يتقدم سكان العالم في السن بوتيرة سريعة، ووفقًا للتقديرات العالمية، من المتوقع أن ترتفع نسبة البالغين عمر 60 عامًا فما فوق من 12% عام 2015 إلى 22% بحلول عام 2050، ومع ازدياد متوسط العمر، لم يعد السؤال يقتصر على مدة الحياة، بل على جَوْدتها، فكيف يمكن لكبار السن أن يظلوا أصحاء ومستقلين وراضين مع تقدمهم في العمر؟
تشير دراسة حديثة نُشرت في مجلة (PLOS One) إلى أن التغييرات في نمط الحياة، مثل الرياضة والنظام الغذائي يمكن أن تساعد كبار السن على استعادة ما يسميه الباحثون "الرفاهية المثلى"، حتى بعد مواجهة صعوبات صحية.
ما هي الرفاهية المثلى؟
عرّف الباحثون "الرفاهية المثلى" بأنها مزيج من الصحة الجسدية والنفسية والاجتماعية، وتشمل غياب الأمراض النفسية الحادة أو مشكلات الذاكرة أو الألم المرهق، إضافة إلى القدرة على القيام بالأنشطة اليومية دون قيود. كما تتضمن وجود دعم اجتماعي قوي، والشعور بالسعادة والرضا عن الحياة، وحتى القدرة على الازدهار بالرغم من وجود حالات صحية مزمنة.
ولفهم تأثير تغييرات نمط الحياة، درس الباحثون بيانات أكثر من 8,000 شخص تجاوزوا سن الستين ممن شاركوا في الدراسة الطولية الكندية حول الشيخوخة، علمًا أنه لم يحقق أي من المشاركين معايير الرفاهية المثلى في البداية، وتمت متابعة عاداتهم اليومية خلال ثلاث سنوات لمعرفة مدى تأثيرها على استعادة صحتهم.
الرياضة والنظام الغذائي كعوامل رئيسية
أظهرت النتائج أن كبار السن الذين اعتمدوا روتينًا صحيًا كانت لديهم فرصة أكبر لاستعادة الرفاهية المثلى، فقد لعبت ممارسة الرياضة بانتظام، والالتزام بالنظام الغذائي الصحي، والنوم الجيد، والابتعاد عن التدخين أدوارًا محورية في هذا التحسن، كما كان للحفاظ على وزن صحي والسيطرة على أمراض مثل السكري أو هشاشة العظام أهمية خاصة.
وأكد الباحثون أن هذه الأهداف قابلة للتحقيق، فالبرامج الموجهة لكبار السن، مثل دروس اللياقة الجماعية أو برامج إدارة الأمراض المزمنة، يمكن أن تقدم الدعم المطلوب لاعتماد هذه العادات. والرسالة الأساسية هي أن الرياضة والنظام الغذائي، إلى جانب ممارسات الرفاهية الأخرى، أدوات فعالة لتحسين جودة الحياة في المراحل المتقدمة.
دور الصحة النفسية والعاطفية
أظهرت الدراسة أيضًا أن الصحة النفسية والعاطفية أثرت بقوة على النتائج، فقد كان المشاركون الذين يتمتعون باستقرار نفسي وعاطفي في البداية أكثر عرضة لتحقيق الرفاهية المثلى بعد ثلاث سنوات، وهذا يشير إلى أن العناية بالصحة النفسية لا تقل أهمية عن العادات الجسدية. يساهم الاتصال الاجتماعي وإدارة التوتر والدعم العاطفي في تعزيز القدرة على التكيف لدى كبار السن، ومن ثم، قد تقدم البرامج التي تجمع بين النشاط البدني والتفاعل الاجتماعي فوائد إضافية.
تحدي فكرة التدهور الحتمي
غالباً ما يُنظر إلى الشيخوخة باعتبارها مرحلة تدهور لا مفر منها، لكن نتائج الدراسة تتحدى هذا التصور، فقد تمكن نحو ربع المشاركين الذين عانوا من صعوبات صحية في البداية من استعادة رفاهيتهم المثلى عبر تغييرات في نمط الحياة. ومن خلال إظهار أن التغييرات الإيجابية في الرياضة والنظام الغذائي يمكن أن تعكس بعض تحديات التقدم في العمر، تقدم الدراسة دليلًا للأفراد وصانعي السياسات حول كيفية دعم المجتمعات لتصبح أكثر صحة. كما أن وجود عدد أكبر من كبار السن يتمتعون بالرفاهية يقلل من تكاليف الرعاية الطبية، ويضمن لهم حياة أكثر استقلالية ورضًا.
الدافع والدعم من أجل التغيير
على الرغم من أن الدراسة أظهرت نتائج مشجعة، إلا أنها أبرزت أيضًا مسألة الدافع، فقد يجد العديد من كبار السن صعوبة في التخلي عن متع فورية، مثل الأطعمة الشهية أو قلة النشاط أو الاعتماد على حلول سريعة للنوم، مقابل فوائد طويلة الأمد. ويرى الباحثون أن توفير الإرشاد والتحفيز والتعزيز سيكون أساسيًا لمساعدة كبار السن على الالتزام بتغييرات مستمرة.
يمكن أن توفر البرامج المجتمعية والسياسات الصحية الداعمة والموارد المتاحة سبل التشجيع المطلوبة لإجراء هذه التعديلات، ويمكن لخطوات بسيطة مثل المشي المنتظم، أو تحضير وجبات غذائية صحية، أو الانضمام إلى مجموعة اجتماعية أن تقود مع مرور الوقت إلى تحسن كبير في الرفاهية العامة.
أهمية المزيد من الأبحاث
رغم النتائج المشجعة، يشدد الباحثون على أن هناك حاجة إلى المزيد من الدراسات للتحقق منها، فقد قدمت الدراسة دليلًا على أن الرياضة والنظام الغذائي، مع عادات صحية أخرى، يمكن أن تساعد كبار السن على استعادة الرفاهية المثلى، ولكن الدراسات الأطول والأكثر تنوعًا ضروريةٌ لفهم التأثير بشكل كامل.
لقد فتح فريق البحث من جامعة تورونتو الباب أمام المزيد من الاستكشاف حول كيفية تأثير تغييرات نمط الحياة على صحة الأشخاص كبار السن، وتؤكد نتائجهم على إمكانية التعافي والازدهار في المراحل اللاحقة، لكنها في الوقت نفسه تسلط الضوء على الحاجة إلى المزيد من البحث.
نصيحة من موقع صحتك
يمكن أن تحدث الخطوات الصغيرة والمتواصلة فرقًا حقيقيًا بالنسبة لكبار السن الراغبين في تحسين حياتهم. وإن التركيز على الرياضة والنظام الغذائي إلى جانب الاهتمام بالصحة النفسية والاجتماعية والسيطرة على الأمراض المزمنة، يوفر وسائل عملية لاستعادة الصحة والسعادة، ورغم التحديات، تشير الأدلة إلى أن التحسن ممكنٌ حتى بعد فترات من التراجع. وبالالتزام والصبر والدعم، يمكن لكبار السن الاقتراب من تحقيق رفاهيتهم المثلى والاستمتاع بحياة أكثر إشباعًا في سنوات العمر المتقدمة.



