجع تاني بعد ما نصالح فيها. هي تحب العزلة، مالهاش أصدقاء كتير يمكن واحدة أو اتنين بس مع إخواتها رائعة تلعب وتتكلم وتشارك، هي مجمع أسرار البيت كله.
DefaultImage
الأخت ايمان؛
صدقاً لم أجد أي مشكلة لدى ابنتك؛ المشكلة في رأسك أنت يا صديقتي؛ وقبل أن أحدثك أقول لك، إني سأحدثك كمتخصصة، وكأم.

ابنتك في الثالثة عشرة من عمرها، أي في مرحلة المراهقة بجدارة، وفيها تولد رؤية، وتوجهات، ومراجعة لكل شيء سابق في حياة الإنسان، وفيها يستكشف المراهق حقيقته، ومن هو، وماذا يريد؟ وفيها صراعات كبيرة جداً، حرجة جداً، مؤلمة جداً له.

هذه الصراعات لا يراها إلا من "يعلم ويحترم" تلك المرحلة، ويريد أن يتعلم كيفية التعامل مع المراهق في تلك المرحلة الصعبة من حياته؛ فيتمكن من التعامل معها ويتجاوزها بنضوج، وبأساسيات ناضجة سليمة تجعله يكسب ابنه المراهق، وكذلك يكسب المراهق نفسه.

أما من غض الطرف عن هذه الأمور ورفض أن يتعلمها، ولم يحترم هذه المعرفة العلمية الصادقة النافعة؛ ولم يتمكن من "تصديق" خصائص تلك المرحلة؛ فيصطدم معها، ومع المراهق نفسه، وتبدأ سلسلة الصدامات المتتالية والتي لا نعلم إلى أين تصل؛ فلكل إنسان كيان، وظروف، ومناخ يختلف عن الآخر؛ فعليك أن تعي هذا جيداً، وتقبلي تمردها، وعصبيتها؛ ﻷنها طبيعية جداً، ولا أقصد بذلك أن تتركيها تخطئ في الكلام كثيراً، أو تحول البيت وكأن به ماساً كهربائياً، ولكن قدري هذا الصراع الذي لا تدري هي نفسها كنهه؛ فمشاعرها في تلك المرحلة متغيرة حادة، وتطور هرموناتها الجسدية عالٍ جداً، فعلى الرغم من عدم تسارع قدرتها العقلية بنفس السرعة، وهي تحاول أن تكون مستقلة، وتتصارع مع قيم الاحترام، والأدب، وترتب أوراقها كلها من جديد في كل مساحات حياتها حتى علاقتها بالله تعالى، وكل هذا "طبيعي".

وحتى يمكنك تجاوز هذه المرحلة بسلام فنصيحتي لك، أن تلزمي نفسك بما أسميه "واجب الأمومة" فاقرئي يومياً عن خصائص مرحلة المراهقة، وتعرفي على تفاصيل هذه الصراعات التي تحدث فيها؛ لتتمكني من فهم ما تعجز هي شخصياً عن فهمه؛ ﻷنك أم.

كما أدعوك إلى ترك تلك العناوين البراقة، من قبيل أنا لست مثل أي أم، وأولادي لا يعرفون المراهقة، أو أن كل هذا يخص أي بشر إلا أنا وبيتي، وأولادي، فنحن نرى في عياداتنا كم الأبناء الذي يعانون معاناة نفسية عميقة تظهر في صورة الإحساس بعدم الاستحقاق، أو بغضب مكتوم، أو ألم كبير، أو غياب لشخصيتهم الحقيقية بسبب تلك العناوين البراقة؛ التي تجعل الطفل، والمراهق يضطر اضطراراً لدفن شخصيته الحقيقية إرضاء ﻷهله؛ فيدفن حقيقة مشاعره، وأفكاره، أو إرادته التي قد تختلف عن والديه، أو يتمرد تمرداً زائداً كان من الممكن ألا يزيد عن حده لو وجد حين مراهقته وتغيره مَنْ يتفهمه، ويسمح له بالاستقلالية دون تعنت، أو أنانية، أو تسلط لا يخدم الابن أبداً.

وفي النهاية أود أن أهمس لك بنقاط عليك تفهُمها جيداً:

* كلما زادت طاعة المراهق لمن حوله، كلما زادت غربته عن شخصيته وبنائه النفسي الحقيقي، وليس معنى ذلك أن نترك له الحبل على الغارب، ولكن معناها أن نترك له مساحة براح يستقل فيها، ويخوض تجربته في الحياة؛ ليتعلم من أخطائه، وضعفه، وفشله، ويكون تدخلنا تدخلاً ناضجاً يغريه بالرجوع إلينا؛ مع تجنب الوعظ، والمحاضرات وعلى الرغم من كونه أمراً عقيماً إلا أنه ما زال يستخدم كثيراً.

* أسوأ ما يمكن تركه في نفسية أولادنا، وبخاصة في فترة المراهقة التي تعج بصراعات كثيرة هو ذلك الألم العميق الخبيث، الذي نهرع له فوراً حين لا نجد منطقاً، ولا قبولاً حقيقياً لما فهمناه عما يدور بداخل أنفس أولادنا، أو حتى بجهل؛ ألا وهو "الإحساس بالذنب"؛ فالإحساس بالذنب يشوه صورتهم أمام أنفسهم، ويقعدهم عن التقدم للأمام سامحين ﻷنفسهم بالخطأ ليتعلموا، منه وينضجوا؛ فإشعار أولادنا بالتقصير، والعقوق، والفشل؛ هو نفسه ما يجعلهم هكذا بالفعل.

* عدم ارتياحك لبعض العصبية، والتوتر، وأحياناً قلة الأدب يأخذ حيزاً يشغلك؛ ﻷنه خوفك أنت وليس حقيقة؛ فهي كما ذكرت مؤدبة، ومحل ثقتكم، ومساحة البراح لكم كما وصفتها؛ ولكنك أنت من يخاف؛ فلا تلقي خوفك، وقلقك عليها وتغلفيه بتغيرها، وعقوقها، أو قلة أدبها فتسيئ إليها إساءة نفسية لا تدركينها، ولن تدركيها هي إلا بعد وقت، فيظل بداخلها مساحة ألم تعطلها عن أداء أدوارها التي تريدها في حياتها بسبب الإحساس بالذنب.

* حين حدثنا الله تعالى عن "بر الوالدين"، وجعله في مقام كبير، وعظيم، وجعله فعلاً مقروناً بعبادة الله وطاعته مباشرة، كان الأمر في كل مرة "بالبر"، وليس الطاعة؛ فالبر معناه الأدب مع الوالدين لدرجة أن كلمة "أف" لا تقال، ولكن من حق الأبناء عدم الطاعة، ومن حقهم أن يختاروا، ومن حقهم أن يروا أموراً بشكل آخر غير رؤية والديهم؛ ﻷنهم مسؤولون مثلنا جميعاً؛ فلتراجعيها في إساءة الأدب برفق يعلمها دون إشعارها بالذنب، ودون أن يكون الهدف الطاعة وليس البر؛ ولا أخفي عنك سراً؛ هم لا يسيئون الأدب إلا حين نقهر إرادتهم، أو نحرمهم من أخذ احتياجاتهم النفسية منا؛ كالحب غير المشروط، والقبول غير المشروط، ورؤيتهم كما هم وكما خلقهم الله سبحانه، لا كما نريد أن نراهم، واحترام كيانهم، واهتماماتهم، والقرب الحقيقي من مخاوفهم هم، وآلامهم هم، وما يريدونهم هم بود وإرشاد.


اقرئي أيضاً:
كيف أتعامل مع ابني المراهق؟
مراهقة متوترة في وضع غير مستقر (فيديو)
الاكتئاب في سن المراهقة.. الوقاية تبدأ من الأهل
طفلي عنيد أم مصاب باضطراب العناد الشارد؟


آخر تعديل بتاريخ
10 فبراير 2017

قصص مصورة

Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.