ما اضطراب طيف التوحد وكيف يمكن أن نفرق بينه وبين التوحد؟ التفاصيل مع الدكتورة مزين جنزرلي، أخصائية طب الأسرة في مركز التميّز الذهني والبدني.
ما اضطراب طيف التوحد ؟
هو اضطراب عصبي يؤثر على نمو الدماغ، وينعكس على طريقة تفاعل الفرد مع الآخرين، وتواصله، وسلوكه، وتعلمه. يُوصف بـ"الطيف لأنه يشمل مجموعة واسعة من الأعراض والقدرات التي تختلف بشكل كبير من شخص لآخر من حيث النمط والشدة. تظهَر علامات التوحد عادة قبل سن الثالثة، وتشمل صعوبات في التفاعل الاجتماعي، وتأخرًا أو اختلافًا في مهارات التواصل اللفظي وغير اللفظي، إلى جانب سلوكيات نمطية ومتكررة، واهتمامات ضيقة أو محددة. ومع ذلك، قد يمتلك العديد من الأفراد المصابين بالتوحد مهارات استثنائية في مجالات معينة، مثل الذاكرة، أو الانتباه للتفاصيل، أو المهارات البصرية والمكانية.
في مركز التميّز الذهني والبدني، نعتمد مقاربة شاملة تدمج بين التقييمات الدقيقة والبروتوكولات المتخصصة، بهدف دعم الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد في تطوير قدراتهم ومساعدتهم لتحقيق أفضل نسخة من ذواتهم والوصول إلى أقصى إمكاناتهم.
ما أسباب اضطراب طيف التوحد ؟
لا يوجد سبب واحد محدد لاضطراب طيف التوحد، لكن تشير الأبحاث إلى أن هناك مجموعة من العوامل الوراثية والبيئية التي قد تسهم في ظهوره.
من أبرز العوامل المحتملة:
- العوامل الوراثية: قد تلعب الجينات دورًا في زيادة احتمال الإصابة بالتوحد، خصوصًا في حال وجود تاريخ عائلي للحالة.
- الاختلافات في نمو الدماغ: تشير بعض الدراسات إلى وجود فروقات في بنية الدماغ ووظائفه لدى الأطفال المصابين بالتوحد، لا سيما في المناطق المرتبطة بالتواصل الاجتماعي والسلوك.
- العوامل البيئية: lا تزال قيد البحث، لكن بعض العوامل مثل مضاعفات الحمل، أو الولادة المبكرة، أو التعرض لبعض المواد البيئية، قد يكون لها تأثير في بعض الحالات.
من الضروري التأكيد على أن اضطراب طيف التوحد لا يعود إلى أسلوب تربية الطفل أو إلى أي خطأ من الوالدين، كما أنه لا يُعد مرضًا يمكن علاجه أو "الشفاء منه" بالمعنى التقليدي. بل هو اضطراب عصبي يتطور ويستمر مدى الحياة، ويتطلب تفهمًا عميقًا واحتواءً ودعمًا متخصصًا يساعد الفرد على تطوير مهاراته وتحقيق أقصى قدر من الاستقلالية والاندماج في المجتمع.
في مركز التميز الذهني والبدني التابع لموانئ دبي العالمية، نحرص على تقييم كل حالة بشكل فردي لتحديد الاحتياجات والعوامل المؤثرة، ونقدّم برامج مخصصة تهدف إلى تعزيز جودة الحياة والنمو المعرفي والاجتماعي ومساعدة الأطفال لتحقيق إمكانياتهم بأفضل ما يمكن، والوصول إلى أقصى إمكانياتهم.
ما أعراض اضطراب طيف التوحد وكيف يمكن تشخيصه؟
تختلف أعراض اضطراب طيف التوحد من طفل لآخر، وقد تظهر بدرجات متفاوتة من الشدة. وبشكل عام، تشمل الأعراض الأساسية ما يلي:
أولاً: صعوبات في التواصل والتفاعل الاجتماعي:
- صعوبة في فَهم الإشارات الاجتماعية مثل تعابير الوجه أو نبرة الصوت.
- عدم القدرة على إقامة علاقات اجتماعية أو الحفاظ عليها.
- ضعف أو غياب التواصل البصري.
- تأخر في تطور اللغة، أو استخدام أنماط لغوية غير تقليدية.
ثانيًا: سلوكيات واهتمامات متكررة أو محدودة:
- حركات متكررة مثل رفرفة اليدين أو التأرجح.
- تعلق شديد بروتين معين والانزعاج عند تغييره.
- تركيز غير معتاد على أشياء أو تفاصيل محددة.
- حساسية مفرطة أو استجابة منخفضة للمحفزات الحسية (مثل الأصوات أو الأضواء).
يُجرى التشخيص عادةً من خلال فريق متعدد التخصصات، ويشمل:
- الملاحظة السلوكية الدقيقة في مواقف متنوعة.
- مقابلات واستبيانات مع الوالدين لتقييم مراحل النمو والسلوك.
- اختبارات تقييم النطق، واللغة، والقدرات المعرفية.
- وفي بعض الحالات، قد تُستخدم وسائل إضافية مثل التصوير العصبي أو التقييمات الطبية الداعمة للتشخيص.
في مركز التميّز الذهني والبدني، نوفّر تقييمات شاملة باستخدام أحدث التقنيات، من خلال فريق متخصص من الأطباء والأخصائيين، لضمان دقة التشخيص وتصميم برامج علاجية مخصصة تدعم التطور الذهني والسلوكي للطفل.
في أي عمر يمكن أن تظهر علامات اضطراب طيف التوحد ؟
تبدأ علامات اضطراب طيف التوحد بالظهور في عمر مبكر جدًا، غالبًا بين 12 و24 شهرًا، وقد تلاحظ بعض المؤشرات حتى قبل ذلك، خلال السنة الأولى من حياة الطفل. وفي بعض الحالات، قد تتأخر الأعراض لتظهر بشكل أوضح عند دخول الطفل مرحلة ما قبل المدرسة أو في سن أكبر.
من أبرز العلامات المبكرة:
- تأخر أو غياب الابتسامة الاجتماعية.
- عدم الاستجابة عند مناداة الطفل باسمه.
- ضعف التواصل البصري.
- قلة الاهتمام بالتفاعل مع الآخرين أو باللعب التفاعلي.
- تأخر في النطق أو استخدام أنماط غير معتادة من التواصل.
كلما تم التعرف على العلامات في وقت مبكر، وبدأ التدخل المهني المناسب، زادت فرص تحسين مهارات الطفل وتطوير قدراته. في مركز التميّز الذهني والبدني، نحرص على تقديم تقييمات دقيقة وخطط تدخّل فردية تساعد كل طفل على تحقيق أفضل إمكاناته.
كيف يجب أن نتعامل مع مصاب اضطراب طيف التوحد ؟
يتطلّب التعامل مع الأفراد المصابين باضطراب طيف التوحد الكثير من الفهم، والصبر، والدعم المستمر. الهدف هو مساعدتهم على تحقيق أقصى إمكاناتهم، من خلال توفير بيئة آمنة ومحفّزة تعزز التواصل والاستقلالية.
فيما يلي بعض المبادئ الأساسية للتعامل مع الأفراد من طيف التوحد:
أولًا: الفهم والتقبل
- تعرّف على خصائص التوحد واحتياجات الطفل أو الفرد بشكل خاص.
- تجنّب إصدار الأحكام أو مقارنته بالآخرين.
- تقبّل أن طريقة استجابته للعالم قد تختلف، لكنها ليست خاطئة.
ثانيًا: التواصل الواضح والبسيط
- استخدم لغة مباشرة وسهلة الفهم.
- ادعم الحديث بالإشارات أو الصور عند الحاجة.
- امنحه وقتًا كافيًا للفهم والتفاعل.
ثالثًا: أهمية الروتين والاستقرار
- الالتزام ببرنامج يومي يعزّز الشعور بالأمان والراحة.
- في حال حدوث تغييرات، يُفضل التمهيد لها تدريجيًا.
رابعًا: تعزيز السلوك الإيجابي
- احتفل بالإنجازات، مهما كانت بسيطة.
- استخدم أساليب التشجيع بدلًا من العقاب.
- ركّز على القدرات لا على التحديات.
خامسًا: الاندماج والدعم المجتمعي
- شجّع على المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والتعليمية، مع توفير التعديلات المناسبة.
- احرص على أن يشعر الطفل أو الفرد بالقبول والانتماء.
نعمل بالشراكة مع الأسَر والمتخصصين لتقديم خطط تدخل فردية تركّز على نقاط القوة، وتُحسّن من القدرات الذهنية والاجتماعية، وتدعم الاستقلالية في مختلف مراحل الحياة ولمساعدة الأطفال لتحقيق أفضل نسخة من ذواتهم والوصول إلى أقصى إمكاناتهم.
كيف يمكن علاج اضطراب طيف التوحد ؟
اضطراب طيف التوحد لا يُعالَج بدواء محدد أو من خلال تدخّل واحد، إذ يُعتبر نمطًا مختلفًا في تطور الدماغ يرافقه احتياجات خاصة ومتنوعة. ومع ذلك، يمكن دعم الأفراد المصابين بشكل فعّال وتحسين نوعية حياتهم من خلال برامج تدخّل شاملة ومتكاملة، تُصمَّم خصيصًا لتناسب قدراتهم وتلبي احتياجاتهم الفردية، مع التركيز على تنمية المهارات وتعزيز الاستقلالية.
من أبرز الأساليب العلاجية الفعّالة:
العلاج السلوكي والتربوي
- مثل تحليل السلوك التطبيقي (ABA)الذي يهدف إلى تعزيز المهارات الاجتماعية وتقليل السلوكيات التكرارية.
- برامج تنمية مهارات التواصل والتفاعل الاجتماعي.
العلاج الوظيفي والعلاج الطبيعي
- لتحسين المهارات الحركية الدقيقة والتناسق الحركي.
- دعم الاستقلالية في أداء الأنشطة اليومية.
علاج النطق والتخاطب
- لتطوير مهارات التواصل اللفظي وغير اللفظي.
- تعزيز الفهم والتعبير اللغوي.
التدخلات الطبية والتغذوية
- قد تُستخدم بعض الأدوية لمعالجة أعراض مرافقة مثل القلق أو فرط النشاط.
- الدعم الغذائي لتحسين الصحة العامة والسلوك.
العلاج بالأكسجين العالي الضغط (HBOT)
في مركز التميّز الذهني والبدني، نوفّر علاج الأكسجين العالي الضغط كجزء من برنامج شامل لدعم الأطفال المصابين بالتوحد. يهدف هذا العلاج إلى تنشيط وظائف الدماغ، وتحسين التركيز والقدرات المعرفية، من خلال زيادة تزويد الأكسجين إلى الخلايا العصبية في بيئة آمنة وتحت إشراف طبي متخصص.
ما الفرق بين التوحد وطيف التوحد؟
غالبًا ما يُستخدم مصطلحا "التوحد" و"طيف التوحد" للإشارة إلى نفس الحالة العصبية، لكن بينهما فرق في المعنى والدقة العلمية:
الفرق الأساسي:
التوحد (Autism):كان يُستخدم سابقًا للإشارة إلى نوع واحد ومحدد من اضطرابات النمو العصبي، يتميز بصعوبات في التواصل، والسلوك، والتفاعل الاجتماعي، وكان يُعرف باسم: "التوحد الكلاسيكي".
طيف التوحد (Autism Spectrum Disorder - ASD):هو المصطلح الأحدث والأكثر دقة وشمولًا، ويشير إلى مجموعة واسعة من الحالات التي تختلف في الشدة والأعراض.
يعكس مصطلح "الطيف" مدى التنوع في القدرات والتحديات؛ فبعض الأفراد يحتاجون إلى دعم مكثف، بينما يتمتع آخرون بقدرات عالية ويحتاجون إلى دعم محدود.
لماذا نعتمد مصطلح "طيف التوحد" اليوم؟
لأن هذا المفهوم يأخذ في الاعتبار التفاوت الكبير بين المصابين من حيث الأعراض والتجارب، ما يُتيح تقديم تدخّلات مخصصة لكل حالة على حدة. في مركز التميز الذهني والبدني، نعتمد هذا المفهوم الحديث في التقييم والعلاج، ونؤمن بأن كل طفل على الطيف هو حالة فريدة تستحق خطة علاجية مصممة وفقًا لاحتياجاته الفردية ونقاط قوّته.
هل يُعد طيف التوحد مرضاً عقلياً؟
اضطراب طيف التوحد لا يُعد مرضًا عقليًا، بل هو حالة عصبية-نمائية تؤثّر على طريقة تطور الدماغ، لاسيما فيما يتعلق بالتواصل، والسلوك، والتفاعل الاجتماعي.
من الجدير التوضيح:
- يُصنَّف التوحد ضمن اضطرابات النمو العصبي، وليس من فئة الاضطرابات النفسية أو العقلية.
- يتمتع العديد من الأطفال والأفراد المصابين بطيف التوحد بقدرات ذهنية طبيعية، وقد تكون مرتفعة لدى البعض، إلا أنهم يواجهون صعوبات في فهم الإشارات الاجتماعية أو التعبير عنها.
- قد يعاني بعض الأفراد المصابين بالتوحد من اضطرابات نفسية مصاحبة مثل القلق أو الاكتئاب، لكنها ليست جزءًا من التوحد ذاته، بل حالات متزامنة قد تستدعي تدخلًا متخصصًا.
لماذا يُعد فهم هذا الفروق ضروريًا؟
لأن التعامل مع التوحد يتطلب برامج تأهيلية وتربوية مصممة بدقة، وليس فقط تدخّلات دوائية نفسية. في مركز التميّز الذهني والبدني، نركّز على التقييم الدقيق وتطبيق برامج شاملة تُسهم في تنمية المهارات، وتعزيز القدرات، ومواجهة التحديات بطريقة علمية وإنسانية.
فالتوحد ليس "مرضًا" يحتاج إلى علاج، بل حالة تتطلب فهمًا عميقًا، وتمكينًا حقيقيًا، ودعمًا مستمرًا يواكب تطور الفرد في مختلف مراحل حياته.