يعتمد وضع خطة العلاج العلمي الدقيق لمرض الذبحة الصدرية والأزمات القلبية كثيراً هذه الأيام على تصوير شرايين القلب، وذلك لتحديد أماكن وجود التضيقات والانسدادات فيها بدقة، ومن ثم توضع خطة العلاج المناسبة، إما بالأدوية فقط، أو بالتوسيع بالبالون ووضع الدعامات، أو بالعملية الجراحية. فكيف يمكن تصوير شرايين القلب؟ وكيف تم ذلك؟
خلال الأربعينيات والخمسينيات، تم تطوير طرق عدة لتصوير شرايين القلب التاجية (الإكليلية) بطرق غير مباشرة، مثل حقن كمية كبيرة من مادة التصوير الظليلة في الشريان الأبهر قرب القلب بحيث يمر قليل منها إلى شرايين القلب لتصويرها بالأشعة.
كان الأمريكي تشارلز ثيودور دوتر Charles Theodore Dotter (1920-1985) مِنْ أهم رواد التصوير الشعاعي للأوعية الدموية، ويُعتبر مؤسسَ طرق الأشعة التداخلية Interventional Radiology. في سنة 1958 عمل على تطوير طرق خاصة لتصوير شرايين القلب باستخدام تبديل الأفلام الشعاعية الآلي المتتالي. كما اخَترع طريقة لتصوير شرايين القلب في حيوانات التجربة، وذلك بإغلاق الأبهر لفترة قصيرة باستخدام بالون ثم حقن المادة الظليلة في جذر الأبهر، بحيث تمر في شرايين القلب ويتم تصويرها بأفلام شعاعية متتالية. تمكّن بهذه الطريقة مِنَ الحصول على صور شعاعية جيدة لشرايين القلب. وذكر دوتر أنّ كافة حيوانات هذه التجارب ظلت على قيد الحياة.
تشارلز ثيودور دوتر Charles Theodore Dotter (1920-1985) طبيب الأشعة الذي كان أحد أهم رواد التداخلات الشعاعية العلاجية وقثطرة القلب العلاجية.
مصادفة سعيدة
في سنة 1958، كان فرانك مايسون سونز Frank Mason Sones (1918-1985)، طبيب أمراض القلب عند الأطفال بمستشفى كليفلاند كلينيك في أمريكا، يقوم بحقن مادة ظليلة لتصوير الأبهر في مريض شاب مصاب بمرض في الصمام الأبهري، وفجأة من غير قصد، دخلتْ قثطرة التصوير إلى شريان القلب الأيمن، وقبل أنْ يستطيع سحبها، تمّ حقن 30 ميليليتراً مِنْ مادة التصوير الظليلة في شريان القلب الأيمن مباشرة. أصيب المريض باضطراب خطر في نظم القلب (رجفان بطيني). قام سونز فوراً بالضغط على صدر المريض بقبضة يده، وطلب مِنَ المريض أنْ يسعل بقوة. عاد القلب إلى انتظامه بنجاح! سَجلتْ هذه اللحظات الحرجة أول تصوير محدد لشرايين القلب عند الإنسان. أظهرتْ هذه المصادفة أنّ حقن المادة الظليلة في شرايين القلب وتصويرها شعاعياً يمكن أنْ يتحقق بنجاح دون أنْ يؤدي إلى وفاة مؤكدَة، كما كان الاعتقاد السائد آنذاك.
قام سونز بعد ذلك بتطوير وتحسين طرق تصوير شرايين القلب بإضافة أساليب شعاعية لتكبير الصور وتصوير الشرايين بفيلم سينمائي سريع، كما صمّم قثطرة بلاستيكية خاصة لتسهيل الدخول الآمن إلى شرايين القلب وتصويرها. كانت القثطرة تسمح للطبيب بالتحكم في مسارها، في حين تصغر نهايتها بشكل متدرج لين ليسهل دخولها في شرايين القلب دون أنْ تسبب أي أذى. ومنذ ذلك الوقت أصبح تصوير شرايين القلب الطريقة المفضلة المثلى في تشخيص أمراض شرايين القلب. وفي سنة 1967 قال رينيه جيرونيمو فافالورو Rene Geronimo Favaloro (1923-2000) زميل سونز في مستشفى كليفلاند ورائد جراحة شرايين القلب في العالم أنّ زميله الدكتور سونز هو: "أهم المساهمين في تطوير طب أمراض القلب" وأنه لولا أبحاثه "لكانت كل جهودنا في تحسين تروية القلب هباء ضائعاً ".
فرانك مايسون سونز Frank Mason Sones (1918-1985) طبيب أمراض القلب عند الأطفال في مستشفى كليفلاند كلينيك في أمريكا الذي كان أول من استطاع تصوير شرايين القلب عند الإنسان.
إضافات مفيدة
في أواخر الستينات أضاف ميلفين بول جَدكينز Melvin Paul Judkins (1922-1985) طرقاً جديدة لتسهيل قثطرة القلب وتصوير الشرايين الإكليلية بالدخول عبر الشريان الفخذي، وقام بتصميم قثاطر بلاستيكية ذات شكل ثابت يجعل دخولها إلى شرايين القلب الإكليلية سهلاً ومباشراً.
ميلفين بول جَدكينز Melvin Paul Judkins (1922-1985)
تطورت تقنيات القثطرة القلبية كثيراً منذ ذلك الحين، وتحسَّن تصميم القثاطر، واستخدمت أسلاك لينة ساعدت كثيراً على توجيه القثاطر والبالونات والدعامات بشكل دقيق وآمن، مما أضاف كثيراً إلى الإمكانيات التشخيصية والعلاجية لقثطرة القلب.
المصدر:
كتاب "قصة القلب، كيف كشفه رجاله" للدكتور عامر شيخوني