صحــــتك

استنساخ النعجة دوللي، وغيرها من الثدييات

استنساخ البشر
استنساخ النعجة دوللي

ولِدتْ دوللي أشهر نعجة في العالَم في 5 يونيو سنة 1996، وتَرجِع شهرتها العالمية إلى كونها أول كائن حيّ مِنَ الثدييات يتم استنساخه باستخدام طرق مخبرية دون اللجوء إلى التكاثر الجنسي الطبيعي أو الصناعي. تم استنساخ دوللي في جامعة إدينبرا تحت إشراف عالِم الجنين السير إيان ويلموت Ian Wilmut (1944) وعالِم الأحياء كيث كامبل Keith Campbell (1954-2012).

وكان للنعجة دوللي ثلاث أمهات! أُخِذتْ خليّة من ثدي النعجة الأولى، وكانت تنتمي لنوع من الأغنام ذات الرأس الأبيض اللون. وأُخِذتْ خليّة جَنينِيَّة (بويضة) من نعجة ثانية تنتمي إلى نوع آخر من الأغنام ذات رأس أسود اللون. وبعملية تحت المجهر، تم نَزع نواة البويضة التي أُخِذَتْ من النعجة الأم ذات الرأس الأسود، ووضِعَتْ مكانها نواة الخليّة التي أُخِذتْ من ثدي النعجة الأم ذات الرأس الأبيض.

وتم تحريض هذه الخليّة الجديدة لكي تنقسم وتتكاثر بتعريضها لتيار كهربائي خاص، وظروف نمو معينة. وعندما بدأت فعلاً بالانقسام والتكاثر، وبدأت المراحل الأولية لتشكّل الجنين، زُرِعَ هذا الجنين الأوليّ في رحم نعجة ثالثة من النوع الأسود الرأس، وبعد تمام الحمل، ولِدت النعجة دوللي بيضاء الرأس، وفي كل خليّة من خلايا جسمها نسخة من المادة الوراثية طبق الأصل تماماً للمادة الوراثية التي أُخِذَتْ مِن أمّها النعجة البيضاء الرأس، ومختلفة عن المادة الوراثية للنعجة الأم التي أعطتْها الخليّة الجَنينِيَّة، أو النعجة الأم التي حَملتها وولدتها!

رسم توضيحي يبيّن مراحل استنساخ النعجة دوللي

خلق أم استنساخ؟!

لمْ يتم الإعلان عن ولادة النعجة دوللي إلا في 22 فبراير 1997. أَحدَثَ ذلك الإعلان ضجة عالمية، ربما بسبب عدم الوضوح أو سوء الفهم، فقد ظَنَّ بعضهم أنّ النعجة قد خُلِقَتْ، وأنّ ذلك يمثل فتحاً جديداً في سيطرة الإنسان على الطبيعة بحيث يمكن أنْ يَخلق الإنسان ما يشاء، وسرعان ما انتقلتْ هذه المفاهيم المغلوطة إلى احتمال استنساخ الإنسان أو خَلقِه! وربما اختلطت الأمور في ذلك الوقت أيضاً بسبب ولادة أول أطفال الأنابيب عند الإنسان، وهي الطفلة لويز براون Louise Brown التي ولِدتْ في 25 يوليو 1978، ثم ولِدتْ أختها بالطريقة نفسها بعد ذلك ببضع سنين، وكانت أختها ناتالي أول طفلة أنبوب تَحمل وتَلد بشكل طبيعي سنة 1999، كما حَمَلتْ لويز طفلاً طبيعياً وولدته سنة 2006. ولِد مئات الآلاف من أطفال الأنابيب عند الإنسان منذ ذلك الوقت. وبالطبع لا يمكن اعتبار أي من تلك الطرق "خَلْقاً مِنْ عَدَمْ" بل هي إعادة تشكيل لمواد طبيعية موجودة "خُلِقَتْ" مِنْ قَبْل، وبالاعتماد على مواصفات هذه المواد، وحسب القوانين الطبيعية التي تَخضَع لها.

ماذا حدث للنعجة دوللي؟

عاشتْ دوللي عمرها كله في حظائر جامعة إدينبرا، تزاوجتْ وحملتْ بشكل طبيعي وأنجبتْ ستة خراف. ولكنها أُصيبتْ بالتهاب رئوي شديد ونوع مِنَ الورم الخبيث الذي أدى إلى وفاتها سنة 2003 قبيل أنْ تبلغ السنة السابعة من عمرها. ظَنَّ بعضهم أنّ وفاتها المبكرة ربما حدثتْ لأنها مُستَنسَخة مِنْ أمّ بالغة، وأنّ ذلك قَصَّرَ عمرها، إلا أنّ الأبحاث العلمية لمْ تؤيد ذلك، فقد أَثبتَ علماء يابانيون بعد ثماني سنوات من استنساخ خمسة وعشرين جيلاً متتالياً من الفئران أنها تمتَّعَتْ بعمر طبيعي، وأثبتوا بذلك أنّ الاستنساخ لا يُقَصِّر عمر الحيوانات المستنسَخَة.

هل نجح استنساخ حيوانات غير دوللي؟

تابَع العلماء أبحاثهم في استنساخ الحيوانات وتطوير أساليب ذلك، فنَجحوا في استنساخ العجول والفئران سنة 1997، والبقر في 1999، والخنازير في سنة 2000، والقطط والماعز في 2001، والغزلان والأرانب والحصان في 2003، والكلاب في 2005، والقرود في 2007 ... ولمْ يكن الهدف من تلك التجارب مجرد إثبات نظريات علمية، بل كانت وراءها أهدافٌ عمليةٌ لتوليد وتهجين أنواع معينة من الحيوانات ذات الصفات المرغوبة، إما لإنتاجها الغزير من الحليب أو اللحم أو الصوف، أو لاستنساخ أحصنة السباق الغالية، أو القطط والكلاب المنزلية المحبوبة. كما حاوَلوا تطبيق هذه الأساليب في استنساخ الأنواع الحيوانية المهددَّة بالانقراض.

بعد حوالي سنة مِن استنساخ النعجة دوللي، تمكَّن كامبل وفريقه من استنساخ نعجة ثانية أَطلقوا عليها اسم بولي Polly التي أَدخَلوا في صفاتها الوراثية مُوَرِّثَة بَشَريّة توجِّه الأوامر لصنع أحد البروتينات الإنسانية، فيُنتَجُ في حليبها، ويُستخدَم في علاج بعض الأمراض. إلا أنّ الطريقة التي استخدَمها العلماء في هذه الإجراءات للاستنساخ، وهي طريقة نقل النواة، كانت صعبة ومحفوفة بالمخاطر والفشل، فلمْ تنجح هذه الطريقة مثلاً في استنساخ النعجة دوللي إلا بعد فشل 277 محاولة. كما لوحظ وجود نسبة عالية من التشوهات الولادية في الحيوانات المستنسَخَة بهذه الطريقة.

ما هو مستقبل الاستنساخ؟

يمكن أن يستفاد من تقنيات استنساخ الحيوانات في انتاج سلالات متميزة منها، مثل انتاج خيول سباق متفوقة، أو أغنام ذات أصواف غزيرة، أو أبقار ذات انتاج وفير ... إلا أن هذه الأهداف يمكن أن تتحقق عن طريق أساليب التهجين التي طبقها الإنسان بنجاح منذ فجر التاريخ للحصول على سلالات نباتية وحيوانية متميزة. ولا شك بأن أساليب التهجين (بالتلقيح الطبيعي أو الصناعي) أرخص بكثير، وأكثر نجاحاً من تقنيات الاستنساخ حتى الآن.

يمكن أن تفيد تقنيات الاستنساخ في إجراء الأبحاث العلمية لمزيد من الفهم لما يحدث في الخلية، وكيفية انقسامها وتكاثرها، وتحقيق التقدم في تقنيات الهندسة الوراثية. لم يتم تطبيق تقنيات الاستنساخ على خلايا بشرية، ولم ينجح استنساخ أي إنسان حتى الآن، وربما لم تتم محاولة ذلك أصلاً، على الرغم من صدور شائعات غير حقيقية عن ذلك في الصين وكوريا. ولا شك بأن تطبيق مثل هذه التقنيات سيحتاج إلى كثير من الوعي والحكمة والأخلاق، وسيشكل تحديات قانونية وأخلاقية ودينية واجتماعية.

 

المصدر:

كتاب "قصة الوراثة، كيف كشفها رجالها" للدكتور عامر شيخوني

 

آخر تعديل بتاريخ
30 مارس 2023

قصص مصورة

Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.