صحــــتك

رواد عِلم المناعة الحديث

مع صيام رمضان.. نصائح لتقوية جهاز المناعة
ما هي المناعة؟ وكيف تعمل؟

في رُكن بعيد من العالَم، ولِد ومات الباحث الأسترالي فرانك ماكفارلان بورنِت Frank Macfarlane Burnet (1899-1985). كان الطفل الثاني لأسرة اسكتلندية الأصل لها سبعة أولاد. وقد عُرف منذ طفولته باسم ماك. لمْ تكن علاقته بأبيه جيدة، كما كانت أمه مشغولة عنه وعن بقية الأولاد في العناية بأخته التي أصيبتْ بعاهة صعبة منذ ولادتها.

وهكذا نشأ الصغير ماك انطوائياً ومنعزلاً، وكان يَهوى التأمل والتفكير لوحده، ويمارس هوايته المفضلة في جمع الخنافس والحشرات والتأمل في الطبيعة. كان طالباً متفوقاً أحب المطالعة وتصفُّح صور في موسوعة عامة، خاصة صور الحيوانات والنباتات فيها. كما تأثر كثيراً بكتابات داروين Darwin وويلز H.G. Wells في وصف الطبيعة والخيال العلمي. ولذلك لمْ يكن غريباً أنْ يتجه لدراسة علوم الأحياء والطب. تخرج من كلية الطب بجامعة ملبورن سنة 1924، ثم حَصَلَ على شهادة الدكتوراه من جامعة لندن سنة 1928، وعاد بعدها مباشرة إلى وطنه حيث كان يشعر بالأمان والاطمئنان.

بدايات باحث علمي

عمل بورنِت فور عودته في مؤسسة هول للبحث الطبي Hall Institute of Medical Research في مدينة ملبورن. أُنشئتْ هذه المؤسسة العريقة سنة 1915 وارتبطتْ منذ تأسيسها بجامعة ملبورن ومستشفى ملبورن الملكي. اتسع مجال دراساتها وأبحاثها في علوم الأحياء والطب حتى أصبحت من كبرى المؤسسات البحثية في العالم، وتَضم الآن أكثر من 750 باحثاً. بدأ بورنِت في هذه المؤسسة أبحاثه العلمية الرائدة سنة 1928، وأصبح مديراً لها في الفترة 1944-1965، واستطاع خلال تلك الفترة أنْ يركِّز نشاطها العلمي على دراسة المَناعة والأمراض الجرثومية والفيروسية، وأنْ يصل بها إلى مستويات عالمية راقية.

دَرَسَ تنوع فيروس الانفلونزا، واستطاع عزل جرثومة مرض الحمى المجهولة Q fever التي أَطلَق عليها العلماء اسمه Coxiella burnetii    تقديراً لجهوده واكتشافاته في دراستها، وكان أول مِن أُصيب بها في مختبره أثناء ذلك. تركزت أبحاثه أثناء الحرب العالمية الثانية على تطوير لقاحات للانفلونزا والتيفوس. وفي سنة 1940، نَشَرَ ماك بورنِت أول كتبه تحت عنوان: عِلم الأحياء في الأمراض المُعْدِيَة (الانتانية أو الجرثومية). وتمَّتْ ترجمتُه إلى لغات عدة.

أَلقى بورنِت محاضرة علمية قيّمة في جامعة هارفارد الأمريكية سنة 1944، وقد أُعجِب به الأساتذة هناك وعَرَضوا عليه منصب رئاسة قسم الأمراض المُعْدِيَة، ولكنه فضَّل العودة إلى وطنه. فربما كان حب الوطن والانتماء إلى استراليا الفضيلة الوحيدة التي ورثها عن والده.

أبحاث في عِلم المناعة الجديد

اهتم بورنِت بالبحث في المَناعة منذ أوائل الأربعينات، ونَشَرَ بحثاً صغيراً عن انتاج الأجسام المُضَادَّة Antibodies سنة 1941. يُعتبَر هذا الكتيب دراسة رائدة في عِلم المَناعة، وبالنظر لأهميته فقد تمّ تنقيحه وتوسيعه وإعادة طباعته سنة 1949. ركَّز بورنِت جهود جميع الباحثين في مؤسسة هول على دراسة المَناعة منذ سنة 1957.

وقد تضافرتْ جهود ماك بورنِت مع تجارب رائد علم المناعة الآخر بيتر مدَوَّر في إثبات مبدأ "التحَمُّل المَنَاعي المُكْتَسَب Aquired immune tolerance" وحصلا معاً على جائزة نوبل في الفيزيولوجيا والطب سنة 1960 على الرغم من أنهما لمْ يلتقيا إلا نادراً في بعض المؤتمرات العلمية، ولمْ يعملا معاً. لم يكن إثبات صحة مبدأ التحَمُّل المَنَاعي المُكْتَسَب أكثر أعمال بورنِت العلمية أهمية، بل ربما كان أعظم إنجازاته العلمية هو كشفه لكيفية تَعرُّف خلايا المَناعة على خلايا الجسم الذي توجَد فيه فلا تؤذيها، وكيف تُميّزها عن خلايا أي جسم آخر فتقتلها وتحللها، أي كيفية التمييز بين ما هو مِنَ الذات وما هو مِنْ غيرِها.

الباحث الأسترالي فرانك ماكفارلان بورنِت Frank Macfarlane Burnet (1899-1985). حصل على جائزة نوبل سنة 1960 تقديراً لأبحاثه الرائدة في عِلم المَناعة

 

سنوات الشهرة ... والوحدة

بعد أنْ تقاعد بورنِت من إدارة مؤسسة هول للبحث الطبي، تَفَرَّغَ للكتابة، وأصبح أهم المتحدثين في العِلم باسم استراليا. كَتب في عِلم الأحياء والوراثة والشيخوخة والسرطان، وفي فلسفة العِلم والأخلاق. ولعل أكثر كتبه أهمية في عِلم المَناعة هو الكتاب الذي نَشره سنة 1969 تحت عنوان: "المَناعة الخَلَويَّة". وفي عام 1978 نَشَر كتاباً عنوانه: "تَحَمُّل الحياة" أثار كثيراً من المعارضة والجدل لأنه أّيَّدَ فيه بعض الآراء النازية في تحسين النسل وقتل المرضى المصابين بعاهات لا يُرجى شفاؤها، كما أَيَّدَ فكرة القتل الرحيم ومساعدة المرضى المصابين بأمراض مؤلمة لا علاج لها. وادعى أنه يؤيد هذه الأفكار انطلاقاً مِنَ "الرحمة والتعاطف" وليس في سبيل الوصول إلى جنس بشري أفضل وأقوى!

أُصيبتْ زوجته المخلِصة ليندا دروس  Linda Druce بسرطان الدم سنة 1969، فاعتزل السفر والمحاضرات والمؤتمرات التي تُعقد خارج استراليا. توفيتْ ليندا سنة 1973، وأُصيب بورنِت بحزن واكتئاب، وعاد لممارسة هواية طفولته في جمع الخنافس، وظلَّ يكتب لها رسائل خاصة كل أسبوع! إلا أنه عاد وتزوج بعدها سنة 1976، ورجع إلى حياته الاجتماعية ونشاطه العلمي. كَتب بورنِت في سنوات اكتئابه أربعة كُتب لعل أهمها هو: "المُوَرِّثات والأحلام والوقائع". أثار هذا الكتاب كثيراً من الانتقادات لأنه هاجَم عِلم الأحياء الجزيئي وزَعَم أنّ بعض الأمراض، مثل السرطان، هي أمراض غير قابلة للشفاء ومِنَ العبث محاولة علاجها. كما زَعَم أنّ التقدم العلمي سيَتَوقف في المستقبل القريب. كان بورنِت عضواً في أكثر من ثلاثين أكاديمية علمية دولية، وحصل على 19 جائزة علمية دولية. توفي بورنِت سنة 1985 إثر إصابته بسرطان القولون. أُطلِق اسمه بعد وفاته على أكبر مراكز البحث العلمي في أستراليا، كما سُمِيَّتْ باسمه وحدة الأبحاث السريرية في مؤسسة هول للبحث الطبي. وذَكَرَ العالِم تالميج أنَّ بورنِت ظلَّ شخصية علمية مهمة ومسيطِرة في أبحاث المَناعة والطب لأكثر مِنْ نصف قرن.

المصدر:

كتاب "قصة المناعة، كيف كشفها رجالها" للدكتور عامر شيخوني

 

آخر تعديل بتاريخ
03 مايو 2023

قصص مصورة

Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.