صحــــتك

التهاب المفاصل الروماتويدي يبدأ بصمت قبل سنوات من ظهور الألم

التهاب المفاصل الروماتويدي يبدأ بصمت قبل سنوات من ظهور الألم

التهاب المفاصل الروماتويدي هو مرض مناعي ذاتي مزمن يهاجم فيه جهاز المناعة أنسجة سليمة، خصوصاً بطانة المفاصل، ولا يوجد علاج يشفي نهائياً من المرض، ولكن العلاجات يمكن أن تبطئ من تقدمه وتساعد على السيطرة على أعراضه مثل التورم والتصلب وألم المفاصل، ويُعد الكشف المبكر عن التهاب المفاصل الروماتويدي أمرًا أساسيًا، إذ يمكن للأدوية المعدلة لسير المرض أن تمنع حدوث مزيد من التلف حتى وإن لم تستطع عكس الضرر القائم.

تشير الأبحاث إلى أن العديد من الأشخاص يظهر لديهم ارتفاع في مستويات الأجسام المضادة الذاتية قبل عدة سنوات من ظهور الأعراض، ومن بين هذه البروتينات: الأجسام المضادة للبروتينات السترولينيَّة (ACPA)  وعامل الروماتويد  (RF)، حيث تُعتبر إشارات تحذيرية، ومع ذلك، فإن ما يقارب 30–60% فقط من الأشخاص الذين تظهر لديهم هذه الأجسام المضادة يُصابون فعلاً بالتهاب المفاصل الروماتويدي، ما يعني أنها ليست مؤشراً دقيقاً بحد ذاتها.

التهاب المفاصل الروماتويدي والبصمة المناعية

نُشرت دراسة حديثة في مجلة (Science Translational Medicine) بحثت كيفية تغيّر جهاز المناعة لدى الأفراد المعرّضين للإصابة بالتهاب المفاصل الروماتويدي أثناء انتقالهم من مرحلة الخطر إلى ظهور المرض سريريًا، وقد أُجريت هذه الدراسة في جامعة كاليفورنيا، سان دييغو، بهدف تحديد "بصمات" مناعية تميز بين الأشخاص الذين يبقون بلا أعراض وأولئك الذين يُصابون فعليًا بالمرض.

أظهرت النتائج أن جهاز المناعة لدى الأفراد المعرّضين للخطر يُظهر علامات واسعة من الالتهاب حتى قبل ملاحظة التورم أو الألم في المفاصل، كما تم رصد بروتينات التهابية مرتفعة ونشاط متغير في الخلايا المناعية، مما يشير إلى أن الجسم يستعد للدخول في حالة مرضية مبكراً.

الكشف عن العلامات المبكرة

أحد الاكتشافات المهمة هو أن تغيّرات في الخلايا البائية والخلايا التائية، وهما من المدافعين الرئيسيين في جهاز المناعة، تلعب دوراً في تطور المرض، فقد أظهرت الخلايا البائية الأولية والذاكرية لدى الأفراد الذين أصيبوا لاحقاً بالتهاب المفاصل الروماتويدي نشاطاً متزايداً، مما دفعها نحو حالة التهابية، وهذه الخلايا النشطة كانت شبيهة بالخلايا التي وُجدت لدى مرضى تم تشخيصهم بالفعل.

كما رُصدت زيادة في الخلايا التائية المساعدة لدى الأفراد الذين انتقلوا إلى مرحلة المرض، وهي خلايا تُنشط الخلايا البائية وتدفعها لإنتاج الأجسام المضادة، وهذا التفاعل المتسلسل قد يسرع إنتاج الأجسام المضادة الذاتية، مما يزيد من احتمالية تطور المرض.

البروتينات في الدم المرتفعة والالتهاب الجهازي

شملت الدراسة 45 فرداً معرضاً للخطر، أصيب 16 منهم بالتهاب المفاصل الروماتويدي خلال فترة المتابعة، إضافة إلى مجموعة ضابطة من أشخاص أصحاء. أظهرت فحوصات الدم مستويات مرتفعة من البروتينات الالتهابية لدى المعرّضين للخطر مقارنة بالأصحاء، وكانت هذه المؤشرات موجودة سواء تطور المرض لديهم لاحقاً أم لم يتطور، مما يشير إلى أن الاضطراب المناعي يبدأ قبل فترة طويلة من ظهور الأعراض. يوضح هذا الالتهاب الجهازي أهمية المواصفات المناعية، حيث إن مقارنة الذين أصيبوا لاحقاً مع الأصحاء ساعدت الباحثين على رصد اختلافات دقيقة في التعبير الجيني للخلايا المناعية قد تفسر سبب إصابة بعض الأفراد دون غيرهم.

لماذا يُعد الكشف المبكر مهماً؟

الكشف عن التهاب المفاصل الروماتويدي قبل بدء تورم المفاصل يمكن أن يغير أسلوب العلاج كليًا، فالعلاجات الحالية لا تُستخدم إلا بعد تطور المرض، ومع ذلك لا يستجيب الجميع لها. تشير الدراسات إلى أن ما يصل إلى 27% من المرضى لا يستفيدون من الأدوية المعدلة لسير المرض، كما أن الانتكاسات شائعة حتى لدى من يستجيبون للعلاج.

العلاجات الوقائية مثل التجارب التي أظهرت أن دواء (أباتاسيبت) يمكن أن يقلل من خطر تطور المرض لدى فئات معينة قد تمثل وسيلة للوقاية، وفهم المواصفات المناعية قد يمكّن الأطباء من استهداف العلاج بدقة للأشخاص الأكثر عرضة، مع تقليل تعرض الآخرين غير المعرضين لمخاطر الأدوية وتأثيراتها الجانبية.

تحولات الخلايا المناعية

أبرزت الدراسة كذلك طريقة تواصل الخلايا التائية والخلايا البائية وتحوّلها أثناء تطور المرض، فقد أظهرت الخلايا التائية الأولية لدى الأفراد المعرّضين تغيرات جينية جعلتها جاهزة للتحول إلى خلايا فعّالة قادرة على تعزيز الالتهاب، وهذا يشير إلى أن حتى الخلايا التي لم تتعرض لتهديدات من قبل تتم إعادة برمجتها نحو استجابة مناعية ذاتية.

وتوضح هذه النتائج تعقيد التهاب المفاصل الروماتويدي، الذي ينشأ نتيجة فشل جهاز المناعة في التمييز بين بروتينات الجسم والبروتينات الغريبة، ومع ازدياد الخلايا المناعية ذات النشاط الالتهابي، يبدأ الجسم في إنتاج أجسام مضادة تهاجم بطانة المفاصل، مما يهيئ الطريق لظهور المرض الكامل.

نحو الوقاية

تحمل هذه النتائج دلالات كبيرة، إذ قد يصبح بالإمكان "إعادة ضبط" جهاز المناعة ومنع المرض قبل ظهوره سريريًا، أو على الأقل جعله أقل حدة، ونظراً لتأثير التهاب المفاصل الروماتويدي على ملايين الأشخاص حول العالم والتكاليف الباهظة لعلاجه، فإن لهذه النتائج فوائد محتملة على مستوى الفرد والصحة العامة.

مع ذلك، تشير الدراسة إلى ضرورة الحذر، فالكثير من المعرّضين للخطر لا يُصابون فعلاً بالمرض، وهذا ما يجعل الدراسات الوقائية صعبة، إذ قد يتعرض بعض الأشخاص غير المحتاجين للأدوية إلى تأثيراتها الجانبية. لذا فإن الحاجة إلى مزيد من البحث لتأكيد هذه النتائج تبقى قائمة.

نصيحة من موقع صحتك

تفتح الأبحاث الجارية حول البصمة المناعية آفاقاً جديدة للكشف المبكر والوقاية منالتهاب المفاصل الروماتويدي. بالنسبة للأفراد المعرّضين، يبقى الوعي وإجراء الفحوصات المبكرة أمرًا حيويًا، وعلى الرغم من أن النتائج الجديدة واعدة، إلا أنها لم تُثبت نهائياً بعد. لذلك، يُنصح من يشعر بالقلق بشأن التهاب المفاصل الروماتويدي بمراجعة الطبيب لمناقشة عوامل الخطر وخيارات المراقبة والعلاج. البقاء على اطلاع واتباع التوجيه الطبي يظل أفضل وسيلة حتى يتم تأكيد هذه الاكتشافات في المستقبل.

آخر تعديل بتاريخ
06 أكتوبر 2025
يرجى تحديد خانة الاختيار "التعليق كضيف" إذا كنت تفضل عدم تقديم اسمك وبريدك الإلكتروني.
Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.