في تطور طبي لافت، كشفت دراسة سريرية حديثة أن تناول الأسبرين (Aspirin) بجرعة منخفضة قد يساهم في تقليل خطر عودة سرطان القولون والمستقيم (Colorectal Cancer Recurrence) بنسبة تصل إلى 55% لدى الأشخاص ذوي الخطورة العالية. ويُعد هذا النوع من السرطان من أكثر أنواع السرطان شيوعًا حول العالم، وغالبًا ما يعود بعد العلاج، مما يجعل أي وسيلة لتقليل خطر عودته أمرًا بالغ الأهمية. هذه النتائج الجديدة قد تمهد الطريق لاستخدام دواء بسيط وشائع مثل الأسبرين كجزء من خطة العلاج المخصصة لبعض المرضى.
نتائج الدراسة الحديثة: الأسبرين يقلل من عودة سرطان القولون والمستقيم
أجريت التجربة على مجموعة من المرضى الذين خضعوا لجراحة لعلاج سرطان القولون والمستقيم، وكان لديهم طفرة جينية (Genetic Mutation) تُعرف باسم PIK3، وهي شائعة في نحو ثلث حالات هذا السرطان. تم تقسيم المشاركين عشوائيًا إلى مجموعتين: مجموعة تناولت الأسبرين يوميًا بجرعة 160 ملغم، وأخرى تناولت دواءً وهميًا (Placebo).
وبعد ثلاث سنوات من المتابعة، أظهرت النتائج أن الأسبرين يقلل من عودة سرطان القولون والمستقيم بنسبة 55% لدى من يحملون طفرة PIK3، مقارنة بالمجموعة الأخرى.
وفي التفاصيل، لوحظ أن 7.7% فقط من مستخدمي الأسبرين أصيبوا بعودة المرض، مقابل نحو 15% ممن تناولوا الدواء الوهمي. وقد أكد الخبراء أن هذه النتائج تُعد مشجعة للغاية، خصوصًا أن الأسبرين دواء زهيد الثمن ومتوافر على نطاق واسع. لذا فإن القول بأن الأسبرين يقلل من عودة سرطان القولون والمستقيم ليس مجرد ملاحظة عابرة بل نتيجة علمية لها دلالات مهمة.
لماذا قد يكون الأسبرين فعالًا؟
يعتقد الباحثون أن فعالية الأسبرين تعود إلى قدرته على تقليل الالتهابات المزمنة (Chronic Inflammation) في الجسم، وهي عامل أساسي في تحفيز نمو الأورام. كما أنه قد يوقف الإشارات الخلوية في مسار PIK3 (PIK3 Pathway) التي تُحفز تكاثر الخلايا السرطانية. هذا يوضح كيف أن الأسبرين يقلل من عودة سرطان القولون والمستقيم بآلية بيولوجية محتملة تتجاوز مجرد تسكين الألم أو خفض الحرارة.
آراء الخبراء وتحذيراتهم
أكد الخبراء أن هذه الدراسة تمثل خطوة نحو العلاج الشخصي (Personalized Treatment)، أي اختيار العلاج بناءً على التركيب الجيني لكل مريض. وأشاروا إلى أن المرضى الذين يرغبون في استخدام الأسبرين للوقاية من عودة السرطان يجب أن يخضعوا لفحص لتحديد ما إذا كانوا يحملون طفرة PIK3 أم لا.
لكنهم شددوا أيضًا على ضرورة الحذر، إذ أن الاستخدام الطويل للأسبرين قد يزيد خطر نزيف الجهاز الهضمي (Gastrointestinal Bleeding) أو التهاب المعدة (Gastritis). لذا ينبغي ألا يُستخدم إلا بعد استشارة الطبيب. ومع ذلك، فإن الأدلة الحالية تجعل من الواضح أن الأسبرين يقلل من عودة سرطان القولون والمستقيم بشكل لافت في فئات معينة من المرضى.
أهمية الكشف المبكر
يشير المعهد الوطني للسرطان (National Cancer Institute) إلى أن سرطانات القولون والمستقيم تمثل نحو 8% من الحالات الجديدة المتوقعة في عام 2025. وعند اكتشاف المرض مبكرًا، يمكن أن تصل نسبة البقاء على قيد الحياة لمدة خمس سنوات (5-Year Survival Rate) إلى أكثر من 90%. هذا يعزز أهمية الجمع بين الكشف المبكر والعلاج الموجه، حيث إن الأسبرين يقلل من عودة سرطان القولون والمستقيم فقط لدى المرضى الذين تم علاجهم بالفعل ولديهم استعداد جيني محدد.
نهايةً، تمثل هذه الدراسة دليلًا جديدًا على أن الأدوية البسيطة قد تحمل فوائد كبيرة في مكافحة أمراض معقدة مثل السرطان. ورغم أن الأمر يتطلب مزيدًا من البحث لتأكيد النتائج على نطاق أوسع، إلا أن الرسالة واضحة: الأسبرين يقلل من تكرار سرطان القولون والمستقيم بشكل كبير لدى فئة محددة من المرضى، وقد يصبح في المستقبل جزءًا من العلاج المخصص حسب الجينات الفردية. ومع مراقبة دقيقة ومتابعة طبية مستمرة، قد يكون هذا الدواء القديم مفتاحًا جديدًا للوقاية من عودة أحد أخطر أنواع السرطان.



