قد يكون من الصعب تشخيص الخرف في منتصف العمر بشكل خاص، وغالباً ما يحاكي الاضطرابات النفسية أو اضطرابات الحركة، ولكن دراسة جديدة من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو سلطت الضوء على التغيرات البيولوجية التي قد تؤدي إلى تحديد مبكر وأكثر دقة للخرَف الجبهي الصدغي، وهو نوع شائع من الخرف في منتصف العمر .
وقد يمثل هذا البحث، الذي نُشر في مجلة (Nature Aging)، نقطة تحول في كيفية التعرف على هذه الحالة وعلاجها، مما يوفر الأمل لأولئك الذين يواجهون أعراضه التي تغير حياتهم في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من العمر.
فهم الخرف في منتصف العمر
يُعدّ الخرف الجبهي الصدغي أحد أكثر أسباب الخرف المبكر شيوعاً، ويستهدف الفص الجبهي والصدغي في الدماغ. تتحكم هذه المناطق الدماغية في اللغة واتخاذ القرارات والسلوك والتنظيم العاطفي. وعلى عكس مرض ألزهايمر الذي يميل إلى التأثير على كبار السن، ينشأ الخرف المبكر الوراثي في منتصف العمر، وقد تظهر أعراضه بشكل يشابه الاكتئاب أو الفصام أو مرض باركنسون، مما يؤدي إلى تشخيص خاطئ متكرر.
قد يكون هذا المرض وراثيًا، ولكن يظل من الصعب اكتشافه، ففي الوقت الحالي، ولا يتم التشخيص النهائي غالباً إلا بعد الوفاة، من خلال فحص أنسجة الدماغ.
بحث رائد من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو
في تقدم كبير في دراسة الخرف في منتصف العمر درس باحثون في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو عينات من السائل النخاعي لدى 116 شخصاً مصاباً بالخرف الجبهي الصدغي الوراثي، ومن خلال تحليل تركيزات أكثر من 4000 بروتين ومقارنتها بعينات من 39 من أقاربهم الأصحاء، تمكن العلماء من تحديد أنماط بيولوجية واضحة.
اكتشف الفريق وجود تغيرات بروتينية محددة لدى الأفراد المصابين بالخرف الوراثي ترتبط باضطرابات في تنظيم الحمض النووي الريبي، وهي عملية حاسمة في التعبير الجيني، بالإضافة إلى ضعف في الوظيفة التشابكية والاتصال الدماغي، ويعتقد الباحثون أن هذه التغييرات قد تكون المؤشرات الحيوية الأولى الموثوقة للمرض.
التأثيرات المترتبة على التشخيص والعلاج
يتمثل أحد التحديات الرئيسية في معالجة الخرف في منتصف العمر في عدم وجود أدوات تشخيصية عملية مفيدة، ويمكن للعلامات البروتينية التي حددها الباحثون أن تمهد الطريق لإجراء اختبارات جزيئية قادرة على اكتشاف الخرف الجبهي الصدغي قبل ظهور الأعراض بشكلها الكامل.
قد تفتح هذه الأفكار أيضاً طرقاً جديدة للعلاج من خلال تشخيص المرض في وقت مبكر وبشكل أكثر دقة، إذ يمكن تسجيل المرضى في التجارب السريرية للعلاجات الناشئة، أو إحالتهم إلى مصادر مصممة خصيصًا للتعامل مع حالتهم، ولهذا يقترح الباحثون أن هذه المؤشرات الحيوية قد تدعم تطوير علاجات دقيقة تعتمد على البيولوجيا الكامنة وراء المرض.
بالإضافة إلى ذلك، تم التحقق من صحة النتائج التي توصلت إليها الدراسة في الأفراد المصابين بمرض الخرف المبكر غير الوراثي (الخرف الجبهي الصدغي غير الوراثي)، مما يشير إلى أن هذه المؤشرات الحيوية قد تكون قابلة للتطبيق على نطاق واسع عبر أشكال مختلفة من المرض.
خطوة نحو الطب الشخصي
توجد الآن أدوات تشخيصية وعلاجات محتملة لمرض ألزهايمر، ولكن ما يزال الخرف الجبهي الصدغي دون أي علاجات معتمدة، وقد تساعد هذه الدراسة على سد هذه الفجوة من خلال تمكين الاكتشاف المبكر والسماح للعلماء بتتبع تطور المرض. كما قد تساعد هذه المؤشرات الحيوية أيضاً في تحديد مسارات بيولوجية محددة تقود إلى التنكس العصبي، مما يؤدي إلى تطوير أدوية أكثر فعالية، ووفقًا للخبراء، فإن مثل هذه الأبحاث تضع الأساس لتدخلات مستقبلية يمكن أن تبطئ أو تمنع تطور الخرف الجبهي الصدغي والاضطرابات العصبية ذات الصلة.
الطريق إلى المزيد من التطورات
في حين أن هذه الدراسة اعتمدت على نوع معين من تحليل البروتينات يمكن أن يفرض بعض القيود، فإن النتائج ما تزال تمثل خطوة واعدة نحو أدوات أفضل لتشخيص وعلاج الخرف الجبهي الصدغي، ومع ظهور تقنيات جديدة وزيادة تنقيح المؤشرات الحيوية، قد يتمكن الأطباء قريبًا من الوصول إلى أدوات تنبؤية أكثر قوة لتقييم الخرف في منتصف العمر .
نصيحة من موقع صحتك
إذا لاحظت أنت أو أحد أفراد أسرتك تغيرات في السلوك أو اللغة أو الذاكرة أو الاستجابات العاطفية، خاصةً في منتصف العمر، فمن الضروري أن تسعى إلى إجراء تقييم طبي شامل. وفي حين ما يزال من الصعب تشخيص الخرف الجبهي الصدغي، فإن تطورات مثل هذه الدراسة هذه تقدّم أملاً حقيقياً في الكشف المبكر عن الخرف في منتصف العمر.
