يحلم كل والدٍ لديه أكثر من طفل أن يعيشوا في انسجامٍ تام، يتشاركون الملابس والألعاب، ويدافعون عن بعضهم البعض في كل المواقف. لكن الواقع مختلف؛ فكل طفل يمتلك شخصيةً ومزاجًا خاصًّا، مما يجعل أسباب التنافس بين الأشقاء أمرًا طبيعيًا وحتميًا في كل بيت تقريبًا. الغيرة، والاختلافات العمرية، والسعي لجذب الانتباه، كلها قد تؤدي إلى خلافاتٍ تتحول أحيانًا إلى صراعاتٍ حقيقية. ومع ذلك، يمكن تحويل هذا التنافس إلى فرصةٍ لتعلّم الحب، والاحترام، والتعاون داخل الأسرة.
ما هو التنافس بين الأشقاء؟
يُعرَّف التنافس بين الأشقاء بأنه الصراع المستمر بين الأطفال الذين نشأوا في عائلة واحدة، سواء كانوا إخوة بيولوجيين، أو أشقاء من زواجٍ سابق، أو إخوة في الحضانة أو التبنّي.
وقد يتجلّى هذا التنافس في أشكالٍ متعددة مثل:
- المشاجرات اللفظية أو الجسدية.
- الغيرة والسباب والانتقاد.
- التنافس على اهتمام الوالدين أو تقديرهم.
- محاولات لفت الأنظار أو التعبير عن الحسد.
ورغم أن هذه المواقف مرهقة للأهل، إلا أنها شائعة وطبيعية جدًا في مراحل النمو، إذ يتعلم الأطفال من خلالها مهارات التواصل والاختلاف والمشاركة.
أهم أسباب التنافس بين الأشقاء
يحدث التنافس غالبًا بسبب تداخل مشاعر الحب والغيرة والمقارنة بين الإخوة. ومن أبرز أسباب التنافس بين الأشقاء ما يلي:
- التغييرات الكبرى في الحياة: الانتقال إلى منزل جديد، أو قدوم مولودٍ جديد، أو الطلاق، كلها تغييرات تُربك الأطفال وتجعلهم يُظهرون توترهم عبر الصراع مع إخوتهم.
- الفروق العمرية والمراحل النمائية: تشتد المنافسة عندما يكون الأطفال قريبين جدًا أو بعيدين جدًا في العمر. فالأولون يتنافسون على الألعاب والاهتمام، والآخرون على المكانة والتقدير.
- الغيرة: الثناء على طفلٍ دون الآخر أو منحه امتيازاتٍ خاصة قد يشعل الغيرة بين الإخوة، مما يُعد من أبرز أسباب التنافس بين الأشقاء .
- الرغبة في التفرّد: كل طفل يريد أن يكون "الأفضل" في شيءٍ ما. هذه الرغبة الطبيعية في التميّز قد تتحول إلى سباقٍ يوميّ لإثبات الذات أمام الإخوة.
- نقص مهارات حل النزاعات: عندما يرى الأطفال والديهم يتجادلون بعنف أو دون حلولٍ ودية، يكتسبون النمط ذاته في تعاملهم مع إخوتهم.
- ديناميكيات الأسرة الخاصة: الإصابة بمرضٍ مزمن، أو اختلاف المعاملة بسبب ترتيب الولادة، أو التفضيل غير المقصود، كلها عوامل تُغذّي التنافس وتزيد من حدّته.
كيف تظهر أسباب التنافس بين الأشقاء في الحياة اليومية؟
غالبًا ما يظهر التنافس في مواقف بسيطة لكنها متكررة:
- الطفل الأكبر يرفض وجود المولود الجديد ويعبّر عن رغبته في “العيش بدونه”.
- شقيقتان صغيرتان تتشاجران فجأة حول لعبةٍ كانتا تلعبان بها بسعادة قبل لحظات.
- ثلاثة أطفال يتجادلون كل مساء على البرنامج التلفزيوني الذي يستحق المشاهدة قبل النوم.
هذه الأمثلة اليومية تعبّر عن أسباب التنافس بين الأشقاء بوضوح، إذ يختبئ وراء كل موقف شعور بالغيرة أو فقدان العدالة أو الرغبة في لفت الانتباه.
كيف يتعامل الوالدان مع المشاجرات؟
التدخل الفوري في كل نزاع قد يُضعف قدرة الأطفال على حلّ مشاكلهم بأنفسهم. لذا، من المهم أن يتعلموا كيف يديرون خلافاتهم ضمن حدودٍ آمنة.
نصائح عملية:
- كن مراقِبًا أكثر من كونك حكَمًا. راقب الموقف دون إصدار أحكامٍ سريعة.
- ذكّر طفلك بأن العائلة فريق واحد: "أخوك جزء من العائلة، وعلينا أن نعتني به".
- استخدم العواقب المنطقية: إذا رفضا المشاركة في اللعبة، تُرفع اللعبة مؤقتًا.
- شجّعهم على الاتفاق المشترك، وإن فشلوا، أوقف النشاط بهدوء دون صراخ.
- دعهم يشاركون في إيجاد الحلول بأنفسهم.
أخطاء شائعة تزيد من أسباب التنافس بين الأشقاء
حتى دون قصد، قد يقع الأهل في ممارسات تؤجج الصراع بين الأبناء، مثل:
- المقارنة الدائمة بين الإخوة ("ليتَك مثل أخيك").
- الثناء على طفلٍ واحد دون الآخر.
- منح أدوار ثابتة ("سارة ذكية، وليلى حساسة").
- التدخل المفرط أو الانحياز في الخلافات.
تجنّب هذه السلوكيات قدر الإمكان، وحاول أن تُظهر لكل طفلٍ حبك واهتمامك بطريقةٍ خاصة تعكس شخصيته.
حلول لتعزيز الانسجام الأسري
يمكنك الحدّ من أسباب التنافس بين الأشقاء من خلال تطبيق مجموعة من الاستراتيجيات التربوية البسيطة:
- الاهتمام الفردي: خصّص وقتًا خاصًا لكل طفلٍ على حدة لتشعره بأنه محبوب دون مقارنة.
- تعزيز روح الفريق: شجّعهم على التعاون في أعمالٍ مشتركة، مثل ترتيب الغرفة أو الطبخ معًا.
- تخصيص المساحات الشخصية: حتى لو كانت صغيرة، امنح كل طفلٍ ركنًا خاصًا يشعر فيه بالاستقلالية.
- إجراء الاجتماعات العائلية: ناقشوا المشكلات بهدوء، واسمح لكل طفل بالتعبير عن رأيه دون مقاطعة.
-
القدوة الحسَنة: أظهِر لهم كيف تُحلّ الخلافات بطريقةٍ محترمة وبعيدة عن الغضب أو الإهانة.
كلمة من فريق صحتك
أسباب التنافس بين الأشقاء لا يمكن القضاء عليها تمامًا، لكنها فرصة ذهبية لتعليم أطفالك مهارات الحياة الأساسية: المشاركة، والاحترام، والتعاطف، والتسامح. وإذا لاحظت أن الخلافات باتت مفرطة أو تسبّب توترًا للأسرة، يمكنك استشارة طبيب الأطفال أو اختصاصي العلاج الأسري لمساعدتك على وضع خطةٍ تربويةٍ أكثر فعالية. وتذكّر أن العلاقة بين الإخوة تمرّ بمراحل مدٍّ وجزر، لكن بالحب والوعي والصبر، يمكن أن تتحول هذه المنافسة الطبيعية إلى علاقةٍ قويةٍ تدوم مدى الحياة