هل يسبب التوتر السرطان؟ مع إعلان إصابة ملك إنكلترا تشارلز الثالث بالسرطان، واشتداد وتيرة المرض لديه، برزت إلى السطح فرضية سابقة قالت بوجود علاقة محتملة بين التوتر الشديد والسرطان، فهل يمكن للتوتر أن يسبب السرطان؟
نحن نعيش في زمن بات التوتر فيه سمة لهذا العصر، فهو يلازم الإنسان كظله. قد يكون التوتر عابراً سرعان ما يرحل بمجرد زوال السبب، ويعتبر هذا النوع من التوتر ضرورياً لمواجهة التهديدات وأعباء الحياة اليومية، ولكن المشكلة تكمن في التوتر المزمن، الذي يستمر أياماً وأسابيع وأشهراً وربما لسنوات، فشظاياه قد تترك آثاراً تنعكس سلباً على الصحة الجسمية والنفسية والعقلية، وعلى الحياة الشخصية والعائلية والاجتماعية والمهنية. تابع مقالنا هذا لتعرف إجابة سؤالنا هل يسبب التوتر السرطان؟
هل يسبب التوتر السرطان؟ 4 أسئلة محورية
السؤال الأول: هل يسبب التوتر السرطان؟
أفادت الأبحاث أن التوتر المزمن يساهم، بشكل أو بآخر، في إطلاق العنان لحدوث "تغيرات كيميائية" في الجسم من شأنها أن تحرض على نشوء مشكلات صحية، مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والأوعية الدموية والسكتة الدماغية وإطلاق بعض الهرمونات وإثارة الالتهابات، ولكن هل يمكن لتلك التغيرات الكيميائية الناجمة عن التوتر أن تثير نمو السرطان؟ ما يمكن قوله على هذا الصعيد ما يلي:
- حاولت وتحاول العديد من الدراسات العلمية التوصل إلى اكتشاف الرابط الذي يجمع ما بين التوتر والسرطان، ولكن حتى الآن ما زالت نتائجها متفاوتة وغير واضحة وليست حاسمة.
- إن التوتر المستمر عند مريض السرطان يجعل "نظام القتال والهروب" لديه في حالة تأهب مستمر، ما يُبقي مستويات هرمونات التوتر عالية باستمرار، ما يؤدي إلى إرهاق الجسم على المستوى الخلوي، وربما إلى زيادة خطر الإصابة بالسرطان أو إلى نموه بشكل أسرع.
- وجدت دراسات في المختبر أن النورايبنفرين الذي يتم إطلاقه كجزء من نظام القتال والهروب قد ينشط كريات الدم المناعية المعروفة بالعدلات يمكنها أن تساعد في بعض الحالات على حماية الأورام من الجهاز المناعي، أو أنها قد تعمل على إيقاظ الخلايا السرطانية الكامنة.
- يمكن أن يؤدي التوتر المزمن إلى إضعاف جهاز المناعة، وقد يلعب هذا الضعف دوراً في إشعال فتيل الإصابة بالسرطان.
- هناك أدلة تشير إلى أن التوتر المزمن يمكن أن ينشط من الحيثيات الالتهابية في الجسم التي ربما تساهم في جعل الخلية تأخذ مساراً خبيثاً.
- قد يكون للتوتر المزمن علاقة غير مباشرة بالسرطان من خلال جعل المرضى ينغمسون في اتباع عادات غير صحية مثل التدخين، وشرب الكحوليات، والإفراط في تناول الطعام، وسوء التغذية، وقلة النشاط الرياضي، فهناك معطيات تفيد أن مثل هذه العادات قد يكون لها دور في زيادة مخاطر الإصابة بالسرطان.
السؤال الثاني: هل التوتر يجعل مرض السرطان أسوأ؟
إلى جانب ضغوطات الحياة اليومية المختلفة التي يتعرض إليها مرضى السرطان، فهم يواجهون مخاوف تتعلق بالتشخيص وتحديات العلاج وعودة السرطان مرة أخرى، وهذه كلها عوامل قد تساهم في جعل مرض السرطان أكثر سوءاً.
السؤال الثالث: هل يساهم التوتر المزمن في تطور النقائل السرطانية؟
في دراسة أجراها باحثون أميركيون من مختبر "كولد سبرينغ هاربور" تم نشرها في مجلة " خلية السرطان" في شهر شباط من العام 2024، حاول المشرفون عليها معرفة كيفية تأثير التوتر المزمن على تطور النقائل السرطانية.
أنجزت الدراسة على مجموعة من الفئران المصابة بالسرطان عمل الباحثون خلالها على محاكاة التوتر المزمن عليها، وفي نهاية الدراسة جاءت النتائج لتكشف ما ليس في الحسبان، إذ تم تسجيل زيادة مخيفة في النقائل السرطانية عند تلك الحيوانات، وكانت هذه النقائل أكثر عدداً بأربعة أضعاف في الرئتين.
ما هو التفسير؟
الجواب جاء على لسان البروفيسور ميكالا إيجيبلاد، المؤلف المشارك في الدراسة، إذ قال ما معناه إن هرمونات التوتر تعمل على نوع من كريات الدم البيضاء التي تشارك في الدفاع عن الجسم وهي العَدِلات، فتدفعها إلى تشكيل هياكل تشبه شبكات العنكبوت أطلق عليها اسم Nets، قيل عنها هي التي تخلق بيئة دقيقة مواتية لانتشار النقائل السرطانية.
علاوة على ذلك، فقد وجد معدو الدراسة، أنه حتى في الفئران غير المصابة بالسرطان، يمكن للتوتر المزمن أن يجهز أنسجة الرئة لاستيطان السرطان.
لا شك أن الدراسة أجريت على الحيوان، ولكن لا بد من إجراء دراسات مماثلة على البشر، فالباحثون يأملون من الاكتشاف السالف الذكر، عاجلاً أم آجلاً، وضع استراتيجيات علاجية جديدة من شأنها أن توقف انتشار السرطان قبل أن يبدأ، بحيث تكون تلك الاستراتيجيات جزءاً من علاج السرطان والوقاية منه، كما تقول البروفيسورة المشاركة في الدراسة "ليندا فان إيلسيت".
السؤال الرابع: هل يؤثر التوتر على الشفاء من السرطان؟
إن إطلاق بعض الهرمونات بسبب التوتر المزمن قد يعرقل عملية قتل الخلايا السرطانية، وربما يزيد من نمو السرطان، أيضاً يمكن لتلك الهرمونات أن تخلق مقاومة ضد العلاج الكيميائي، وقد تمنع الجهاز المناعي من التعرف على الخلايا السرطانية من أجل تدميرها.
بعد الإجابة عن سؤال هل يسبب التوتر السرطان؟ ما السبيل لتقليل التوتر؟
بعد أن تعرفت على جواب سؤال هل يسبب التوتر السرطان؟ فنحن على دراية بأننا جميعا نعاني من التوتر، وكل واحد منا لا يعاني منه بنفس الطريقة، وبناء عليه؛ فإنه على كل شخص أن يعثر على التقنيات الأنسب له للتعامل مع التوتر والضغوطات المختلفة، وبالتالي التخفيف من وطأتها على الجسم وفقاً لاحتياجاته.
هناك تقنيات مختلفة تساعد على التخفيف من التوتر، أبرزها تقنيات الاسترخاء، مثل تمارين العقل والجسد، والتنفس العلاجي، والتخيل الموجه، وتمارين اليوغا، فهذه كلها مفيدة في الحد من التوتر وآثاره الضارة على الجسم. كما يمكن للنصائح التالية أن تساعد على التأقلم والتخفيف من التوتر:
- التعبير عن المشاعر، فقد تبين أن الأشخاص الذين يعبرون عن مشاعرهم القوية بسبب التوتر يكونون أكثر قدرة على التخلص منه. يمكن التعبير عن المشاعر بالتحدث إلى أشخاص معينين حول جوانب مختلفة من الحياة، فهذا من شأنه أن يبعث على الراحة.
- التأمل، وهو مفيد جداً في تقليل التوتر والتغلب على الحزن والقلق، لأنه يحرر العقل من أفكار الماضي ومن المخاوف المستقبلية. كما يساعد التأمل على الاسترخاء والشعور بالهدوء، وعلى تأمين السلام الداخلي وعلى تحقيق معرفة أفضل للذات.
- ممارسة النشاط البدني، يساعد النشاط البدني المنتظم الأشخاص المصابين بالتوتر على توجيه هرمون الغضب الأدرينالين لتأمين أداء أفضل أثناء القيام بالتدريبات، كما يساهم النشاط الرياضي على إطلاق هرمون الأندروفين والسيروتونين، ما يساعد على الشعور بالبهجة والسعادة وعلى تبديد التوتر.
- البحث عن الهوايات المفضلة مثل الاستمتاع بالموسيقى والقراءة وحل الألغاز والرقص والصيد والعمل في حديقة المنزل وتسلق الجبال، وغيرها من الهوايات التي تساعد على تحسين المزاج وتعزيز الصحة الجسمية والعقلية.
- الاحتفاظ بمذكرة يتم فيها تسجيل المصادر المثيرة للتوتر قبل الذهاب إلى فراش النوم، من أجل تحرير العقل منها ولفظها إلى الخارج بدلاً من اجترارها. أيضاً، يمكن للشخص تدوين الأشياء التي قام بها والتي أثارت استمتاعه وجعلته يركز على الجوانب الإيجابية من حياته.
- اتباع نمط حياة صحي.
- اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن.
- النوم الجيد.
- استشارة الطبيب النفسي إذا دعت الحاجة للمساعدة في السيطرة على التوتر.
رأي موقع صحتك حول موضوع هل يسبب التوتر السرطان؟
بات معروفاً في أيامنا هذه، وعلى نطاق واسع، أن التوتر المزمن يشكل عامل خطر رئيسي للإصابة بمجموعة واسعة من الأمراض، مثل أمراض القلب، وارتفاع ضغط الدم، والقرحة، والتهاب القولون، والربو، ومتلازمات الألم (مثل الصداع النصفي، والصداع العنقودي، والصداع الناتج عن التوتر، وآلام الظهر)، وأمراض الجلد، والأرق، والاضطرابات النفسية المختلفة.
في المقابل، فإن الدور الذي يلعبه التوتر في الإصابة بالسرطان غير واضح، فحتى الآن لم تُثبت الأبحاث وجود علاقة سببية مباشرة بين التوتر والسرطان. هناك اعتقاد بأن التوتر المزمن يمكن أن يؤثر سلباً على جهاز المناعة في الجسم، أو أنه يؤثر على التوازن الهرموني، ما يزيد من احتمالية تطور بعض أنواع السرطان، لهذا فإنه من الجيد مواجهة التوتر بمختلف السبل المتوفرة للحد من آثاره السلبية، مثل ممارسة تمارين الاسترخاء، والتأمل، واليوغا، والتمارين الرياضية، واتباع نمط حياة صحي وغذائي متوازن، لتحسين نوعية الحياة. وبالطبع، فإنه لا يجب إغفال استشارة مقدمي الرعاية الصحية المختصين للحصول على معلومات دقيقة وتوجيهات ملائمة.
المصدر: