تمثل 'الحمى الدورية' أو الحمى المتكررة عند الأطفال تحدياً حقيقياً للكثير من الآباء والأمهات، وتجعلهم في حيرة من أمرهم بين القلق المستمر والبحث عن الأسباب. في هذا الحوار يحدثنا الدكتور حسام الدين ماجد عبد الرحمن استشاري في قسم طب الأطفال عن الأعراض والأسباب وسُبل العلاج.
الحمى المتكررة عند الأطفال : ما أعراضها وأسبابها وأفضل طرق الوقاية والعلاج؟
الحمى من الحالات الشائعة بين الأطفال والرضّع، وغالباً ما تَنتج عن التهابات فيروسية أو بكتيرية. ومن أبرز أعراضها: ارتفاع درجة الحرارة، وضعف الشهية، وشحوب الوجه، والخمول العام، وظهور علامات المرض على الطفل. وقد تُرافق الحمى أحياناً أعراض أخرى مثل السعال أو سيلان الأنف أو القيء أو الإسهال.
تتنوع أسباب الحمى المتكررة عند الأطفال ، فقد تكون ناتجة عن التهاب اللوزتين أو التهاب الأذن الوسطى أو الالتهاب الرئوي أو التهابات المسالك البولية وغيرها من الأسباب.
أما الوقاية فهي عنصر أساسي لتقليل تكرار الإصابة، وتشمل المحافظة على النظافة الشخصية والعامة داخل الأسرة، وضمان حصول الطفل على نوم كافٍ وتغذية صحية متوازنة، وتناول الفيتامينات المقوّية للمناعة، وممارسة النشاط البدني المنتظم. جميع هذه العوامل تسهم في تعزيز مناعة الطفل وحمايته من تكرار الإصابة بالحمى.
ويعتمد العلاج على تحديد السبب. ففي حال كانت الحمى ناجمة عن الإنفلونزا من النوع A أو B، يُنصح باستخدام الأدوية المضادة للفيروسات. أما في حال الإصابة بعدوى بكتيرية شديدة، فيلزم تناول المضادات الحيوية المناسبة. كما قد يحتاج الطفل في بعض الحالات إلى أدوية خافضة للحرارة أو محاليل وريدية حسب الحالة الصحية.
بشكل عام، يُوصى دائماً بمراجعة الطبيب المختص لتشخيص السبب بدقة ووضع خطة.
كيف يجب على الأهل التعامل مع الحمى المفاجئة وغير المبرّرة عند الأطفال؟ وهل هناك أسباب محددة لذلك؟
عند إصابة الطفل بحمى مفاجئة وغير مبررة دون ظهور أعراض واضحة، يُنصح الأهل بالتعامل معها بهدوء مع مراقبة درجة الحرارة بشكل منتظم كل ساعتين إلى ثلاث ساعات. وإذا كان عمر الطفل أكبر من ستة أشهر وارتفعت حرارته فوق 37.7 درجة مئوية، فيمكن إعطاؤه دواء الباراسيتامول، بينما يُفضّل استخدام الإيبوبروفين (بروفين) إذا تجاوزت الحرارة 38.5 درجة مئوية. كما يجب الحرص على تزويد الطفل بكميات كافية من السوائل لتعويض فقدان الترطيب الناتج عن الحمى. وفي حال استمرار الحرارة لأكثر من 48 ساعة، يجب مراجعة طبيب الأطفال لإجراء الفحوصات اللازمة وتحديد السبب ووضع خطة العلاج. أما في حال ترافق الحمى المتكررة عند الأطفال مع تكرار القيء أكثر من ثلاث مرات، أو الإسهال، أو صعوبة في التنفس، أو خمول واضح، فيُنصح بالتوجّه فوراً إلى العيادة أو قسم الطوارئ، إذ قد تشير هذه العلامات إلى وجود عدوى تستدعي تدخلاً طبياً عاجلاً.
ما هي متلازمة الحمى الدورية؟ وكيف يمكن للأمهات التعامل معها وتشخيصها؟
الحمى الدورية من الحالات المعروفة في طب الأطفال، وتتميّز بظهور نوبات متكررة من الحمى على فترات منتظمة، غالباً كل ست إلى ثماني أسابيع، دون وجود سبب واضح في كل مرة. ومن أبرز أسبابها قلة العدلات الدورية (Cyclic Neutropenia) ومتلازمة PFAPA (الحمى الدورية المصحوبة بالتهاب الفم والغدد اللمفاوية والتهاب البلعوم)، حيث يعاني الطفل خلالها من تقرحات في الفم، والتهاب الحَلق، وتضخّم في العقد اللمفاوية، إلى جانب الحمى المتكررة. كما يمكن أن تَنتج الحالة أحياناً عن حمى البحر الأبيض المتوسط العائلية، أو بعض الاضطرابات المناعية.
يُشخَّص هذا النوع من الحمى المتكررة عند الأطفال عادةً من خلال تاريخ طبي دقيق يراجِع فيه الطبيب نمط تكرار الحمى والأعراض المرافقة، إلى جانب تحاليل الدم المتكررة خلال النوبات وما بينها لرصد التغيرات في خلايا الدم البيضاء والعلامات الالتهابية.
أما بالنسبة للأمهات، فيُنصح بـمراقبة درجة حرارة الطفل وتدوين مواعيد تكرار الحمى والأعراض المرافقة بدقة، لأن هذه المعلومات تساعد الطبيب في التشخيص. ويعتمد العلاج على نوع المتلازمة وسببها، فقد يتضمن أدوية مضادة للالتهاب، أو كورتيزون في بعض الحالات، وفي حالات أخرى يتم متابعة الطفل تحت إشراف طبي متخصص في أمراض المناعة أو الوراثة لضمان السيطرة على الحالة والحد من تكرار النوبات.
متى تصبح الحمى المتكررة عند الأطفال خطيرة وتتطلب زيارة الطبيب؟ وماذا يدل تكرار الحمى بشكل متواصل؟
تصبح الحمى المتكررة عند الأطفال خطيرة وتتطلّب تدخلاً طبياً عاجلاً عندما ترافقها علامات تدل على تدهور الحالة الصحية، مثل الجفاف، أو القيء الشديد المتكرر أكثر من ثلاث إلى خمس مرات، أو الإسهال الحاد الذي يتجاوز أربع إلى ست مرات يومياً، أو صعوبة في التنفس، أو سعال مستمر، أو انخفاض في مستوى الأكسجين. كما يُعد اضطراب الوعي أو حدوث حركات لا إرادية أو تشنجات واختلاجات (تُعرف بالتشنجات الحرارية) من المؤشرات الخطيرة التي تستدعي نقل الطفل فوراً إلى قسم الطوارئ.
تكرار الحمى بشكل مستمر قد يشير إلى وجود التهابات متكررة أو ضعف في جهاز المناعة أو أمراض مزمنة، لذا من المهم مراجعة طبيب الأطفال لإجراء الفحوصات اللازمة وتحديد السبب بدقة لضمان العلاج المناسب في الوقت المناسب.
هل هناك أسباب وراثية وراء الحمى المتكررة عند الأطفال ؟
نعم، هناك بعض الأسباب الوراثية التي قد تؤدي إلى إصابة الأطفال بالحمى المتكررة. ومن أبرز هذه الحالات حمّى البحر الأبيض المتوسط العائلية، والتي تظهَر عادةً على شكل نوبات متكررة من الحمى مصحوبة بألم في البطن والمفاصل وأحياناً في الصدر.
كما تُعد متلازمة فرط الغلوبولين المناعي D (Hyper IgD Syndrome) من الاضطرابات المناعية الوراثية النادرة التي تسبب نوبات متكررة من الحمى، بالإضافة إلى متلازمة مستقبِل عامل نَخر الورم الدوري (TNF Receptor Periodic Fever Syndrome)، والتي تُصنَّف أيضاً ضمن أمراض الحمى الدورية ذات المنشأ الوراثي.
تحتاج هذه الحالات إلى تشخيص دقيق من قِبل طبيب مختص في الأمراض الوراثية أو المناعية، لضمان متابعة الطفل ووضع خطة علاجية مناسبة للتحكم في الأعراض وتجنب المضاعفات.
لماذا ترتفع درجة حرارة الطفل غالباً أثناء الليل؟
تُلاحظ زيادة حرارة الأطفال في المساء أو خلال الليل لسببين رئيسيين:
- الإيقاع اليومي للجسم (الساعة البيولوجية): يتأثر إفراز بعض المواد الالتهابية في الجسم، مثل السيتوكينات، بالإيقاع البيولوجي، حين ترتفع مستوياتها ما بين الساعة الثامنة مساءً والثامنة صباحاً، مما يجعل احتمال ارتفاع الحرارة ليلاً أكبر.
- انخفاض هرمون الكورتيزول: الكورتيزول من الهرمونات الطبيعية في الجسم التي تعمل كمضاد للالتهابات. ويكون مستواه أعلى في الصباح ليساعد الجسم على النشاط والاستيقاظ، لكنه ينخفض بشكل واضح في المساء والليل. ومع انخفاض مستوى الكورتيزول، يقل تأثيره المضاد للالتهابات، فتظهر الحمى أكثر خلال الليل.
ماذا يعني عندما يُصاب الطفل بحمى مصحوبة برعشة؟ وهل تُعدّ حالة مقلقة؟
من المهم جداً التمييز بين الرعشة (الارتجاف)، وهي أمر طبيعي وشائع أثناء الحمى، وبين الاختلاجات الحرارية التي تُعتبر حالة مختلفة تماماً.
فعند ارتفاع درجة حرارة الطفل، قد تحدث رجفة أو ارتجافات في الجسم نتيجة استجابة طبيعية لمحاولة الجسم رفع حرارته الداخلية، وهنا يكفي مراقبة الطفل وقياس الحرارة بانتظام مع إعطائه خافضاً للحرارة ومتابعة حالته عن قرب.
أما في حال ارتفاع الحرارة فوق 38.5 درجة مئوية وظهور حركات لا إرادية أو فقدان للوعي أو تشنج أو اختلاجات في الأطراف، فقد يكون الطفل قد تعرّض إلى اختلاجات حرارية (Febrile Seizure)، وهي حالة شائعة نسبياً عند بعض الأطفال وتتطلب التوجّه فوراً إلى قسم الطوارئ لتلقي الرعاية الطبية العاجلة.
ما النصائح التي يجب أن تتبعها الأم عند إصابة طفلها بالحمى؟
يَنصح الأطباء الأمهات عند إصابة أطفالهنّ بالحمى باتباع مجموعة من الإرشادات الأساسية لضمان راحة الطفل وتسريع تعافيه، أهمها: الحفاظ على ترطيب الطفل جيداً بإعطائه كميات كافية من السوائل، والسماح له بالراحة والنوم الكافي في بيئة هادئة ومعتدلة الحرارة. كما يُفضَّل تخفيف الملابس الثقيلة والحفاظ على برودة جسم الطفل قدر الإمكان.
ويُنصح أيضاً بمراقبة درجة الحرارة بانتظام، بحيث إذا تجاوزت 37.7 درجة مئوية يمكن إعطاؤه دواء الباراسيتامول، وإذا ارتفعت فوق 38.5 درجة مئوية يُمكن استخدام الإيبوبروفين (بروفين).
ويجب على الأم متابعة حالة الطفل عن قرب، وفي حال استمرار الحمى أو ظهور أي أعراض غير طبيعية، يُنصح بمراجعة الطبيب فوراً لتقييم الحالة وتحديد السبب.
هل هناك علاجات منزلية طارئة يُنصح بها لخفض حرارة الطفل المرتفعة؟
من أهم الوسائل المنزلية البسيطة التي تساعد في خفض درجة حرارة الطفل: تزويده بكميات وفيرة من السوائل للحفاظ على ترطيب جسمه، وتطبيق كمادات إسفنجية فاترة (وليس باردة جداً) لتبريد الجسم تدريجياً، مع تخفيف الملابس الثقيلة وإبقائه في غرفة ذات درجة حرارة معتدلة وجيدة التهوية. كما يُنصح بتقديم سوائل إضافية مثل الماء والعصائر الطبيعية لتعويض الفقد الناتج عن التعرّق والحرارة.
لكن في حال استمرار ارتفاع الحرارة رغم اتباع هذه الخطوات، أو عند ملاحظة تدهور في حالة الطفل العامة، يجب مراجعة طبيب الأطفال فوراً للحصول على التقييم والعلاج الطبي المناسب.
الدكتور حسام الدين ماجد عبد الرحمن استشاري في قسم طب الأطفال في مستشفى ميدكير - الشارقة. حصل على درجة البكالوريوس في الطب والجراحة (MBBS) ودرجة الماجستير (MSc) في طب الأطفال من جامعة عين شمس، القاهرة. وبعد ذلك، حصل على درجة الدكتوراه (MD) في طب الأطفال من جامعة القاهرة. كما حصل على دبلوم في تغذية الأطفال، وشهادة في دعم الحياة المتقدم للأطفال من دبي، وشهادة في دعم الحياة الأساسي من عجمان. وهو عضو في الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، والجمعية المصرية لأمراض الدم، وإنعاش حديثي الولادة (الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال بالدمام)، من دبي، وبرنامج إنعاش حديثي الولادة، دبي.
بدأ الدكتور حسام مسيرته المهنية بالعمل طبيب أطفال ببرنامج تدريب داخلي، ثم برنامج تدريب في طب الأطفال وحديثي الولادة من جامعة عين شمس في القاهرة. ثم عمل بعد ذلك أستاذًا مساعدًا في كلية الطب بجامعة الشارقة. وفي الإمارات العربية المتحدة، عمل استشاريًا في طب الأطفال في مستشفى ثومبي في عجمان، وفي مستشفى الزهراء - إن إم سي رويال في الشارقة.
يشمل مجال خبرته الرئيسي علاج الربو التحسسي عند الأطفال، ووظائف النمو والتطور، والأمراض المُعدية والتطعيم، بالإضافة إلى الربو القصبي عند الأطفال. كما أنه بارع في علاج فقر الدم واضطرابات الدم لدى مرضاه الصغار.



