صحــــتك

كيف يؤثر شعورك بالخزي على عاداتك في الأكل؟

كيف يؤثر شعورك بالخزي على عاداتك في الأكل؟
يشعر بعض الأشخاص بالحرج والخزي بسبب عاداتهم الغذائية، لذلك تراهم يتخفون بعاداتهم الغذائية ما استطاعوا حتى لا يراهم أحد، وقد تستمر عادة التخفي هذه لسنوات عديدة، لأن هذه العادة تتيح لنا أن نخدع أنفسنا، ونقنعها بأننا لم نأكل أي شيء "محظور"، وفي كثير من الأحيان تصبح عادات الأكل هذه نمطاً مستمراً، ويكون هذا مصحوباً بمشاعر الخزي والقلق التي استمرت لأزمنة طويلة.

وإدراكنا للطرق التي يؤثر بها الشعور بالخزي في طريقة أكلنا هي الخطوة الأولى نحو تعلم كيفية التعامل مع أنفسنا بلطف وتسامح.. يساعدنا على التخلص من مشاعر الخزي، وهذا ما ستحاول هذه المقالة تناوله.



* ما هو الفرق بين الشعور بالخزي والشعور بالذنب؟
لا بد لنا في البداية من أن نميز بين نوعين من الشعور.. الشعور بالخزي، والشعور بالذنب، فالشعور بالخزي هو شعور وتجربة مؤلمة بشدة، حيث نشعر بأننا نتمتع بعيوبنا، وبالتالي لا نستحق الحب والانتماء، ولكن نستحق فقط الخزي.

الشعور بالخزي شعور قوي وراسخ.. شعور مروّع.. لأن ذلك يعني أنك لم تفعل شيئاً خاطئاً فحسب، بل إنك كلك خطأ ووجودك خطأ.

أما الشعور بالذنب فهو يجعلنا نشعر بالندم، وتأنيب الضمير على عمل ما قمنا به؛ فالذنب يخبرنا بأن سلوكنا كان سيئاً.

يمكن حل مشكلة الشعور بالذنب من خلال الاعتراف بأخطائنا والسعي إلى المغفرة، أما الخزي، فلا يتم حل مشكلته بهذه الطريقة، إذْ يبقى هناك صوت بداخلك يقول: "أنت سيئ للغاية، ولا تستحق المحبة".

* أسباب الشعور بالخزي وسلوكيات اضطرابات الأكل
يتعرّض العديد من المرضى الذين يعانون من سلوكيات اضطرابات الأكل للشعور بالخزي بشكل مباشر، أو غير مباشر في حياتهم، وعلى سبيل المثال، عندما يسمعون من بيئتهم غير السوية بشكل غير مباشر: "إن مشاعرهم خاطئة، وأنهم مخطئون في تبنيها"، وللأسف من يسمع هذه الرسالة سيتأثر بها.. الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى الابتعاد عن المشاعر الإيجابية التي يتم تعطيلها من خلال سلوكيات غير فعالة ومدمرة، مثل التقييد، وإيذاء النفس، وتعاطي المخدرات.. إلخ.

كذلك فإن ذكرياتنا المبكرة التي تعود لأيام الطفولة يمكن أن تثير مشاعر الخزي القوية، حيث قد تفكر في الوقت الذي ارتكبت فيه خطأً وأنت طفل، وتمت معاقبتك أمام الآخرين.. هل شعرت بـ"الخزي" لارتكاب خطأ؟ هل ما زلت تشعر بشعور مخزٍ مؤلم؟

لا شك أنه شعور سلبي لدرجة أنه يجعل الطفل يشعر بالخوف من تكرار أخطائه، الأمر الذي يشجع على القيام بأعمال سرية وتجنب الأخطاء، وخصوصاً إذا نشأ الطفل في العائلات المثالية التي تفتقر إلى لغة التعاطف الذاتي والتسامح، وهذه العائلات هي من الأماكن التي يمكن أن ينتعشُ فيها الشعور بالخزي، سواء من الطريقة التي يبدو فيها جسم الطفل، إلى علاقته بالطعام، وقد يستمر ذلك إلى مرحلة البلوغ، والذي يمكن أن يؤدي أيضاً إلى سلوكيات اضطرابات الأكل لاحقاً.



كل هذه التجارب يمكن أن تثير الشعور المستمر بالخزي حتى في مرحلة البلوغ؛ ويمكن أن تؤدي أيضاً إلى شعور قوي بالخزي عند تناول بعض المواد الغذائية (وتسمى أحياناً "الأطعمة المحفّزة")، ويقول الكثير من المرضى إنهم لا يتمكنون مطلقاً من تناول الأطعمة المحفزة المميزة في الأماكن العامة بسبب شعورهم بالخزي والذنب عندما يستهلكون هذه الأطعمة أمام الآخرين.

المشكلة في الشعور بالخزي أنه يمكن أن يؤدي إلى مشكلة أخرى، وهي الشراهة التي يتخذ منها الشخص طريقة للسيطرة عليه، لكن ذلك سيأتي بمفعول عكسي، حيث إن الاستمرار بتناول المزيد من الأكل يديم دورة الشعور بالخزي، وغالباً ما يقول المرضى إنّ شعورهم بالخزي هو الدافع الكبير لوقوعهم في سلوك اضطرابات الأكل لديهم قبل حدوث حفلة مثلاً، لكنهم سرعان ما يشعرون بالخزي بعد الحفلة، ومن شأن ديمومة اضطراب الأكل لديهم إصابتهم في النهاية بالمزيد من السلوكيات التعويضية الأخرى، مثل الإفراط في ممارسة الرياضة.

يعتقد بعض الناس أن تناولهم الطعام بشراهة قد يساعدهم على تجنب الذكريات السلبية أو مشاعر الخزي، ولكن الأكل بشراهة يفعل عكس ذلك، فهو يزيد من مشاعر الخزي والضيق، الأمر الذي يديم دورة الشعور بالخزي.

* كيف تتغلب على الشعور بالخزي؟
لنطرح السؤال بصيغة أخرى: هل الشعور بالخزي يمكن أن يجعلنا نغير سلوكياتنا الغذائية؟.. كثير من الناس الذين تم الحديث معهم يقولون إنهم بحاجة إلى "التغلب على أنفسهم" لجعلها تقوم بتغيير إيجابي في حياتهم، ويتصورون أنهم إذا تحدثوا مع أنفسهم بشكل أكثر سلبية، فسيحفزهم ذلك على العمل بجد أكبر، أو رفع أوزان أكثر، أو تناول طعام أنظف.. ولكن هل هذا يحدث فعلاً؟ على الأرجح، الجواب هو: لا.

الشعور بالخزي لا يصلح أن يكون محفزاً طويل الأجل، فقط يصلح على المدى القصير، ومع تفاقم الخوف والشعور بالذنب، يزداد عدم الرضا عن النفس، ما يضاعف شعور الخزي، ويصبح الإنسان وكأنه يدور في حلقة مفرغة من الخزي والمزيد من الخزي.

لذلك لا بد من مواجهة الشعور بالخزي بالتعاطف الذاتي (Self compassion)، اعتمد نهجاً متعاطفاً مع نفسك، وستجد أن جسمك، والآخرين سيمنعون عنك سيطرة الشعور بالخزي على نفسك.. إذاً واحدة من أفضل الطرق للتعامل مع الشعور بالخزي هي تبني ممارسة التعاطف الذاتي تجاه نفسك وجسمك واضطراب الأكل، وطبعاً هذا ليس بالأمر السهل، وربما لن يكون طبيعياً.



* هل توجد طرق أخرى لتتغلب فيها على الشعور بالخزي؟
في ما يلي بعض الطرق التي يمكنك من خلالها ممارسة محادثتك الذاتية الداخلية اليومية مع صوت التعاطف الذاتي:
1- كن محايداً
بدلاً من الحكم على جسمك وغيره من أجسام الآخرين، اتخذ موقفاً محايداً تجاه جسمك، ولاحظ كيف يعمل جسمك، وماذا يقدم لك.. افعل ذلك دون الحكم عليه، حتى لو شعرت الآن أنك لا تحب جسدك.. إن قضاء بعض الوقت في وصف جسمك بشكل محايد هو خطوة واحدة نحو تغيير طريقة الاستخفاف بالنفس وانتقادها، وأيضاً تجنب الكلمات السلبية التي تخاطب بها نفسك؛ مثل "أنا غير محبوب" أو "أنا عاجز" أو "أنا غير مناسب" أو "أنا فاشل" أو "أنا وحيد بمفردي" أو "أنا لا أنتمي لأحد".. أي تعلم كيفية صنع السلام مع جسمك.

2- اسأل نفسك.. كيف تتحدث إلى صديق؟
عادة ما نتحدث إلى أنفسنا بطريقة قاسية وسلبية، ولا نتحدث أبداً مع أصدقائنا أو عائلتنا بهذه القسوة.. حاول مشاهدة كيف تتحدث إلى نفسك يومياً.. تعلم كيف تتحدث برأفة مع نفسك لمحاربة الشعور بالخزي، وتحدث عن شعورك بالخزي مع الآخرين الذين تثق بهم، ومارس التعاطف مع الذات، وتعلم التراجع عن أية رسائل ضارة حملتها منذ طفولتك، والتي شكلت معتقداتك الجسدية الحالية وعاداتك في الأكل.

3- استخدم ذهنك
ما عليك سوى أن تضع في اعتبارك أين تميل أفكارك.. اختر ألا تكون الحكم على أفكارك، مع العلم أنها مجرد أفكار وأنماط تم إنشاؤها بسبب تجاربك.. تعلم كيفية ممارسة اليقظة لبضع دقائق فقط في اليوم.. واجعل ذهنك يعايش كل تجربة بفضول وانفتاح، بغض النظر عما إذا كانت هناك معتقدات جوهرية سلبية أو تجارب مشينة.

4- اطلب مساعدة أحد المعالجين
يمكنك ممارسة تقنيات للبدء في فصل أفكارك عن معتقداتك ببطء، والتي يمكن أن تقلل من حدة أي مشاعر مؤلمة مرتبطة بالشعور بالخزي، وتعلم كيفية الحد من القلق في الوقت الراهن.. فالعديد من المرضى الذين يشعرون بالخزي يشعرون أيضاً بالحاجة الشديدة للتخفي عن أعين الناس، ويمكننا أن نلحظ هذا ببساطة من خلال فقدانهم للتواصل البصري مع المعالج، أو تغيير الموضوع أو تغطية الوجه، وفي بعض الحالات المتطرفة نجدهم يتجنبون الآخرين أو العلاج تماماً، ولكن إذا كان بالإمكان إبقاء المريض على علاقة بالعلاج والسماح له بإلقاء نظرة على تصوّره السيئ، فسيتم إعطاؤه الفرصة ليحب ذلك الشيء السيئ عنده ويقبله. وهذا يثبت أن الصوت الداخلي الذي يقول له: "أنت سيئ للغاية ولن يحبك أحد" هو خطأ بكل تأكيد، وعندما يكشّر الشعور بالخزي عن أنيابه في جلسة العلاج، يجب أن نشغل المريض عنه، وذلك بدعوة المريض للسماح برؤية نفسه في مكان آمن للعلاج.

5- اكسر دورة الشعور بالخزي
اعمل عكس ما يريده "شعورك بالخزي" أن تفعله، وذلك من خلال تحديه بشكل فعّال، فإذا طلب منك شعورك بالخزي العزلة والاختباء لأنك لست جيداً بما يكفي، فقم بعكس ذلك ورتب خططا للقاء الأصدقاء، وإذا كنت قد تناولت من قبل الأطعمة التي تفضلها فقط في السرير أو في سيارتك بنفسك، فقم بالعكس وتحدى هذا الشعور بالخزي، واستهلك تلك الأطعمة في مكان عام مع الأصدقاء أو العائلة، بل وقم بشراء الأطعمة الخاصة بك في الأماكن العامة، وتحدى قلق الشعور بالخزي.

6- تعرف على مظاهر الشعور بالخزي المختلفة
أحياناً يظهر الشعور بالخزي نفسه على أنه (الناقد الداخلي) أو (اللوم الذاتي) أو (جلد الذات)، وقد تتجلى مظاهره الجسدية كأن تصبح العيون منكوبة، والرأس منخفضا، والحالة غير مستقرة، وهي تعبيرات طبيعية عن الشعور بالخزي، وقد تحدث أحاسيس جسدية أخرى مع الشعور بالخزي تشمل ارتفاع درجة الحرارة والأحمرار.



*** خلاصة القول
يولد البشر بالرغبة في أن يكونوا محبوبين، ونحن بحاجة لبعضنا بعضاً من أجل البقاء، لذلك.. نسعى جميعاً لنكافح بالمشاعر والمخاوف نفسها، ويمكننا التواصل مع إنسانيتنا المشتركة.. كما يمكننا أن نقدم لأنفسنا كلمات من الرعاية واللطف عندما نكون في موقف صعب.

تحدث إلى نفسك كما تتحدث إلى شخص تحبه، مثل طفلك أو شريك حياتك.. ماذا سيقول لك صديق حنون للغاية في هذه الحالة؟ يمكن أن تدعمك الإيماءات الودية والهادئة في إيجاد الدفء الداخلي.. كترياق بديل عن الشعور بالخزي القاسي والبارد.

تجنب نمو الشعور بالخزي من خلال كسر الصمت، والحديث عن عاداتك حول الأكل، لأن ذلك هو جزء أساسي من عملية التخلص منها.
آخر تعديل بتاريخ
03 أبريل 2019

قصص مصورة

Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.