صحــــتك

التسمم بـ "حبوب الغلة" أو القاتل السريع

في الأعوام الماضية لقي مئات الأشخاص في الوطن العربي مصرعهم باستخدام طريقة انتحار واحدة، وهي حبة الغلة، والتي تستخدم لحماية المحاصيل أثناء التخزين من التسوس. في هذا المقال سوف نتعرف إلى كل ما يخص تسمم حبوب الغلة، أو ما يعرف بفوسفيد الألمونيوم، والتي تعد من أهم أسباب التسمم في الوطن العربي والعالم، بسبب توفرها في الأسواق وانخفاض سعرها.

ما حبوب الغلة؟

تعتبر حبوب الغلة من المبيدات الحشرية القوية شائعة الاستخدام، ويستخدمها المزارعون للحفاظ على الحبوب من التسوس والقوارض والحشرات المنزلية؛ لأنها رخيصة وفعالة وخالية من المخلفات السامة، بالإضافة إلى أنها لا تؤثر على صلاحية البذور. وتحتوي الأقراص على مادة فوسفيد الألمونيوم، وهي مادة صفراء أو رمادية داكنة، لها رائحة تشبه رائحة الثوم، كما أنها مركبة شديدة السمية (معدل وفيات يتراوح بين 30% - 100%)، فهي أحد أكثر السموم الانتحارية شيوعًا.

حبة الغلة أو فوسفيد الألمونيوم يعتبر أحد أكثر أسباب التسمم شيوعًا في البلدان النامية؛ لأنه رخيص وسهل الاستخدام ومميت على الفور، حيث تباع هذه الأقراص بسعر رخيص للغاية، بسعر جنيه مصري أو عدة جنيهات لكل قرص. وتكمن فكرة استخدامه أنه عندما يتعرض فوسفيد الألمونيوم للماء أو للرطوبة في الهواء الطلق فإنه يطلق غاز الفوسفين السام. تعتبر النجاة من هذه الأقراص أمرًا نادرًا للغاية، لأنها تحتوي على ثلاثة أضعاف الجرعة المميتة من فوسفيد الألمونيوم.

أول حالة جرى الإبلاغ عنها بتسمم حبوب الغلة كانت في الهند عام 1980، منذ ذلك الحين ازدادت حالات التسمم ليكون فوسفيد الألمونيوم أكثر السموم الانتحارية شيوعًا في شمال غرب الهند بين 1992-2002، كما ظهرت حالات أخرى في بعض الدول، مثل: إيران والمغرب وبعض الدول الأوروبية، لكن معظم تلك الحالات أبلغ عنها من الشبّان البالغين في المناطق الريفية، ليصبح الآن أحد أكثر أسباب التسمم شيوعًا بين مبيدات الآفات الزراعية، كما يمثل فوسفيد الألمونيوم حاليًّا تهديدًا للإرهاب الكيميائي؛ بسبب الإطلاق الفوري لغاز الفوسفين القاتل.

ما طرق التسمم بحبوب الغلة؟

يمكن أن تحدث السمية البشرية لفوسفيد الألمونيوم بسبب:

  • ابتلاع الشخص حبة الغلة (الطريقة الأكثر انتشارًا).
  • بعد التعرض والإصابة من استنشاق غاز الفوسفين (طريقة غير شائعة).
  • بعد امتصاص السم عن طريق الجلد (طريقة نادرة).

ماذا يحدث إذا تناول الشخص حبوب الغلة؟ (آلية السمية)؟

بعد ابتلاع الشخص حبة الغلة، يطلق فوسفيد الألمونيوم غاز الفوسفين السام في وجود حمض الهيدروكلوريك في المعدة، والذي يجري امتصاصه بسرعة في جميع أنحاء الجهاز الهضمي. هذا يؤدي إلى تأثيرات سمية على أجهزة الجسم، تشمل القلب والرئة والكلى والكبد، مع مظاهر عدم انتظام ضربات القلب الخطيرة والصدمة الشديدة والحُماض، بالإضافة إلى الوذمة الرئوية.

بعد الامتصاص يتأكسد الفوسفين إلى أحماض أكسجينية، بالإضافة إلى تأثير الفوسفين المسبب للتآكل؛ فإن آلية السمية تعتمد على فشل التنفس الخلوي، بسبب التأثير على الميتوكوندريا، وبالتالي يحدث فشل في معظم أعضاء الجسم فتحدث الوفاة. يخرج الفوسفين في البول على شكل هيبوفوسفيت، كما يخرج أيضًا من خلال الرئة دون تغيير.

ما الأعراض التي تظهر على الشخص بعد تناول حبوب الغلة؟

عادةً ما تظهر أعراض التسمم في غضون دقائق قليلة بعد ابتلاع حبة الغلة، في حالات التسمم الخفيف تشمل الأعراض الشائعة ما يلي:

  • الشعور بالغثيان والقيء المتكرر.
  • الإسهال.
  • الإصابة بالصداع.
  • ألمًا وعدمَ راحةٍ في البطن.
  • سرعة ضربات القلب.

قد تظهر علامات الشفاء على هؤلاء المرضى، أما في حالات التسمم المتوسطة إلى الشديدة، تظهر علامات وأعراض شديدة في الجهاز الهضمي والقلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي والجهاز العصبي في البداية، ثم تظهر ملامح الفشل الكبدي والكلوي والتخثر المنتشر داخل الأوعية في وقت لاحق. ويمكن أن تشمل أعراض السمية الشديدة ما يلي:

  • الإسهال.
  • الدوخة.
  • الازرقاق.
  • الوذمة الرئوية.
  • صعوبة التنفس أو الفشل التنفسي.
  • سرعة ضربات القلب أو عدم انتظام دقات القلب.
  • انخفاض ضغط الدم.
  • الموت.

ماذا يحدث عند التعرض لفوسفيد الألمونيوم؟

بعد التعرض لأي مادة كيميائية فإن الآثار الصحية الضارة التي قد يواجهها الشخص تعتمد على عوامل عدة، بما في ذلك الكمية التي يتعرّض لها الشخص (الجرعة)، وطريقة التعرض، ومدة التعرض، بالإضافة إلي شكل المادة الكيميائية، وما إذا كان تعرض الشخص لأي مواد كيميائية أخرى.

قد يحدث التعرض لفوسفيد الألمونيوم في أماكن العمل التي يُستخدم فيها، على سبيل المثال الأفراد العاملون في منشأة التصنيع من فوسفيد الألمونيوم أو الميثامفيتامين، وأيضًا الأفراد العاملون في أماكن وضع أقراص فوسفيد الألمونيوم على أكوام من الحبوب. لكن نظرًا لأنه لا يستخدم إلا في البيئات المغلقة، فمن غير المتوقع أن يؤدي الاستخدام السليم لفوسفيد الألمونيوم إلى تعرض عامة الناس لمستوى مرتفع بما يكفي للتسبب في آثار صحية ضارة.

فوسفيد الألمونيوم شديد السمية، عند تعرضه للماء أو الرطوبة في الهواء فإنه يطلق غاز الفوسفين المسؤول عن الآثار الصحية الضارة، وعادةً ما تكون تأثيرات التعرض لفوسفيد الألمونيوم سريعة للغاية.

حد التعرض المسموح به للفوسفين هو أقل من 0.3 جزء في المليون في بيئة العمل لكي تكون كمية آمنة، أما المستويات الأكبر من 50 جزءًا في المليون فتشكل خطورة على الحياة، بينما عند التعرض لكمية تتراوح بين 400-600 جزء في المليون تكون جرعة قاتلة في غضون نصف ساعة.

ما أعراض التعرض لفوسفيد الألمونيوم؟

يمكن أن يتسبب استنشاق غاز الفوسفين المنبعث من فوسفيد الألمونيوم في حدوث أعراض عدة. عادةً ما يعاني المريض من:

  • تهيج في مجرى الهواء (تهيج في الأنف والفم والحلق والرئتين).
  • الشعور بالغثيان والقيء.
  • الإسهال وآلام المعدة.
  • ضيق في التنفس.
  • ضيق في الصدر.
  • الحمى والرعشة.
  • الإحساس بالوخز أو التنميل.
  • ضعف العضلات.
  • اليرقان.

في حالة السمية الشديدة عن طريق الاستنشاق، قد يصاب المريض بالأعراض التالية:

  • متلازمة الضائقة التنفسية الحادة (ARDS).
  • فشل القلب.
  • عدم انتظام ضربات القلب.
  • التشنج والغيبوبة.
  • تراكم السوائل على الرئتين.
  • ظهور سمية كبدية وسمية كلوية متأخرة.
  • الموت.

أما إذا تعرض الشخص لفوسفيد الألمونيوم عن طريق ملامسة الجلد، فقد يؤدي ذلك إلى:

  • التعرق والتهيج.
  • الشعور بوخْزٍ كوخز الدبابيس والإبر.
  • قد يتسبب لمس العين في حدوث تهيج الرؤية المزدوجة واصفرار الرؤية.

ما الجرعة السامة لفوسفيد الألمونيوم؟

الجرعة السامة المميتة عند البالغين هي 150-500 مجم، وتحتوي حبوب الغلة على ثلاثة أضعاف الجرعة المميتة من فوسفيد الألمونيوم. بالتالي نسبة النجاة ضئيلة جدًّا، حيث إن معظم المرضى الحاضرين مع ابتلاع ثلاثة أقراص أو أكثر فإنها تؤدي دائمًا إلى الموت، أما حد التعرض المسموح به هو 0.3 جزء في المليون على مدى 8 ساعات.

كيفية تشخيص تسمم حبوب الغلة (فوسفيد الألمونيوم)؟

يعتمد التشخيص عادةً على الشك السريري أو التاريخ المرضي (تقرير ذاتي من الشخص المصاب أو من قبل الحاضرين). في حالة الشك أن المريض تناول حبة الغلة، يمكن إجراء التشخيص بسهولة عن طريق اختبار بسيط ورقي مشبع بنترات الفضة على محتوى المعدة أو التنفس. يجب معرفة أنه لا ينصح بالتحليل الكيميائي للفوسفين في الدم أو في البول، حيث يتأكسد الفوسفين بسرعة إلى فوسفيت وهيبوفوسفيت.

لعمل الاختبار يجري تسخين محتوى المعدة المخفف في دورق حتى 50 درجة مئوية لمدة 15-20 دقيقة، مع الاحتفاظ بورق نترات الفضة على فم الدورق. إذا كان الفوسفين موجودًا في محتوى المعدة فسوف يتحول لون الورق إلى اللون الأسود بسبب خروج فوسفات الفضة. يمكن إجراء مزيد من الاختبارات للتأكد من الفوسفين عن طريق وضع قطرة من محلول موليبدات الألمونيوم على ورق الترشيح الأسود، وسيتغير لون الورقة إلى اللون الأزرق.

هل يمكن علاج التسمم بحبوب الغلة؟

لسوء الحظ، لا يوجد ترياق (مضاد للسم) لفوسفيد الألمونيوم. في حالة عدم وجود ترياق محدد معروف، يكون العلاج داعمًا بشكل أساسي. ويجب أن يبدأ العلاج والتحكم في الأعراض بمجرد أن يدعم التاريخ والفحص السريري تسمم فوسفيد الألمونيوم، ويجب ألا يتأخر التشخيص التأكيدي. فقد يؤدي الوصول المبكر للمستشفى والإنعاش والتشخيص والمراقبة المكثفة والعلاج الداعم إلى نتائج جيدة.

يشمل العلاج الداعم والإسعافات الأولية ما يلي:

  • غسل المعدة ببرمنجنات البوتاسيوم والزيوت المعدنية أو زيت جوز الهند، حيث أظهر زيت جوز الهند فعاليته حتى بعد 6 ساعات من التناول الحاد لفوسفيد الألمونيوم. كما أنه يقلل من امتصاص الفوسفين. ويمنع شرب الماء لأنه -كما ذكرنا- عندما يتعرض فوسفيد الألمونيوم للماء أو للرطوبة يطلق غاز الفوسفين السام.
  • يمكن أيضًا استخدام كبريتات الماغنيسيوم وغلوكونات الكالسيوم، والتناول الفموي للفحم، ودواء إن أستيل سيستين، بالإضافة إلى الأكسجة الغشائية بالتنظير الخارجي ونقل الدم الكامل.
  • استخدام تقنية التهوية المعوية.
  • للغثيان والقيء يمكن استخدام دواء ميتوكلوبراميد، أو دواء أوندانسيترون، وتكرارهما حسب الحاجة.
  • للحُماض الأيضي الشديد يجب استخدام بيكربونات الصوديوم.
  • عادة ما تتطلب صدمة انخفاض ضغط الدم الناتجة عن التسمم الكثير من السوائل. يجب الحفاظ على ضغط الدم الانقباضي فوق 90 مم زئبقي بجرعة منخفضة من الدوبامين (4-6 ميكروجرام/كجم/دقيقة)، في حالة مقاومة انخفاض ضغط الدم للسوائل يُعطى 200-400 مجم هيدروكورتيزون كل 4-6 ساعات عن طريق الوريد، للمساعدة على تقليل جرعة الدوبامين، ويمنع تسرب الشعيرات الدموية في الرئتين لمنع متلازمة الضائقة التنفسية الحادة.
  • يمكن إعطاء مدرات البول، مثل دواء فوروسيميد إذا كان ضغط الدم الانقباضي أكبر من 90 مم زئبقي لتعزيز التخلص من الفوسفين من خلال الكلى.
  • في حالات التسمم الحاد بفوسفيد الألمونيوم، يكون السبب الأكثر شيوعًا للوفاة في غضون 12-24 ساعة ناتجًا عادةً عن سبب خاص بالقلب والأوعية الدموية، مثل صدمة انخفاض ضغط الدم، أو عدم انتظام ضربات القلب، أو كليهما معًا، بعد 24 ساعة يكون الفشل الكبدي هو السبب المعتاد للوفاة. بالتالي يجب أن يخضع جميع المرضى الذين يعانون من تسمم فوسفيد الألمونيوم لجهاز مراقبة القلب، ويجب فحص الكهارل، مثل البوتاسيوم والماغنيسيوم، بشكل متكرر واستبدالها وفقًا لذلك.

ما طرق الوقاية من التسمم بحبوب الغلة؟

  • وضع لوائح صارمة وتقييد تداول أقراص الغلة، واستخدامها تحت إشراف متخصصين.
  • توعية الناس بسمية حبوب الغلة، وتوعية الشباب والمراهقين بالحفاظ على الحياة، وتخويفهم من الانتحار، والتخلص من المشكلات التي قد تؤدي إلى الاكتئاب.
  • عدم حفظ أو تخزين حبوب الغلة في المنزل، وإبعادها عن متناول الأطفال.

 

المصادر:

 

آخر تعديل بتاريخ
02 يناير 2023

قصص مصورة

Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.