نناقش مع الدكتور ضياء مبيضين تأثير الصيام في شهر رمضان على صحة المرضى المصابين بارتفاع ضغط الدم أو الذين لديهم تاريخ مرضي مع السكتات الدماغية، ونستعرض دور إضافة الملح في رمضان وأحدث الأبحاث المتعلقة باستبدال الملح العادي بملح غني بالبوتاسيوم كوسيلة للحد من مخاطر الجلطات الدماغية، كما يشاركنا الدكتور ضياء بنصائح عملية لمساعدة المرضى على اتخاذ قرارات صحية تقلل من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية خلال الشهر الفضيل
في هذه المقابلة، نستضيف الدكتور ضياء المبيضين، الطبيب النائب في قسم الأمراض الباطنية بهيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) في المملكة المتحدة، والمتخصص في علاج السكتات الدماغية. يقدم الدكتور ضياء رؤية متعمقة حول العوامل التي تؤدي إلى الإصابة بالسكتة الدماغية، وسبل الوقاية منها، خاصة خلال شهر رمضان، إذ تتغير العادات الغذائية ونمط الحياة بشكل ملحوظ.
1. ما العوامل الرئيسية التي تساهم في حدوث السكتات الدماغية، وهل هناك ارتباط بين التغيرات التي تحدث في الجسم أثناء الصيام في رمضان وزيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية؟
تُعد السكتة الدماغية من الحالات الطبية الخطيرة التي تحدث نتيجة انقطاع أو انخفاض تدفق الدم إلى الدماغ، مما يؤدي إلى نقص الأكسجين والمغذيات اللازمة لخلايا الدماغ، وبالتالي موتها في غضون دقائق. هناك العديد من العوامل التي تزيد من خطر الإصابة بالسكتات الدماغية، وتشمل الأمراض المزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم، ومرض السكري، وارتفاع مستويات الكوليسترول الضار، وأمراض القلب، بالإضافة إلى التدخين، والسمنة، وقلة النشاط البدني.
أما فيما يتعلق بالصيام في شهر رمضان فإن التغيرات التي تطرأ على النظام الغذائي ومواعيد تناول الطعام والأدوية قد يكون لها تأثير مباشر على هذه العوامل. على سبيل المثال، قد يؤدي تأخير أو عدم الانتظام في تناول أدوية ارتفاع ضغط الدم والسكري إلى تقلبات خطيرة في مستويات السكر والضغط، مما يزيد من خطر حدوث الجلطات الدماغية. كما أن الإفراط في تناول الأطعمة الغنية بالدهون وإضافة الملح في رمضان عند الإفطار، إلى جانب قلة شرب الماء، قد يؤدي إلى زيادة لزوجة الدم ورفع احتمالية حدوث تجلطات. لذا، يُنصح المرضى الذين لديهم عوامل خطر سابقة بمراجعة أطبائهم قبل الصيام في شهر رمضان لضبط جرعات الأدوية وإجراء التعديلات الغذائية المناسبة.
2. كيف يمكن للأشخاص الذين يعانون من ضغط دم مرتفع أو تاريخ مرضي من السكتات الدماغية الوقاية من السكتات الدماغية خلال شهر رمضان؟
الخطوة الأولى والأكثر أهمية للأشخاص الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم أو لديهم تاريخ مرضي سابق من السكتات الدماغية هي تقييم قدرتهم على الصيام في شهر رمضان بالتشاور مع الطبيب المختص. بناءً على تقييم الطبيب للحالة الصحية العامة ومدى استقرار ضغط الدم، يمكن اتخاذ القرار المناسب حول الصيام في شهر رمضان.
في حال قرر المريض الصيام في شهر رمضان فمن الضروري وضع خطة طبية وغذائية تتناسب مع حالته، ويشمل ذلك:
- مراجعة الطبيب لتنظيم مواعيد وجرعات الأدوية بحيث تتناسب مع ساعات الصيام والإفطار في شهر رمضان.
- الالتزام بقياس ضغط الدم بانتظام خلال اليوم لمراقبة أي تغييرات غير طبيعية.
- تجنب الأطعمة الغنية بالصوديوم والدهون المشبعة، مثل المخللات والأطعمة المصنعة والمقلية، والتي قد تساهم في ارتفاع ضغط الدم وزيادة خطر الإصابة بالسكتات الدماغية.
- شرب كميات كافية من الماء بين الإفطار والسحور لمنع الجفاف، الذي قد يؤدي إلى زيادة كثافة الدم وارتفاع احتمالية التجلط.
- الحرص على تناول وجبات متوازنة تحتوي على البروتينات الصحية، والخضراوات، والحبوب الكاملة، مع تقليل الكربوهيدرات المكررة والسكريات، والتي قد تؤدي إلى ارتفاع مفاجئ في ضغط الدم أو مستويات السكر.
3. ما العلاقة بين تناول الأملاح والصوديوم في النظام الغذائي وزيادة خطر السكتة الدماغية؟ وهل يمكن أن يكون استبدال إضافة الملح في رمضان بملح غني بالبوتاسيوم فعالاً في الوقاية من السكتة الدماغية؟
على الرغم من أن الصوديوم يُعد مكونًا أساسيًا في الملح العادي (كلوريد الصوديوم)، فإن الإفراط في استهلاكه قد يؤدي إلى احتباس السوائل وارتفاع ضغط الدم، مما يزيد من خطر الإصابة بالسكتات الدماغية. وقد أكدت العديد من الدراسات أن الأنظمة الغذائية الغنية بالصوديوم ترتبط بارتفاع ضغط الدم وزيادة احتمالية الإصابة بالجلطات الدماغية.
أما فيما يتعلق باستبدال إضافة الملح في رمضان بملح يحتوي على نسبة أقل من الصوديوم والمزيد من البوتاسيوم، فقد أشارت بعض الأبحاث الحديثة، مثل الدراسة المنشورة في JAMA Cardiology، إلى أن استخدام بدائل الملح التي تحتوي على مزيج من كلوريد الصوديوم (بنسبة 75%) وكلوريد البوتاسيوم (بنسبة 25%) بدلًا من إضافة الملح في رمضان قد يؤدي إلى تقليل خطر الإصابة بالسكتات الدماغية المتكررة بنسبة 14%، وتقليل معدل الوفيات بنسبة 12%.
ومع ذلك، فإن هذه الدراسة، رغم أهميتها، تعاني من بعض نقاط الضعف التي يجب أخذها في الاعتبار. أولًا، لم تُحدد بشكل دقيق مدى تأثير العوامل الأخرى، مثل نمط الحياة العام ومستوى النشاط البدني والتغذية المتوازنة، على النتائج، مما قد يؤثر على دقة الربط بين تقليل الصوديوم وانخفاض خطر الجلطات. ثانيًا، قد تكون العينة المستخدمة في الدراسة غير كافية لتمثيل جميع الفئات السكانية، لا سيما أن استجابة الأفراد لخفض الصوديوم قد تختلف بناءً على العوامل الجينية والصحية. ثالثًا، هناك تحفظات بشأن تطبيق هذه النتائج على نطاق واسع، خاصةً لدى المرضى الذين يعانون من أمراض الكلى، إذ إن ارتفاع مستويات البوتاسيوم في الدم قد تكون له تأثيرات خطيرة، مثل اضطرابات نظم القلب.
لذلك، على الرغم من أن النتائج مشجعة، فإنها تحتاج إلى مزيد من الدراسات السريرية الواسعة والطويلة الأمد لتأكيد فاعلية وأمان بدائل الملح، كما يظل من الضروري استشارة الطبيب قبل إجراء أي تعديل غذائي، خاصةً لدى مرضى القلب أو الكلى.
4. هل تعتقد أن التغيير في نمط الحياة، مثل زيادة النشاط البدني أو تعديل النظام الغذائي خلال شهر رمضان يمكن أن يقلل من احتمالية الإصابة بالسكتة الدماغية؟
بالتأكيد، فإن تبني أسلوب حياة أكثر صحة، سواء خلال شهر رمضان أو في أي وقت آخر من العام، يُمكن أن يقلل من احتمالية الإصابة بالسكتات الدماغية بشكل كبير. يساعد النشاط البدني المنتظم على تحسين تدفق الدم، وتقليل تراكم الدهون في الأوعية الدموية، والسيطرة على مستويات ضغط الدم وسكر الدم، مما يساهم في تقليل خطر الإصابة بالسكتة الدماغية.
أما من ناحية النظام الغذائي، فإن تقليل استهلاك الملح والدهون المشبعة، وزيادة تناول الخضراوات، والفواكه، والحبوب الكاملة، يُحسن صحة الأوعية الدموية، ويُقلل من مخاطر التجلط. بالإضافة إلى ذلك، فإن تجنب الإفراط في تناول الطعام عند الإفطار، واستبدال الأطعمة الدسمة بوجبات خفيفة وصحية، يُساعد في الحفاظ على توازن الجسم وتقليل مخاطر الارتفاع المفاجئ في ضغط الدم أو مستويات السكر، والتي قد تكون عوامل مسببة للسكتات الدماغية.
5. كيف يمكن للأشخاص الذين تعرضوا لسكتة دماغية سابقة أن يحموا أنفسهم من الإصابة بسكتة دماغية أخرى أثناء صيام شهر رمضان؟ وهل هناك نصائح غذائية أو طبية محددة لهم؟
يعتبر الأشخاص الذين تعرضوا سابقًا لسكتة دماغية من الفئات الأكثر عرضة للإصابة بسكتة أخرى، ولذلك ينبغي عليهم اتخاذ احتياطات إضافية في شهر رمضان، تشمل:
- استشارة الطبيب قبل اتخاذ قرار الصيام في شهر رمضان، إذ قد يُنصح بعض المرضى بعدم الصيام في شهر رمضان لتجنب أي مضاعفات صحية.
- الالتزام بتناول الأدوية في مواعيدها، وضبط جرعات أدوية الضغط أو السكري بما يتناسب مع أوقات الصيام والإفطار.
- اتباع نظام غذائي صحي منخفض الصوديوم، وتجنب الأطعمة الدهنية والوجبات السريعة، التي قد تؤدي إلى ارتفاع الكوليسترول أو زيادة ضغط الدم.
- ممارسة النشاط البدني الخفيف بعد الإفطار، مثل المشي، لتعزيز صحة القلب والأوعية الدموية.
- شرب كميات كافية من الماء بين الإفطار والسحور لمنع الجفاف وتقليل لزوجة الدم، مما يقلل خطر تكون الجلطات.
6. ما رأيك في البحث الأخير الذي أظهر أن استبدال إضافة الملح في رمضان بملح غني بالبوتاسيوم يمكن أن يقلل من تكرار السكتات الدماغية؟ كيف يمكن تطبيق هذا النوع من التغيير في النظام الغذائي بشكل فعال؟
تُشير الدراسة الأخيرة التي نُشرت في JAMA Cardiology إلى أن استخدام بدائل الملح التي تحتوي على نسبة أقل من الصوديوم والمزيد من البوتاسيوم قد يُساهم في تقليل خطر السكتات الدماغية المتكررة والوفيات بين المرضى الذين لديهم تاريخ سابق من السكتات الدماغية. يمكن تطبيق هذا التغيير في النظام الغذائي تدريجيًا، عن طريق:
- تقليل إضافة الملح في رمضان تدريجيًا واستبداله ببدائل تحتوي على نسبة أقل من الصوديوم.
- زيادة استهلاك الأطعمة الطبيعية الغنية بالبوتاسيوم، مثل الموز، والأفوكادو، والبطاطا، والسبانخ.
- استشارة الطبيب قبل استخدام بدائل الملح، خاصةً للأشخاص الذين يعانون من أمراض الكلى أو القلب.
بهذه الطريقة، يمكن تحسين صحة الأوعية الدموية وتقليل احتمالية الإصابة بالسكتات الدماغية دون التعرض لمخاطر غير محسوبة.
في ختام هذا اللقاء، قدّم لنا الدكتور ضياء المبيضين رؤية شاملة حول العوامل المؤثرة في السكتات الدماغية، خاصة خلال شهر رمضان وأهمية التوازن في النظام الغذائي وإدارة الأدوية بشكل صحيح للحد من المخاطر. كما تطرق إلى أحدث الأبحاث حول دور إضافة الملح في رمضان عند الإفطار وبدائله في الوقاية من الجلطات الدماغية، مسلطًا الضوء على فوائد ذلك ومحاذير الاستخدام، خصوصًا لمرضى الكلى والقلب.