يُعتبر نقص الحديد لدى الأطفال من المشاكل الشائعة التي قد تؤثر في النمو وتتسبب في الإصابة بفقر الدم. في حوار لموقع صحتك تتحدث د. شروتي بونابو وهي اختصاصية في قسم طب الأطفال، عن أعراض نقص الحديد لدى الأطفال، أسبابه وسُبل العلاج، وتقدم نصائح للوقاية تهم الوالدين.
حدثينا عن نقص الحديد لدى الأطفال: أعراضه، أسبابه، وطرق الوقاية والعلاج
يحدث نقص الحديد لدى الأطفال عندما لا يحصل الطفل على ما يكفي من عنصر الحديد اللازم لإنتاج كريات الدم الحمراء السليمة، وهي المسؤولة عن نقل الأكسجين إلى مختلف أنحاء الجسم. ويُعد هذا النقص من أكثر المشكلات الصحية شيوعاً بين الأطفال، خصوصاً في المراحل الأولى من النمو حيث تزداد حاجة الجسم إلى الحديد.
- الأعراض:
قد يعاني الطفل المصاب بنقص الحديد من مجموعة من العلامات التي يمكن ملاحظتها بسهولة، مثل: شحوب لون البشرة، والشعور المستمر بالتعب والإرهاق، وضعف عام في الجسم مع قلة النشاط. كما قد يظهر ضعف في الشهية تجاه الطعام، وسرعة في التهيّج والعصبية، بالإضافة إلى بطء في النمو الجسدي أو العقلي مقارنة بالأقران. ومن الأعراض الأخرى تكرار الإصابة بالعدوى نتيجة ضعف جهاز المناعة. وفي بعض الحالات، قد يلاحظ الأهل ميولاً غريبة لدى الطفل لتناول مواد غير غذائية مثل الثلج أو التراب، وهي حالة تُعرف طبيًا باسم "البيكا".
- الأسباب:
قد تنشأ إصابة الأطفال بنقص الحديد نتيجة عدة عوامل، من أبرزها ضعف النظام الغذائي وعدم تناول أطعمة غنية بالحديد، وهو أمر شائع لدى الأطفال الذين يُعرفون بانتقائية الطعام. كما أن فترات النمو السريع تزيد من حاجة الجسم إلى الحديد، ما يجعل الطفل أكثر عرضة للنقص. كذلك قد يكون السبب ولادة الطفل مبكراً أو بوزن منخفض، الأمر الذي يقلل من مخزونه الطبيعي من الحديد منذ البداية. وقد يؤدي فقدان الدم – حتى بكميات صغيرة مثل تلك الناتجة عن الإصابة بالديدان المعوية – إلى استنزاف مخزون الحديد. إضافة إلى ذلك، فإن الاعتماد المفرط على حمية قائمة على حليب البقر فقط قد يشكّل خطراً مزدوجاً، إذ يحل الحليب محل الأطعمة الغنية بالحديد، كما يمكن أن يسبّب تهيجاً في بطانة الأمعاء ما يزيد من فقدان الدم والحديد.
- الوقاية والعلاج:
للوقاية من نقص الحديد لدى الأطفال وعلاجه، ينصح بالحرص على إدخال أطعمة غنية بالحديد ضمن النظام الغذائي للطفل، مثل اللحوم الحمراء والدجاج والأسماك، إلى جانب البقوليات كالعدس والفاصوليا، والحبوب المدعّمة، والخضراوات الورقية كالسبانخ، إضافة إلى البيض. كما يُستحسن تقديم هذه الأطعمة مع مصادر غنية بفيتامين C كالبرتقال والفراولة والطماطم، لتعزيز امتصاص الحديد في الجسم. وفي الحالات التي يتم فيها تشخيص نقص الحديد، قد يوصي طبيب الأطفال بإعطاء مكملات الحديد المناسبة، والتي يجب تناولها حصراً تحت إشراف طبي لضمان الفاعلية وتفادي أي مضاعفات.
ما هو فقر الدم الناتج عن نقص الحديد عند الأطفال ؟ وهل يُعد خطراً؟
يُعرَّف فقر الدم الناجم عن نقص الحديد لدى الأطفال بأنه حالة يقل فيها مستوى الحديد في الجسم، مما يؤدي إلى إنتاج عدد أقل من كريات الدم الحمراء وبحجم أصغر، وبالتالي تقل قدرة الجسم على نقل الأكسجين إلى الأعضاء والأنسجة. نعم، قد يكون هذا النوع من فقر الدم خطيراً إذا لم يتم علاجه بالشكل المناسب، إذ يمكن أن يسبّب تأخراً في النمو، وضعفاً في جهاز المناعة، إضافة إلى مشكلات في التعلم أو التطور العقلي. وفي الحالات الشديدة، قد يؤثر حتى على وظيفة القلب. ومع ذلك، فإن التشخيص المبكر والعلاج الصحيح يضمنان غالباً تعافي الطفل بشكل كامل، وتمكّنه من اللحاق بالنمو الطبيعي والتطور الصحي مقارنة بأقرانه.
كيف يؤثر نقص الحديد على سلوك الطفل؟
لا يقتصر أثر نقص الحديد على إضعاف بنية الطفل الجسدية، بل يمتد أيضاً إلى الدماغ والسلوك. إذ يُعد الحديد عنصراً أساسياً في نمو الدماغ وإنتاج النواقل العصبية التي تنظم الانفعالات والطاقة والانتباه. الأطفال الذين يعانون من نقص الحديد قد يظهرون سريعو الانفعال أو متوترين أو مرهقين بشكل غير اعتيادي.
كما يمكن أن يواجهوا صعوبة في التركيز داخل الصف، ويفقدوا الاهتمام باللعب، أو يتأخروا عن أقرانهم في مهارات النطق والحركة. وغالباً ما يلاحظ المعلمون وجود مشكلات في الانتباه والذاكرة لدى هؤلاء الأطفال. لكن الخبر السار أن العلاج المناسب يُحدث فارقاً ملحوظاً، إذ يشهد الأهل عادة تحسناً واضحاً في المزاج ومستويات الطاقة والقدرة على التركيز بعد معالجة النقص.
هل يمكن علاج نقص الحديد عند الأطفال بالأعشاب؟
يُقال إن بعض الأعشاب مثل القراص (Nettle) أو المورينغا تحتوي على نسب من الحديد، إلا أن كميتها تبقى محدودة جداً مقارنة بالمصادر الغذائية أو الطبية الموصى بها، كما أن معدل امتصاص الجسم لها غير مؤكد. بل إن بعض أنواع شاي الأعشاب قد تُضعف قدرة الجسم على امتصاص الحديد.
ولهذا لا يوصي أطباء الأطفال بالاعتماد على الأعشاب كعلاج أساسي لنقص الحديد. فإذا تبيّن وجود نقص مؤكد، فإن الجمع بين تناول الأطعمة الغنية بالحديد (مثل اللحوم، البقوليات، والخضروات الورقية) مع المكملات الطبية التي يصفها الطبيب يبقى الطريق الأكثر أماناً وفعالية للعلاج. يمكن للأعشاب أن تكون جزءاً مكملاً للنظام الغذائي العام، لكنها لا تُغني أبداً عن العلاج الطبي المخصص.
ما هو البرنامج الصحي المثالي للأطفال المصابين بنقص الحديد؟
البرنامج المثالي لعلاج نقص الحديد لدى الأطفال يجب أن يكون فردياً حسب حالة كل طفل، لكنه يتضمن بشكل عام عدداً من العناصر الأساسية:
- العلاج الطبي: تناول مكملات الحديد التي يصفها طبيب الأطفال بجرعات محددة، والاستمرار عليها حتى عودة مستويات الدم إلى المعدل الطبيعي.
- الخطة الغذائية: تقديم وجبات متوازنة تحتوي على مصادر متنوعة من الحديد سواء الحيوانية (مثل اللحوم والدجاج والأسماك) أو النباتية (كالعدس والفاصوليا والسبانخ)، مع الحرص على دمجها مع أطعمة غنية بفيتامين C (مثل البرتقال والطماطم والفراولة) لتعزيز امتصاص الحديد. وفي المقابل، يُستحسن تقليل تناول الشاي والقهوة والإفراط في الحليب لأنها تعيق الامتصاص.
- الفحوصات الدورية: إجراء تحاليل دم منتظمة لمتابعة مستوى والهيموغلوبين والتأكد من تحسن الحالة.
- تثقيف الأهل: توعية الوالدين بكيفية إعداد وجبات غنية بالحديد وتشجيع الأطفال على اتباع عادات غذائية صحية.
- دعم نمط الحياة: ضمان حصول الطفل على قسط كافٍ من النوم، وتشجيعه على ممارسة النشاط البدني المناسب، مع الاهتمام بعلاج الديدان المعوية في المناطق التي تشيع فيها هذه المشكلة.
هذا النهج الشامل لا يقتصر على تصحيح النقص الحالي فحسب، بل يساعد أيضاً على الوقاية من تكراره، ما يضمن للطفل نمواً صحياً وتطوراً متوازناً.
ما هي الفاكهة الغنية بالحديد؟
الفواكه ليست من أغنى المصادر بالحديد، لكنها تساهم بنسبة معتدلة في مدّ الجسم به. من الفواكه التي تحتوي على كميات جيدة من الحديد: التمر، الزبيب، القراصيا (البرقوق المجفف)، المشمش، والتين.
كما أن الفواكه الغنية بفيتامين C — مثل البرتقال، والفراولة، والكيوي، والجوافة — تُعد مهمة للغاية، لأنها تساعد الجسم على امتصاص الحديد من المصادر النباتية بشكل أكثر كفاءة. ولذلك، يُنصح بأن يحتوي طبق الطفل على مزيج من الأطعمة الغنية بالحديد، إلى جانب هذه الفواكه التي تُعزز امتصاصه.
خلفية عن د. شروتي بونابو
د. شروتي بونابو هي اختصاصية في قسم طب الأطفال في مستشفى ميدكير للنساء والأطفال. بعد حصولها على بكالوريوس الطب والجراحة، حصلت على درجة الدكتوراه في طب الأطفال من معهد فيديهي للعلوم الطبية في بنغالور بالهند. حصلت على عضوية الكلية الملكية لطب الأطفال وصحة الطفل (MRCPCH).
في مستهل سنوات مسيرتها المهنية، عملت استشارية مبتدئة في طب الأطفال بمستشفى ليتل ستار للأطفال في حيدر أباد، بعدها شغلت منصب طبيب مقيم كبير في طب الأطفال بكلية أبولو الطبية في حيدر أباد، الهند. انتقلت بعد ذلك إلى الإمارات العربية المتحدة حيث انضمت إلى مستشفى القرهود الخاص في دبي بصفتها مسجلًا في طب الأطفال والعناية المركزة لحديثي الولادة. عملت أيضًا اختصاصية لطب الأطفال في مركز برايم الطبي ومستشفى ميديكلينيك بارك فيو.
تقدم د. بونابو العلاج لحالات الحساسية والعدوى وأمراض الأطفال العامة ومشكلات النمو والتطور لمرضاها الصغار، وتقدم علاج الربو وتضع خطط الوقاية منه. تدير عيادة الطفل السليم وتتخصص في إعطاء اللقاحات والتحصينات وإجراء الفحوص الروتينية لحديثي الولادة وتقديم الرعاية لهم.



