صحــــتك

مشروع دولي طَموح لدراسة المادة الوراثية

الحمض النووي
مخطط تركيب المادة الوراثية عند الإنسان

اتفق علماء الأحياء والوراثة على القيام بمشروع علميّ دولي مهم لوضع خريطة المادة الوراثية في الإنسان Human Genome Project. بدأ التخطيط لهذا المشروع سنة 1984، وانطلق عملياً في سنة 1990. اشترك في هذا المشروع الكبير أكثر من عشرين مختبراً علمياً لأبحاث الوراثة في عدة دول كان مِن بينها أمريكا وانكلترا واليابان وفرنسا وألمانيا والصين وأستراليا... ترأس واطسن الفريق الأمريكي لمدة سنتين.

وكان هدف المشروع هو تَحديد تسلسل الأسس في تركيب الحمض النووي DNA للمادة الوراثية عند الإنسان، ورَسْمُ خريطة الموَرِّثات فيها. تم تمويل المشروع بشكل رئيسي من المؤسسة الوطنية للصحة NIH ووزارة الطاقة في أمريكا. كانت الكلفة المقدرة للمشروع 3 بليون دولار، ومدته خمس عشرة سنة.

في سنة 1999 توصَّل العلماء إلى معرفة تسلسل المادة الوراثية في الصبغيّ رقم 22، وهو أصغر الصبغيات عند الإنسان. تطورتْ تقنيات البحث بسرعة كبيرة، ونجحتْ مختبرات البحث في إتمام ما أوكِل إليها من مهام قبل الموعد المحدد. في 26 يونيو سنة 2000 خرج الرئيس الأمريكي بيل كلينتون مع رئيس الوزراء البريطاني توني بلير وأعلنا للعالَم تَوَصُّل العلماء إلى النص المبدئي لخريطة المادة الوراثية عند الإنسان. بدأ نَشر تفاصيل هذه الخريطة في المجلات العلمية في فبراير 2001، ونُشرت الصيغة النهائية في 14 أبريل سنة 2003 قبل سنتين من الموعد المحدد لإتمام المشروع. وفي مايو 2006 نجح العلماء في التوصل إلى الخريطة الوراثية لجميع الصبغيات عند الإنسان. كان ذلك المشروع العظيم في عِلم الأحياء يشبه في أهميته مشروع نزول إنسان على سطح القمر في عِلم الفضاء.

ماذا وجدوا في المادة الوراثية عند الإنسان؟

أَظهرت خريطة المادة الوراثية وجود حوالي 3.4 بليون زوج من المواد الأساسية في تركيب الحمض النووي DNA عند الإنسان. ولمْ يمكن وضعها في تراتيب محددَّة سوى في حوالي 20،000 – 30,000 مُوَرِّثة فقط، بينما لا يُعرف معنى تسلسل كثير من المواد الأساسية الأربع في المادة الوراثية.

طُبِعتْ هذه الخريطة الوراثية الأولى للإنسان في 100 مجلد، ضَمَّ كل منها 1000 صفحة. ولا يعني ذلك أنّ العلماء قد توصلوا إلى فهم معاني التركيبة الوراثية للإنسان، فما زال هذا الهدف بعيد المنال. إذا أردنا تشبيه ما هو موجود في هذه المجلدات، يمكننا القول إنها تحتوي على تسلسل الحروف الموجودة في المادة الوراثية التي تُكتَب بلغةٍ من أربعة حروف هي: A, T, C, G. ولكن ما الذي تعنيه هذه الحروف؟ يجب علينا أولاً التوصل إلى وضعها في كلمات وجمل يمكن فهم "معانيها" أو "وظائفها"، ثم في مقاطع ومواضيع ذات وظائف محددَّة.

تشبه هذه المهمة ما يقوم به علماء الآثار عندما يحاولون فك أسرار لغة قديمة مجهولة وقراءة الكتابات الغامضة التي نُقِشَتْ في آثار حضارة بائدة. وقد كانوا محظوظين عندما وجدوا أمامهم في حجر رشيد نصاً مكتوباً ومترجَماً بثلاث لغات، فتمكنوا بواسطته من حل رموز الكتابة الفرعونية القديمة وقراءة نصوصها.

ولكن لا يوجد لدى علماء الأحياء نصوص مكتوبة بلغة المادة الوراثية "مترجمة" إلى لغة أو لغات أخرى معروفة! تبدو هذه المهمة مستحيلة الحل الآن أمام علماء الوراثة، ولكنّ ما يساعد في التغلب عليها هو أنه ليس من الضروري حلّ "أو قراءة" النص الكامل للمادة الوراثية، وإنما يمكن حلّه جزءاً صغيراً بعد جزء حسبما تتوفر لهم المعلومات الكافية عن الأجزاء المدروسة. المهمة المطروحة أمام العلماء هذه الأيام هي محاولة التعرف على المُوَرِّثات التي تَرتبط بوجود أمراض معينة مثل السكري والسرطان، وبالتالي التوصّل لإيجاد علاج نوعي لكل منها باستخدام تقنيات الهندسة الوراثية إنْ أمكن ذلك، خطوة خطوة.

جيمس واطسون ومشروع القرن

أصرَّ جيمس واطسون الذي شارك في اكتشاف تركيب الحمض النووي DNA على نَشر الخريطة الوراثية عند الإنسان، وجعلها متاحة للاطلاع والبحث العلمي، وعدم إبقائها سراً، وعدم الاستفادة منها في أي مشروع استثماري تجاري ربحي، لأنها " ملْك البَشَرية وليست ملْكاً خاصاً لأي مؤسسة أو دولة". وقام بنَشر خريطة مادة جسمه الوراثية الشخصية سنة 2007 على الإنترنت قائلاً: " لقد وضعتُ خارطة جسمي الوراثية على الإنترنت لكي أُشجِّع على تطوير الطب الشخصي الذي يمكن تخصيصه لكل شخص بعينه Personalized Medicine، بحيث تُستخدَم المعلومات الموجودة في المادة الوراثية لكل واحد منّا لكشف أمراضه وعلاجها بل والوقاية منها قبل حدوثها".

http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/4/44/James_Dewey_Watson.jpg/300px-James_Dewey_Watson.jpg

جيمس واطسون James Watson في مشروع المادة الوراثية عند الإنسان 1992

كان لواطسن نشاطه السياسي الإنساني أيضاً في حركة الأمريكان ضد حرب فيتنام، وحركة المطالَبة بنزع الأسلحة الذرّية، وظلّ شخصية تثير الجدل في الأوساط الاجتماعية والسياسية، وقام بعرض ميدالية جائزة نوبل للبيع في مزادٍ علني سنة 2014! بيعتْ هذه الميدالية بالفعل بمبلغ قدره 4.1 مليون دولار، وكان ينوي التبرع بثمنها لبعض مشاريع المحافظة على البيئة في أمريكا، ولدعم البحث العلمي في جامعة ترينيتي في إيرلندا. اشترى الميدالية البليونير الأوزبكي الأصل عليشر عثمانوف ثم أعادها إلى واطسن قائلاً إنه من غير المقبول أنْ يُضطَر إلى بيع ميداليته. فاز جيمس واطسن بثلاثين جائزة علمية أمريكية وعالمية. ونَشر ستة كتب ومئات من المقالات العلمية، ومازال نشيطاً في تقديم المحاضرات العامة.

 

المصدر:

كتاب "قصة الوراثة، كيف كشفها رجالها" للدكتور عامر شيخوني

 

آخر تعديل بتاريخ
30 مارس 2023

قصص مصورة

Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.