صحــــتك

قصة استنساخ الحيوانات والنباتات، وربما الإنسان!

ما الاستنساخ العلاجي.. وما فائدته؟
تطبيقات الهندسة الوراثية في استنساخ بعض النباتات والحيوانات

خلال النصف الأول مِن القرن العشرين، نَجَح العلماء في استنساخ حيوانات كاملة من خلايا جَنينية، مثل حصولهم على عدَّة أجِنَّة متماثلة مِنْ بويضة ملقَّحَة واحدة، كنوعٍ مِنْ الحصول على توائم حقيقية لجنين واحد. وتطوَّرَ طموحهم لتطبيق هذه التقنيات لاستنساخ توأمٍ جديد لحيوان بالغ.

وبالفعل نَجَح العلماء في استنساخ بعض الحيوانات خلال النصف الثاني من القرن العشرين. كان أول مَن نجح بذلك هو عالِم الأحياء السير جون برتراند غوردون John Bertrand Gurdon (1933) في جامعة أوكسفورد. وقد فَعَل ذلك سنة 1958 بأخذ نواة خليّة من جسم ضفدع ونَقْلِها إلى خليّة جَنينِيَّة، انقسَمتْ الخلية الجديدة وتطوَّرتْ إلى ضفدع جديد يماثل تماماً في مادته الوراثية الضفدع الذي أُخذتْ منه نواة الخليّة.

ومِنَ الطريف أنّ غوردون كان طالباً فاشلاً في دراسته، وكان ترتيبه الأخير بين 250 طالباً في معهد إيتون في مدينة إدينبرا. كَتَبَ عنه المدير قائلاً: " أعتقد أنه يريد أنْ يصبح عالِماً، ويبدو أنّ ذلك يثير الاستهزاء بالنظر إلى نتائجه الحالية ". وذَكَرَ غوردون أنّ هذا التقرير الدراسي هو التقرير الوحيد الذي وَضَعَه في إطار وعَلَّقَه في مكتبه، وقال لأحد الصحفيين مُتَندِّراً: " عندما أواجِه صعوبة في إحدى التجارب، وهذا يحَدث كثيراً، مِنَ المفيد أنْ يُذَكِّر المرءُ نفسَه أنه ربما لا يتمتع بالمهارة العِلمية التي كان يظنُّها في نفسه، وربما كان ذلك المدير على حق".

تمكَّن بعض العلماء في جامعة بازل في سويسرا سنة 1975 من تطبيق الأساليب التي وصَفَها غوردون لنَقْلِ نواة خليّة من دم ضفدع إلى بويضة ضفدع آخر نُزِعَتْ منها نواتها، واستَنسخوا بذلك ضفدعاً جديداً مماثلاً. وفي سنة 2012 نال غوردون جائزة نوبل في الفيزيولوجيا والطب تقديراً لاكتشافه أنّ خلايا الجسم يمكن تحويلها إلى خلايا جَنينِيَّة.

جون برتراند غوردون John Bertrand Gurdon (1933) في جامعة أوكسفورد. نال جائزة نوبل في الفيزيولوجيا والطب سنة 2012 تقديراً لجهوده في تحويل خلايا الجسم إلى خلايا جَنينِيّة

استنساخ الإنسان !

تُستخدَم تقنيات الهندسة الوراثية بالفعل منذ أواخر القرن العشرين في إنتاج نباتات وحيوانات ذات امتيازات خاصة ومفيدة، مثل انتاج أنواع نباتية قوية غزيرة الإنتاج من الفاكهة والخضار، واستنساخ حيوانات ذات صفات متميزة، مثل خيول السباق والأبقار والأغنام الجيدة. وكذلك في إنشاء سلالة من الجراثيم التي تنتج بعض الأدوية البَشَرية مثل الإنسولين... وقد تحققت فوائد هائلة للبشرية من تطبيق تقنيات الهندسة الوراثية، ولكنها مازالت تثير جدلاً كبيراً حول سلامة استخدام هذه "المنتجات"، واضطرت الدول لإصدار قوانين تنظِّم استخدام هذه التقنيات بشكل تجاري عام.

ثارتْ أسئلة كثيرة منذ استنساخ النعجة دوللي عن إمكانية استنساخ الإنسان، ودار جدل كثير وخلافات عميقة دينية وأخلاقية وقانونية حول تلك المسألة. يمكن القول إنّ هناك نوعين من الاستنساخ أو بشكل أدق، تقنيات الهندسة الوراثية التي يمكن تطبيقها عند الإنسان: الهندسة الوراثية العلاجية، والهندسة الوراثية التوليدية.

الهندسة الوراثية العلاجية

هناك أبحاث علمية نشيطة لتطبيق تقنيات الهندسة الوراثية في علاج بعض الأمراض عند الإنسان، خاصة في مجال استخدام الخلايا الجِذْعِيّة لعلاج بعض الأمراض العصبية وأمراض القلب. وكذلك أبحاث كثيرة في مجال استنساخ بعض أعضاء الإنسان لتعويض أعضاء مصابة أو تالفة، مثل زرع الكلية أو الكبد، أو تصنيع أذن من نسيج المريض نفسه للحصول على أذن جديدة وزرعها مكان أذن تالفة.

لأنّ تصنيع أعضاء جديدة من خلايا جسم المريض ذاته تمكِّن الأطباء من زرع هذه الأعضاء الجديدة دون الحاجة لاستخدام الأدوية المُثَبِّطَة للمناعة التي تكبح رفض الجسم لأي عضو غريب عنه. وإذا نجحتْ هذه الطريقة في زرع الأعضاء ستحل مشاكل كثيرة واختلاطات يتعرض لها المريض في عمليات زرع الأعضاء بسبب رفض جسمه للأعضاء الجديدة حين تؤخذ من جسم متبرع آخر تختلف خلاياه عن جسم المريض.

وعلى الرغم من هذه الجوانب الطبية المفيدة في تطبيقات الهندسة الوراثية العلاجية، إلا أنّ بعض وجهات النظر الدينية والأخلاقية والقانونية تجد صعوبة في قبولها بسبب ما يمكن أنْ ينشأ عن سوء استخدامها من إشكالات ومتاعب أخلاقية واجتماعية. واضطر جورج بوش رئيس الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2001 إلى الأمر بتوقيف جميع الأبحاث العلمية على الخلايا الجِذْعِيّة الجَنينِيَّة البَشَرية تحت ضغط بعض الجماعات الدينية والسياسية. ولكن الرئيس باراك أوباما عاد وسَمَحَ بهذه الأبحاث سنة 2009.

الهندسة الوراثية التوليدية

أما تطبيق تقنيات الهندسة الوراثية التوليدية لاستنساخ أفراد أو أجيال من البشر الذين يتمتعون بصفات وراثية متميّزة، فما زال يثير كثيراً من التحفظات الدينية والأخلاقية والقانونية والسياسية والعلمية. لمْ ينجح أحد حتى الآن في استنساخ إنسان. وقد أُطلقتْ بعض التصريحات مِن كوريا الجنوبية سنة 2004 و2005 عن نجاحهم في استنساخ خلايا جِذْعِيّة بَشَرية إلا أنّ ذلك لمْ يكنْ صحيحاً. وفي سنة 2008 أَعلنتْ إحدى الشركات عن نجاحها في استنساخ خمسة أجنَّة بَشَرية، إلا أنها لمْ تتطور بنجاح. وأَعلن بعض العلماء الروس سنة 2013 عن نجاحهم في الحصول على أربع سلالات مِنَ الخلايا الجِذْعِيَّة المستنسَخة من خلايا بَشَرية بالغة. لمْ يَدَّع أحدٌ حتى الآن نجاحاً مثبَتاً مؤكداً في استنساخ إنسان، ولكنّ هذه التقنيات العلمية الجديدة أثارتْ كثيراً من قصص الخيال العلمي، ووَجَدَ الأدباء والفلاسفة فيها مادة غنية لتوسيع آفاق الأدب والفن والسينما.

علم الوراثة

سارتْ حضارة الإنسان وتطورتْ معارفه في عِلم الوراثة مِنْ جهود رائدة للراهب ماندل في دَير صغير في سويسرا، إلى ردهات مختبر في جامعة كامبردج حيث اكتشف تركيب الحمض النووي DNA، ثم نجاح المشروع الدولي الكبير لرسم خريطة المادة الوراثية عند الإنسان، وتغيير المادة الوراثية في بعض الفيروسات والجراثيم والنباتات والحيوانات ... حتى وصلنا إلى الاستنساخ، وإلى مَشارِف اختبار الحكمة. اختبار الحكمة الذي تتعرَّض له الحضارة الإنسانية كلما ازدادتْ معرفة، وازدادتْ قوة وقدرة على التحكّم في الحياة على هذا الكوكب السَيَّار، أمْ لعلَّنا نظنُّ أننا قادرون عليها، لا أكثر!

 

المصدر:

كتاب "قصة الوراثة، كيف كشفها رجالها" للدكتور عامر شيخوني

 

آخر تعديل بتاريخ
12 أبريل 2023

قصص مصورة

Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.