لم لا نستطيع تذكر أحداث الطفولة؟ قد يكون هذا أول ما يخطر على بالك عندما يروي لك أهلك، قصصاً وذكريات جميلة عن سنوات طفولتك الأولى، وعن أعياد ميلادك، ومع ذلك؛ فإن لا شيء يتبادر إلى ذهنك من تلك القصص والذكريات وأعياد الميلاد.
إذا كنت لا تتذكر فأنت لست وحدك، فغالبيتنا غير قادرين على تذكر الأحداث التي حصلت معنا في سنوات الطفولة المبكرة، أي في السنوات الثلاث أو الأربع الأولى من العمر. قد يستغرب والداك لماذا لا تتذكر؟ ربما شعرت ببعض الذنب. لا عليك، فهم لا يفهمون لماذا لا يمكنك أن تتذكر. هل تريد أن تعرف؟ تابع معنا لتعرف الإجابة عن سؤال لم لا نستطيع تذكر أحداث الطفولة؟
لم لا نستطيع تذكر أحداث الطفولة؟ فقدان الذاكرة الطفولي
تم طرح ظاهرة فقدان الذاكرة الطفولي لأول من قبل عالمة النفس الأميركية كارولين مايلز في نهاية القرن التاسع عشر، وتؤثّر هذه الظاهرة على الذاكرة العرَضية فقط التي تغطي الذكريات الزمنية للأحداث، ولكنها لا تطال الذاكرة الدلالية مثل المعرفة المتعلقة باللغة أو المهارات الحركية.
الآن .. لم لا نستطيع تذكر أحداث الطفولة؟
أن نتذكر السنوات الأولى من الحياة هو ضرب من المستحيل، بغض النظر عما إذا كانت ذاكرتنا جيدة أم سيئة، ففي طفولتنا المبكرة، وعلى الرغم من أننا نتمتع فيها بقدر كبير من الملاحظة والنشاط والفضول والحماس، فإننا لا نستطيع أن نتذكر ما مررنا به من أحداث خلال تلك الفترة، فنحن مثلاً لا نتذكر عيد ميلادنا الأول، أو الثاني، ولا نتذكر كلماتنا الأولى، أو خطواتنا الأولى، أو أطعمتنا التي كانت مفضلة، أو العطلات التي قضيناها مع الأهل. لا أحد يعرف على وجه اليقين سبب أو أسباب فقدان الذاكرة الطفولي ولكن هناك نظريات قيلت على مر الزمن قد تجيب عن سؤال لم لا نستطيع تذكر أحداث الطفولة؟
النظرية الأولى: نظرية الذاكرة المكبوتة
هذه هي أول نظرية وضعت للإجابة عن سؤال لم لا نستطيع تذكر أحداث الطفولة؟ في عام 1935 ربط طبيب الأعصاب النمساوي، مؤسس علم النفس الحديث سيغموند فرويد، بين صدمة الطفولة وفقدان الذاكرة الطفولي، إذ افترض أننا نَكبت ذكرياتنا المبكرة بسبب محتواها الجنسي غير المناسب، إذ اعتبر فرويد هذا الكبت هو بمثابة آلية دفاعية نفسية لحمايتنا من التجارب المبكرة التي قد تكون مؤلمة، ولكن حتى الآن لم تتوفر الأدلة الكافية لإثبات ذلك.
النظرية الثانية: عدم اكتمال نمو الدماغ
هذه هي النظرية الثانية التي وضعت للإجابة عن سؤال لم لا نستطيع تذكر أحداث الطفولة؟ عند الولادة، لا يزيد حجم دماغ الطفل البشري عن ربع حجم دماغ الشخص البالغ، ولكن مع حلول سن الثانية، يصبح حجم دماغه ثلاثة أرباع حجم دماغ البالغ، ويرتبط هذا التحول في الحجم بنمو مكثف للخلايا العصبية في منطقة الحصين في الدماغ (قرن آمون) الذي يشارك في تكوين ومعالجة وترسيخ الذكريات، ما يجعل دماغ الطفل غير قادر على تخزين الذكريات العرَضية بشكل صحيح كما الحال عند الشخص البالغ.
بكلام آخر، إن الزيادة الكبيرة في عدد الخلايا العصبية في الحصين (قرن آمون) تعمل في الواقع على تعطيل الذكريات التي تشكلت في وقت مبكر من الحياة من خلال إنشاء شبكة من الوصلات العصبية الجديدة التي تحل محل الوصلات العصبية القديمة غير الضرورية ما يتسبب في فقدان الذاكرة.
النظرية الثالثة: غياب التواصل اللغوي
وهذه هي النظرية الثالثة للإجابة عن سؤال لم لا نستطيع تذكر أحداث الطفولة؟ ويزعم أنصار هذه النظرية أن التعبير اللفظي عن حدَث ما من شأنه أن يحسّن تذكّره، من هنا فاللغة مهمة جداً للتذكر، فكلما زادت قدرة الطفل على التعبير اللفظي لوصف واقعة ما، زاد احتمال تذكر تلك الواقعة بعد مرور أشهر أو سنوات.
إلا أن آخرين يقولون بأن اللغة ليست ضرورية لخلق واسترجاع الذكريات المنسية، وأنه يمكن تحقيق ذلك، أي استرجاع الذكريات، من خلال أشياء غير لفظية مثل وجود رائحة مميزة، أو ضوء ساطع، أو سماع موسيقى قديمة.
النظرية الرابعة: نظرية التنقل
النظرية الرابعة للإجابة عن سؤال لم لا نستطيع تذكر أحداث الطفولة؟ نُشرت في دراسة عام 2016 في مجلة Frontiers in Psychology، وتفترض هذه النظرية أن الرضع والأطفال الصغار هم أقل قدرة على الحركة من الأطفال الأكبر سناً، ما يؤثر في قدرتهم على الاحتفاظ بالذكريات. ويقول المشرفون على الدراسة إنه في غياب الحركة الذاتية فإنه لا توجد فرصة لخلايا منطقة الحصين في الدماغ للتكيف مع البيئة. ويوضح المشرفون أن الذكريات تصبح أقوى وأكثر عندما يتحرك الطفل من الحبو إلى المشي على قدميه، فعندها يصبح قادراً على استكشاف بيئات جغرافية أكثر تنوعاً واتساعاً.
النظرية الخامسة: الأثر العصبي
النظرية الخامسة للإجابة عن سؤال لم لا نستطيع تذكر أحداث الطفولة؟ هي: هل تتبخر ذكرياتنا المبكرة في الهواء أم تظل محفوظة في المخ؟ خلصت مراجعة تم نشرها في مجلة Learning and Memory بأنه على الرغم من أننا قد لا نتذكر معظم التفاصيل المتعلقة بذكرياتنا في السنوات المبكرة من حياتنا، إلا أنه من المحتمل أن تبقى ظلال أو ملامح تلك الذكريات محفوظة في تلافيف أدمغتنا حتى ولو لم نتمكن من وصفها.
هل يجب التوقف عن صنع الذكريات مع الأطفال الصغار؟
لم لا نستطيع تذكر أحداث الطفولة؟ وهل يجب التوقف عن صنع الذكريات مع الأطفال الصغار؟ الجواب كلا وألف كلا، إن فقدان الذاكرة الطفولي، لا يجب أن يكون سبباً للتوقف عن صنع الأحداث والذكريات في سنوات الطفولة المبكرة، مثل حفل عيد الميلاد، أو زيارة حديقة، أو الذهاب إلى السينما أو المسرح أو رواية الحكايات والقصص، أو إنشاد الأغاني، أو غيرها من الأشياء، فحتى ولو لم يتذكر الأطفال تلك التجارب والأشياء فيما بعد، فإن المشاركة في صنعها مع الأطفال من شأنه يساهم في تمكين الروابط العائلية، وتطوير المهارات، وفي التعرف على العالم المحيط بهم.
وفقاً لعلماء النفس، فإن الذاكرة هي أن يتمكن الكائن الحي من اكتساب المعلومات وتخزينها والاحتفاظ بها واسترجاعها. ولكن المشكلة عندنا نحن البشر (وكذا الحال عند الحيوانات)، أن الغالبية العظمى منا لا تستطيع تذكر الأحداث التي حصلت في السنوات الثلاث الأولى من العمر، فسميت هذه الحالة باسم فقدان الذاكرة الطفولي، الذي تم تبريره بنظريات مختلفة ما زالت محل أخذ وردّ. إن فقدان الذاكرة الطفولي ما زال لغزاً محيراً يحاول العلماء من كل حدب وصوب فك رموزه، وفي الانتظار، يجب أن نعرف أن ضياع الذكريات في سن الطفولة المبكرة هو شيء طبيعي للغاية، وحقيقة من حقائق الحياة، بغضّ النظر عما إذا كانت ذاكرتنا جيدة أو سيئة، فرفقاً بالذاكرة.