يُعرف السكري من النوع الثاني بأنه حالة مزمنة تتأثر بعوامل نمط الحياة والبيئة مثل: السمنة، وقلة النشاط البدني، وقلة النوم، والنظام الغذائي غير الصحي، ومن بين هذه العوامل، يبرز تدخين السجائر والفيب كعوامل ذات تأثير متزايد في رفع احتمال الإصابة بالسكري، وتسلط دراسة حديثة الضوء على كيفية مساهمة السجائر ومنتجات النيكوتين الأخرى في زيادة احتمالية الإصابة بالمرض، بغض النظر عن نمطه.
فهم أنماط السكري من النوع الثاني
يؤكّد الباحثون أن السكري من النوع الثاني ليس حالة مرَضية واحدة بل يمكن أن يظهَر في صور مختلفة حسب: العمر، والوزن، وإنتاج الأنسولين، ومقاومة الأنسولين، وقد قُسِم المشاركون في هذه الدراسة إلى أربعة أنماط:
- سكري خفيف مرتبط بالعمر
- سكري خفيف مرتبط بالسمنة
- سكري شديد ناتج عن نقص الأنسولين
- سكري شديد ناتج عن مقاومة الأنسولين
من خلال هذا التقسيم، حاول العلماء معرفة ما إذا كان تدخين السجائر والفيب يؤثّر بشكل أكبر على بعض الأنماط مقارنة بغيرها.
تدخين السجائر والفيب كعوامل خطورة رئيسية
حللت الدراسة بيانات طبية لأكثر من 3,300 شخص مصاب بالسكري من النوع الثاني ونحو 3,900 شخص من غير المصابين، وجرى تقييم المشاركين حسب حالة التدخين: مدخن حالي، أو مدخن سابق، أو غير مدخن، وأظهَرت النتائج أن التدخين يرفع احتمال الإصابة بالأنماط الأربعة، سواء كان الشخص مدخناً سابقاً أو حالياً.
وكانت أقوى علاقة مع نمط السكري الشديد الناتج عن مقاومة الأنسولين الذي يتميز بمقاومة شديدة للأنسولين، حين تضاعف احتمال الإصابة بالسكري لدى الذين دخنوا في أي مرحلة من حياتهم. كما ارتفعت هذه المخاطر بشكل ملحوظ في الأنماط الأخرى بنسب تتراوح بين 20% و30%.
أما المدخنون بكثافة، أي مَن يدخنون حوالي 20 سيجارة يومياً لمدة 15 عاماً، فقد واجَهوا مخاطر أكبر بكثير، إذ تضاعف احتمال إصابتهم بالسكري الشديد الناتج عن مقاومة الأنسولين أكثر من مرتين، بينما ارتفعت المخاطر بنسبة 45% للسكري الخفيف المرتبط بالعمر، و52% للسكري الشديد الناتج عن نقص الأنسولين، و57% للسكري الخفيف المرتبط بالسمنة.
دور منتجات النيكوتين الخالية من الدخان
إلى جانب التدخين التقليدي، درَس البحث تأثير منتجات التبغ الخالية من الدخان مثل التبغ الفموي (سنوس)، وكذلك البدائل الحديثة مثل السجائر الإلكترونية وأكياس النيكوتين، وأظهَرت النتائج أن هذه المنتجات أيضاً ترفع احتمال الإصابة بالسكري من النوع الثاني، وإن كانت المخاطر أقل قليلاً مقارنة بالسجائر.
فقد تبيّن أن مستخدِمي التبغ الفموي لديهم احتمال أعلى بنسبة 19% للإصابة بالسكري الشديد الناتج عن نقص الأنسولين، و13% للإصابة بالسكري الشديد الناتج عن مقاومة الأنسولين، ورجح الباحثون أن النيكوتين نفسه، وليس السموم الناتجة عن احتراق التبغ فقط، قد يكون السبب في ذلك، وبما أن النيكوتين يؤثّر على مقاومة الأنسولين، فإنه يلعب دوراً مباشراً في تطور هذا المرض، وهذا يضعف المزاعم التسويقية بأن منتجات تجارية مثل الفيب أو أكياس النيكوتين هي بدائل أكثر أماناً، فرغم أنها لا تحتوي على المواد الناتجة عن الاحتراق، إلا أن وجود النيكوتين يجعلها محفوفة بالمخاطر.
كيف يؤثّر تدخين السجائر والفيب على وظيفة الأنسولين؟
من أبرز ما توصلت إليه الدراسة هو العلاقة القوية بين التدخين ومقاومة الأنسولين، وهي السمة الأساسية لنمط السكري الشديد الناتج عن مقاومة الأنسولين، إذ يبدو أن النيكوتين يضر بقدرة الجسم على الاستفادة من الأنسولين بشكل فعّال، وهو ما يفسر ارتفاع المخاطر في هذا النمط.
وفي الوقت نفسه، يشير ارتفاع المخاطر في الأنماط الأخرى إلى أن تدخين السجائر والفيب لا يؤثّران على مسار بيولوجي واحد فقط، بل يتداخلان مع عدة آليات مرتبطة بتنظيم السكر في الدم وتخزين الدهون والاستجابة لنقص الأنسولين.
دحض أسطورة التدخين كعامل وقاية
يَعتقد البعض أن التدخين يقلل الشهية والوزن، مما قد يخفض احتمال الإصابة بالسكري، ولكن هذه الدراسة تؤكد أن هذا الاعتقاد مضلل وخطير، فحتى بعد احتساب عوامل مثل الوزن ونمط الحياة، يظل تدخين السجائر والفيب عاملاً يزيد من احتمال حدوث جميع أنماط السكري من النوع الثاني.
خلفية الدراسة والخطوات القادمة
أُجريت الدراسة في معهد كارولنسكا في السويد وعُرضت في الاجتماع السنوي للجمعية الأوروبية لدراسة السكري (EASD)، وأظهَرت النتائج أن تدخين السجائر والفيب يسهمان في تطور السكري بجميع أنماطه، ومع ذلك، يحتاج هذا الاكتشاف إلى مزيد من الدراسات لتأكيده، مشيرةً إلى الحاجة الملحة لمزيد من الأبحاث حول تأثير منتجات النيكوتين على مخاطر السكري.
نصيحة من موقع صحتك
بالنسبة لمن يقلقون بشأن السكري من النوع الثاني، فإن الدليل واضح: تجنَّب تدخين السجائر والفيب هو خطوة مهمة في تقليل هذه المخاطر. سواء كان ذلك من خلال السجائر أو التبغ الفموي أو السجائر الإلكترونية أو أكياس النيكوتين، فإن التعرض للنيكوتين يرفع احتمالية الإصابة بجميع أنماط السكري، كما أن تبنّي عادات صحية مثل التغذية المتوازنة، وممارسة الرياضة، والحصول على قسط كافٍ من النوم يساعد في الوقاية. بالرغم من أن نتائج الدراسة ما زالت بحاجة إلى مزيد من البحث لتأكيدها بشكل قطعي، يبقى تفادي النيكوتين بكل أشكاله الخيار الأفضل بسبب مضاره الأخرى العديدة المثبتة علمياً.



