يحدث مرض السرطان عندما تتكاثر بعض خلايا الجسم بشكل متسارع غير منضبط، وقد تنتشر هذه الخلايا غير الطبيعية في كثير من أعضاء الجسم بحيث لا تستطيع الأعضاء المصابة القيام بوظائفها الطبيعية، ويَستشري المرض تدريجياً ويَستفحل حتى يَقضي على المريض.
تَختلف فترة حياة المريض المُصاب بهذا المرض الخبيث بحسب نوع السرطان وشدة خبثه، فقد تَحدث الوفاة خلال أشهر قليلة، أو تمتد إلى سنوات كثيرة. لا نعرف حتى الآن سبباً معيناً لحدوث هذا المرض، وربما يرجع ذلك إلى أنه لا يوجد في الحقيقة سبب واحد لهذا المرض، بل هناك أسباب عديدة تكمن وراء حدوث أنواع كثيرة من هذه الأمراض الخبيثة التي يزيد عددها على المئتين، ولذا فمِن الصعب تحديد سبب واحد أو علاج واحد.
علاجات أمراض السرطان
على مَر تاريخ البشرية، لم يكن هنالك من علاج ناجع لبعض حالات السرطان سوى الاستئصال الجراحي إذا كان ذلك ممكناً، فلا بد من القيام بذلك قبل أنْ ينتشر المرض. ومِن هنا تتضح أهمية الكشف المبكر عن هذا المرض لكي يتمكن الأطباء من استئصاله بشكل تام. وفي القرن العشرين، تَطَوَّر كشف الأمراض عن طريق التحاليل المخبرية والتصوير والفحص بالأمواج الصوتية أو الشعاعية ... وتَنَبَّه الأطباء إلى أهمية تثقيف الناس عن وسائل الحياة الصحية التي يمكن أن تمنحَ الناس وقاية من الإصابة بهذه الأمراض، مثل التغذية الجيدة، وممارسة الرياضة، وعدم التَعرض الطويل لأشعة الشمس، وعدم التدخين، وتَجنب استخدام بعض المواد الكيميائية ...
مع تَطَور معلوماتنا عن المَناعة أَدرَك الأطباء أيضاً الدور الأساسي الذي تقوم به خلايا المَناعة في التخلص من الخلايا الشاذة التي يمكن أن تَنشأ في الجسم. إذ تَنقسم أغلب خلايا الجسم وتتجدَّد باستمرار، وتَحدث تغيُّرات وطَفرات عديدة في المادة الوراثية أثناء انقسام الخلايا، ولكنّ خلايا المَناعة تكشف عادة وجود خلايا شاذة متغيِّرة وتَقضي عليها، لأن الخلايا الشاذة تَعرض على سطحها بروتينات شاذة غير "ذاتية"، وكأنما هي سفن تَرفع أعلاماً غير الأعلام الوطنية.
ويبدو في بعض الأحيان أنّ تغيرات المادة الوراثية التي تَحدث في بعض الخلايا تؤدي إلى تَشَكل بروتينات تستطيع خداع خلايا المَناعة، فلا تكتشف شذوذها، ولا تهاجمها، فتتكاثر هذه الخلايا بشكل متسارع غير منضبط، ويَحدث السرطان. ولذا فقد فكَّر العلماء أنّ هذا الخلل المَنَاعي هو الأساس الذي يبدأ منه هذا المرض. وبعد أن ازدادت معارفنا عن خلايا المَناعة، والطرق التي تتعرف بها على الخلايا المريضة أو على الأجسام الغريبة عن الجسم، وعرفنا تركيب الأجسام المضادة، والزُمَر المَنَاعية، وفهمنا الأساليب المختلفة في التفاعلات المَنَاعية، ازداد التركيز على دراسة العلاقة بين المَناعة وأمراض السرطان، ونَشط العلماء لاكتشاف الأدوية واللقاحات المختلفة التي يمكن أنْ تُساعد خلايا المَناعة في القضاء على الخلايا السرطانية أينما كانت.
تحفيز المَناعة ضد السرطان
تطَوَّرتْ معلوماتنا عن المَناعة خلال القرن العشرين، وحدثَتْ اكتشافات كثيرة مهمة قام بها العلماء الرواد، وتوصَّلوا حتى هذه الأيام إلى معرفة أساليب رئيسية أربعة في العلاج المَنَاعي لأمراض السرطان تشمل ما يلي:
1 – تنشيط المناعة غير النوعية:
من أوائل هذه الأساليب تطبيقاً كانت طريقة تَحفيز أو تَنشيط خلايا المَناعة بشكل عام غير نوعي أو غير مُحدَّد بنوع معيَّن من أنواع السرطان. في أواخر القرن التاسع عشر، لاحَظَ الطبيب ويليام برادلي كولي William Bradley Coley (1862-1936) أثناء عمله في جراحة العظام بإحدى مشافي نيويورك أنّ أحد المرضى المصابين بنوع من سرطان العظام قد شفي بعد إصابته بحمى نتيجة العدوى بجرثومة Streptococcus pyogenes.
وعندما دَرَسَ ملفات مرضى آخرين، اكتَشَف أنّ بعضهم قد شفي أيضاً إثر الإصابة بالحمى. بل إنه اكتَشَف تقارير سابقة نَشَرها روّاد كِبار مثل باستور وكوخ ذُكِرتْ فيها ملاحظات مماثلة. عالَجَ كولي بعض مرضى سرطان العظام بحقنهم بهذه الجراثيم، وسَجَّلَ بعض حالات الشفاء. إلا أنّ بعضهم تَدهوَرَتْ حالته الصحية نتيجة الحمى والالتهاب الجرثومي.
وقام كولي بتعديل علاجه بحقن الجراثيم بعد قَتْلِها، كنوعٍ من "اللقاح" الذي قد يُنَشِّط خلايا المَناعة بشكل عام. إلا أنّ أغلب الجمعيات الطبية المتخصصة لم تَقبَل نتائجه. وعلَّقَت الجمعية الأمريكية للسرطان أنه: "يجب القيام بمزيد من الأبحاث قبل معرفة فيما إذا كانت هذه الطريقة في العلاج مفيدة بالفعل للمرضى المصابين بالسرطان أم لا".
أما الجمعية البريطانية لأبحاث السرطان فقد رفضَتْ هذه الطريقة في العلاج قائلة إن: "المعلومات العلمية المتوفرة لا تؤيد ادعاء كولي بأن لقاحاته يمكن أن تُعتَبر علاجاً أو وقاية من السرطان. وإن مرضى السرطان الذين يأخذون لقاحات وأمصال كولي بالإضافة إلى العلاجات المعتَمَدَة في علاج السرطان، أو يستخدمونها بدلاً من ذلك، يغامرون بتعريض صحتهم لأخطار جادة". ومع حلول سنة 1901 ظَهَرَت النتائج المشجعة لعلاج السرطان بالأشعة، وفَقَدَ الأطباء والعلماء اهتمامهم باستخدام اللقاحات والأمصال في علاج السرطان.
ظَلَّت الأبحاث الأولية التي قام بها كولي في طَيِّ النسيان، على الرغم من أنّ بعض الأطباء حاولوا تَحفيز خلايا المَناعة باستخدام لقاحات مختلفة، مثل لقاح السلّ، وحَصَلوا على بعض النتائج المشجعة في بعض حالات سرطان المَثانة، إلا أنّ التطبيق العملي لهذه الطريقة في علاج السرطان لم تَنتَشر بسبب كونها غير نوعية وغير مؤكدة النتائج.
عاد الاهتمام بالعلاج المَنَاعي للسرطان مجدَّداً بعد اكتشاف المواد الطبيعية التي تُحَفِّز خلايا المَناعة، ونَجَحَتْ بعض شركات الأدوية في تصنيع هذه المواد، مثل الانترفيرون Interferon، التي يؤدي حقنها إلى تَنشيط عام لمَناعة المريض ضد بعض الفيروسات، مثل فيروس التهاب الكبد، وبعض أنواع السرطان، مثل الميلانوما.
شكل توضيحي يبيّن تَعرُّف خلية مَناعية قاتلة على خلية ميلانوما سرطانية واكتشاف اختلافها عن خلايا الجسم الطبيعية