مع تزايد انتشار الأمراض التنفسية الموسمية مثل كوفيد-19 (COVID-19) والإنفلونزا (Influenza) وفيروس المخلوي التنفسي (Respiratory Syncytial Virus – RSV)، يزداد اهتمام العالم بمعرفة مدى أمان وفعالية اللقاحات ضد هذه الأمراض، خاصة بعد موجات متكررة من الشكوك والمعلومات المتناقضة. وفي خضم هذا الجدل، جاءت دراسة علمية واسعة حللت أكثر من 500 بحث طبي لتؤكد أن التلقي التطعيمات الوقائية للأمراض التنفسية ما زال يشكّل وسيلة آمنة وفعالة لحماية مختلف الفئات العمرية من مضاعفات الأمراض التنفسية الخطيرة.
هذا المقال يقدّم شرحًا مبسّطًا لنتائج تلك الدراسات وكيف أن تلقي التطعيمات الوقائية للأمراض التنفسية يمكن أن يكون خطوة فعالة في الحفاظ على الصحة العامة.
أهمية تلقي التطعيمات الوقائية للأمراض التنفسية
التطعيمات من أهم الوسائل التي طوّرها الطب الحديث لحماية الإنسان من العدوى الفيروسية. ويدخل ضمن ذلك ما يُعرف بمبدأ تلقي التطعيمات الوقائية للأمراض التنفسية، وهو إعطاء لقاحات تستهدف فيروسات تصيب الجهاز التنفسي العلوي والسفلي مثل كوفيد-19 والإنفلونزا وRSV.
الفكرة الأساسية وراء هذه التطعيمات هي تحفيز جهاز المناعة لإنتاج أجسام مضادة تهاجم الفيروس إذا دخل الجسم لاحقًا، مما يقلل من شدة المرض أو يمنع حدوثه تمامًا، وتَظهَر أهمية تلقي التطعيمات الوقائية للأمراض التنفسية في أنه يقلل معدلات دخول المستشفيات (hospitalization) ويحمي الفئات الضعيفة مثل كبار السن والحوامل والأطفال الصغار.
نتائج الدراسة الواسعة
حللت الدراسة الجديدة بيانات من 511 دراسة علمية أجريت في دول مختلفة وغطّت ثلاثة أنواع من اللقاحات: لقاحات كوفيد-19، والفيروس المخلوي التنفسي، والإنفلونزا. وخلصت النتائج إلى أن تلقي التطعيمات الوقائية للأمراض التنفسية يقلل بشكل واضح من احتمالية الإصابة الشديدة ويُعد آمنًا لمعظم الأشخاص.
-
لقاحات كوفيد-19 (COVID-19 vaccines): أظهَرت البيانات أن فعالية هذه اللقاحات في الوقاية من دخول المستشفى بلغت نحو 46-50% بين البالغين، و65% بين الأطفال. ورغم أن هذه النسبة أقل مما كانت عليه في بداية الجائحة، إلا أنها ما زالت تُعتبر فعالية مهمة من الناحية السريرية (clinically meaningful).
-
لقاحات RSV: أظهَرت الدراسات أن تلقي النساء الحوامل للقاح RSV يحمي المواليد بنسبة 68% من احتمال دخول المستشفى بسبب العدوى. كما ثبت أن إعطاء الأجسام المضادة الطويلة المفعول للرضّع الحديثي الولادة يقلل احتمال الإصابة بنسبة 83%.
-
لقاحات الإنفلونزا (Influenza vaccines): كانت فعالية اللقاحات ضد دخول المستشفى بين 40-50%، وهي نتائج متسقة مع الأعوام السابقة، ما يعكس استمرار أهمية التلقي التطعيمات الوقائية للأمراض التنفسية في تقليل الأعباء الموسمية.
السلامة والأمان في التلقي التطعيمات الوقائية للأمراض التنفسية
رغم أن بعض التقارير القديمة أثارت مخاوف من حدوث أعراض جانبية نادرة مثل التهاب عضلة القلب (Myocarditis) أو متلازمة غيلان باريه (Guillain-Barré syndrome)، فإن التحليلات الحديثة لم تجد علاقة ثابتة بين هذه الحالات وتلقي هذه التطعيمات، كما بينت الدراسات أن لقاحات RSV لم تسبب حدوث زيادة معدلات الإجهاض (miscarriage) أو الولادة المبكرة (preterm birth)، وهو ما يدعم أمانها لدى النساء الحوامل.
من جهة أخرى، لم تُظهر اللقاحات الثلاثة أي زيادة في حدوث الجلطات (thrombosis) أو السكتات الدماغية (stroke) لدى كبار السن، مما يجعل تلقي التطعيمات الوقائية للأمراض التنفسية خيارًا سليماً للأغلبية العظمى من الناس.
فوائد تلقي التطعيمات الوقائية للأمراض التنفسية خلال الحمل
من النتائج اللافتة أن تلقي لقاحات كوفيد-19 وRSV أثناء الحمل ارتبط بانخفاض خطر الولادة المبكرة، إضافة إلى حماية المولود من هذه الأمراض في الأسابيع الأولى من حياته، ويُفسّر الخبراء ذلك بأن الأجسام المضادة التي تُنتجها الأم تَنتقل إلى الجنين عبر المشيمة (placenta)، مما يمنحه مناعة سلبية (passive immunity) تحميه مؤقتًا بعد الولادة، وهذه النتائج تعزز التوصية بأن تلقي التطعيمات الوقائية للأمراض التنفسية خلال الحمل لا يقتصر على حماية الأم فقط، بل يشمل حماية الطفل أيضًا.
إمكانية الجمع بين أكثر من لقاح
واحدة من المزايا الحديثة في برامج تلقي التطعيمات الوقائية للأمراض التنفسية هي إمكانية إعطاء أكثر من لقاح في نفس الموعد، مثل تلقي لقاح الإنفلونزا مع لقاح كوفيد-19 أو RSV، وقد بينت الدراسات أن الجمع بين هذه اللقاحات لا يقلل من فعاليتها ولا يزيد من آثارها الجانبية. وهذا يسهل على الناس تلقي التطعيمات في زيارة واحدة، خصوصًا لكبار السن أو مَن يعانون من أمراض مزمنة (chronic diseases).
كيف يمكن لهذه النتائج أن تؤثر على المجتمع؟
نتائج هذه التحليلات الشاملة تُظهر بوضوح أن تلقي التطعيمات الوقائية للأمراض التنفسية لا يهدف فقط إلى حماية الفرد، بل يسهم أيضاً في تقليل الضغط على الأنظمة الصحية خلال موسم الشتاء، وكل شخص يتلقى التطعيم يساهم بشكل غير مباشر في تقليل انتشار الفيروسات بين أفراد المجتمع، وهو ما يُعرف باسم "مناعة القطيع أو مناعة المجتمع" (herd immunity).
كما أن الأمان العالي والفعالية المتوسطة-الجيدة تجعل من هذه اللقاحات وسيلة مثالية للأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل السكري (diabetes) أو أمراض القلب (cardiovascular diseases)، لأن العدوى التنفسية أكثر خطورة لديهم.
الرسالة الأساسية للقراء
من الطبيعي أن يتردد البعض أو يطرح الأسئلة قبل تلقي أي لقاح جديد، لكن من المهم أن تُبنى القرارات على الأدلة العلمية لا على الشائعات.
تُظهر البيانات الحديثة أن تلقي التطعيمات الوقائية للأمراض التنفسية يحافظ على فعاليته مع مرور الوقت، مع تحسّن ملحوظ في ملف الأمان.
ورغم أن فعالية اللقاحات ليست مطلقة، فإن تقليل احتمالية دخول المستشفى بنسبة 40-60% يُعد إنجازًا طبيًا مهمًا، خاصةً عندما يتعلق الأمر بأمراض تسبب آلاف الوفيات سنويًا وبمعنى آخر، تلقي التطعيمات الوقائية للأمراض التنفسية هو استثمار جيد في الصحة العامة يقلل الخسائر البشرية والاقتصادية الناتجة عن موجات العدوى الموسمية.
تؤكد هذه الدراسة الشاملة أن تلقي التطعيمات الوقائية للأمراض التنفسية آمن وفعّال لجميع الفئات العمرية، من الأطفال إلى كبار السن، ومن الأمهات الحوامل إلى المرضى المزمنين، ومع تطور اللقاحات وطرق تصنيعها، أصبح بالإمكان الجمع بين أكثر من لقاح دون فقدان الفعالية أو زيادة المخاطر، وهو ما يجعل الوقاية أسهل وأكثر شمولًا.
وفي النهاية، فإن تلقي التطعيمات الوقائية للأمراض التنفسية ليس مجرد إجراء طبي، بل هو مسؤولية مجتمعية تحميك وتحمي مَن حولك من أمراض قد تكون خطيرة في بعض الحالات. لذلك، لا تتردد في استشارة الطبيب حول تلقي اللقاحات المناسبة لك، لأن الخطوة البسيطة اليوم قد تقيك من مضاعفات الغد.
