كان العالِم الأمريكي جورج لودويغ George Ludwig (1922-1973) أول مَنْ استخدم التصوير بالأمواج فوق الصوتية في الأربعينيات منَ القرن العشرين، إلا أنّ الفضل في ترسيخ تصوير القلب بالأمواج فوق الصوتية (الإيكو القلبي) يعود إلى الأبحاث التي قام بها الدكتور السويدي إنجى إدلر Inge Edler (1911-2001) بالتعاون مع المهندس اللامع كارل هيلموث هرتْز Carl Hellmuth Hertz (1920-1990). وقد قاما معاً بتصوير أول إيكو قلبي بطريقة M في 29 أكتوبر 1953.
عائلة هرتْز الشهيرة
ينحدر المهندس والفيزيائي كارل هرتْز مِنْ أسرة عريقة في هذه العلوم، فقد كان والده العالِم غوستاف لودفيغ هرتْز Gustav Ludwig Hertz (1887-1975) الذي حصل على جائزة نوبل في الفيزياء سنة 1925، وكان عمُه هو هاينريش رودولف هرتْز Heinrich Rudolf Hertz (1857-1894) الفيزيائي الألماني الشهير الذي أُطلق اسمه على واحدة قياس تردد اهتزاز الأمواج (الهرتز) تقديراً لأبحاثه الهامة في دراسة الأمواج الكهرومغناطيسية.
وكان لهذا العالِم هاينريش هرتْز اهتمامات متنوعة في دراسة العلوم واللغات فقد كان يجيد اللغة العربية واللغة السنسكريتية، وأسستْ أبحاثه في الأمواج الكهرومغناطيسية القواعد العلمية لاختراعات هامة مثل الراديو (المذياع) والتليفزيون والرادار والاتصالات اللاسلكية التي تشغل حياتنا في كافة أرجاء العالَم هذه الأيام. ومِنَ الطريف أنه عندما سُئل عن التطبيقات العملية لدراساته الفيزيائية، كان جوابه: " لا شيء كما أظن.. ليس لها أية استخدامات.. لدينا فقط هذه الأمواج الكهرومغناطيسية الغامضة التي لا نستطيع رؤيتها بالعين، ولكنها موجودة "!
على الرغم من أن أول تصوير بالإيكو القلبي قام به إدلر وهرتْز كان في عام 1953، إلا أن التطبيق العملي لهذه الطريقة في تشخيص أمراض القلب تأخر حتى عام 1961 بسبب زيارة!
الزيارة المُحبِطة
جاء إلى السويد العالِم الأمريكي/الفرنسي الشهير أندريه فريديريك كورناند Andre Frederic Cournand (1895-1988) لاستلام جائزة نوبل التي حصل عليها في الطب والفيزيولوجيا سنة 1956 تقديراً لأبحاثه في قثطرة القلب. وكان الطبيب الشاب إدلر قد قارَبَ على الانتهاء مِنْ تحضير رسالته لنيل الدكتوراة والتي ضمت نتائج أبحاثه المبكرة في الإيكو القلبي. تحمّس إدلر لتقديم هذه الطريقة الجديدة في تصوير القلب إلى العالِم الشهير كورناند، وقال في نفسه: " لابد أنّ كورناند سيفهم هذه الأبحاث وسيقدرها جيداً ". ولكنه عندما أطلع كورناند على صور الإيكو القلبي ونتائج دراساته، فوجئ باستقبال بارد وعدم اهتمام بالغ. كان إدلر رجلاً خجولاً وحساساً، وقد أدى عدم اهتمام كورناند بالإيكو القلبي إلى تأخره في تقديم رسالة الدكتوراة حتى عام 1961.
وحين أراد كارل هرتْز تطوير الإيكو القلبي وإضافة طريقة الدوبلر إليه لقياس سرعة تدفق الدم في أجواف القلب اصطدم أيضاً بعدم وجود أي دعم أو تأييد لأبحاثه هذه في الأوساط العلمية السويدية آنذاك، وذلك لأن أعضاء هيئة البورد السويدي للأبحاث العلمية تصوروا أنّ هذه الأبحاث " ليس لها تطبيقات طبية أو تجارية هامة". وتحت تأثير هذا الإحباط ترك هذا المهندس اللامع مجال الإيكو القلبي وركز جهوده على اختراع طابعة الكومبيوتر!
نعلم الآن جيداً أنّ الإيكو القلبي ودراسة تدفق الدم بالدوبلر المُلوَن تشكل العمود الفقري الهام في تشخيص أمراض القلب، خاصة أمراض القلب الخلقية وأمراض الصمامات، لدى كافة المستشفيات والمراكز في العالَم هذه الأيام. ولحسن حظنا فقد حصل العالَم أيضاً على طابعات الكومبيوتر بسبب هذه الأبحاث الرائدة.
الطبيب السويدي إنجى إدلر Inge Edler (1911-2001) إلى اليسار، مع المهندس اللامع كارل هيلموث هرتْز Carl Hellmuth Hertz (1920-1990) اللذان اخترعا الإيكو القلبي في عام 1953، والصورة لهما في أحد المؤتمرات العلمية في السويد سنة 1977.
تطور تصوير القلب بالإيكو القلبي كثيراً، وأصبح تصويراً ملوناً بالأبعاد الثلاثية، وساعد كثيراً في تشخيص ومتابعة المصابين بأمراض القلب المختلفة، ويعتبره بعض أطباء القلب أهم فحص تشخيصي لتشخيص ومتابعة أمراض القلب هذه الأيام.
المصدر:
كتاب "قصة القلب، كيف كشفه رجالة" للدكتور عامر شيخوني
