انقطاع الطمث مرحلة طبيعية في حياة المرأة، ويحدث عادة عند بلوغ المرأة سن 51 إلى 52 عاماً، حين ينخفض إنتاج الهرمونات في المبيضين. بينما تُعد الهبّات الساخنة والتعرق الليلي من الأعراض المعروفة بعد انقطاع الطمث، تُظهِر الأبحاث بشكل متزايد أن انقطاع الطمث يمكن أن يؤثر أيضًا على بنية ووظائف الدماغ. أجرى مختبر (BRAVE) في جامعة العلوم الصحية في بونس في بورتو ريكو مراجعةً للبيانات العلمية المنشورة بين 2020 و2025 لفهمٍ أفضل لكيفية ارتباط انقطاع الطمث والدماغ .
جَمعت المراجعة أدلة تشير إلى أن التغيرات الهرمونية خلال انقطاع الطمث قد تؤدي إلى تغييرات في بُنية الدماغ، مما يساعد في تفسير الأعراض الشائعة بعد انقطاع الطمث مثل النسيان، وصعوبة التركيز، وتقلبات المزاج. توضح هذه التغييرات أن انقطاع الطمث ليس مجرد تحول جسدي، بل هو أيضًا تحول عصبي.
انقطاع الطمث والدماغ .. انخفاض حجم المادة الرمادية
أحد النتائج الثابتة في هذه الدراسة كان انخفاض حجم المادة الرمادية في مناطق من الدماغ مثل القشرة الجبهية والصدغية والحُصين. تلعب المادة الرمادية دورًا مهمًا في الوظائف الإدراكية اليومية، بما في ذلك الذاكرة والانتباه وحل المشكلات، وقد يساهم تقلص المادة الرمادية بحدوث ما يُعرف باسم "ضباب الدماغ" الذي يُلاحظ أثناء انقطاع الطمث، مما يؤثر على الذاكرة والقدرات الذهنية، ومن المثير للاهتمام أن بعض الدراسات تشير إلى أن حجم المادة الرمادية قد يتعافى جزئيًا بعد انقطاع الطمث، مما يدل على قدرة الدماغ على التكيف للحفاظ على وظائفه الإدراكية.
التغيرات في المادة البيضاء
إلى جانب تغيّرات المادة الرمادية، وجَدت هذه الدراسة زيادة في الشذوذ ضمن المادة البيضاء عند النساء خلال انقطاع الطمث. يَظهَر هذا الشذوذ كبقع مضيئة على صور الرنين المغناطيسي، وغالبًا ما يشير إلى تلف الأنسجة نتيجة انخفاض تدفق الدم، وقد تؤثر هذه التغيرات على الذاكرة والتفكير والمزاج، وتزيد من احتمالية التعرض لبعض الحالات العصبية مع مرور الوقت.
كانت النساء اللاتي مررنَ بانقطاع الطمث المبكر أو يعانينَ من الهبّات الساخنة المتكررة أكثر عرضة لوجود هذه التغيرات. تشير هذه النتائج إلى أن بعض التجارب الحياتية التي تمر بها النساء خلال انقطاع الطمث قد تزيد من حساسية الدماغ للتغيرات البنيوية، رغم أن التأثيرات الوظيفية لهذه التغيرات لا تزال قيد الدراسة.
التأثيرات المعرفية والعاطفية
يمكن أن تظهَر التغيرات البنيوية خلال انقطاع الطمث على شكل صعوبات إدراكية تشمل تغيرات في التركيز والذاكرة اللفظية والقدرات المكانية البصرية. كما أن تقلب المزاج والقلق والإرهاق شائع أيضًا، وقد يكون مرتبطًا جزئيًا بالتغيرات في بنية الدماغ والتقلبات الهرمونية.
ومع ذلك، يحذر الخبراء من أن الأدلة الحالية لا تربط بشكل قاطع تغييرات الدماغ المتعلقة بانقطاع الطمث بالخرف أو بالتدهور المعرفي الطويل المدى، لذا ينبغي على النساء اللواتي يعانينَ من "ضباب الدماغ" أو النسيان خلال هذه المرحلة ألا يفترضنَ تلقائيًا وجود مشكلة عصبية خطيرة، مع ضرورة مراجعة الطبيب. لا يزال هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتوضيح التأثيرات الطويلة المدى لهذه التغيرات البنيوية.
دور محتمل للعلاج الهرموني
تمت دراسة العلاج بالهرمونات كوسيلة لتخفيف بعض التأثيرات العصبية لانقطاع الطمث، فقد يساعد العلاج المبكر بالأستروجين في الحفاظ على الوظائف الإدراكية وتقليل شدة الهبّات الساخنة وغيرها من الأعراض، وقد تحتاج بعض النساء إلى البروجسترون أيضًا بالإضافة إلى الأستروجين.
قد لا تكون كل النساء مؤهلات للخضوع للعلاج بالهرمونات، ويجب مناقشة الفوائد والمخاطر مع الطبيب. في حين أن العلاج بالهرمونات قد يدعم صحة الدماغ خلال انقطاع الطمث، فإن العلاقة الدقيقة بين العلاج الهرموني والتغيرات البنيوية في الدماغ لا تزال بحاجة لدراسة أكبر.
نصيحة من موقع صحتك
يمكن للنساء اللواتي يمررنَ بانقطاع الطمث اتخاذ خطوات لدعم صحة الدماغ، مثل ممارسة الأنشطة الذهنية بانتظام، والحفاظ على النشاط البدني، والسيطرة على التوتر، واتباع نظام غذائي متوازن قد تساعد في الحفاظ على الوظائف الإدراكية، ومَن يفكرنَ بالعلاج الهرموني يجب أن يناقشنَ خياراتهنّ مع الطبيب. من المهم أن تَعرف النساء أن "ضباب الدماغ" خلال انقطاع الطمث أمر شائع، وعادةً لا يشير إلى وجود مرض خطير، فالتوعية يمكن أن تجعل هذه المرحلة أسهل، في حين تستمر الأبحاث في كشف الروابط الدقيقة بين انقطاع الطمث والدماغ .



