صحــــتك

هل من الطبيعي أن يتحدث الشخص إلى نفسه؟

الصورة
avatar
هل من الطبيعي أن يتحدث الشخص مع نفسه؟

من منا لم يتحدث يوما إلى نفسه، بل من منا لم يمر يوما بجانب شخص وهو يخاطب نفسه في الشارع، لا بل كثيرا ما نصف هذا الشخص بأنه غريب الأطوار، أو مريض نفسيا، أو بكل بساطة مجنون، مع أن الحقيقة التي لا لبس فيها هي أننا جميعا نتناول أطراف الحديث مع أنفسنا في وقت أو في آخر، ولسنا بالضرورة غريبي الأطوار ولا مرضى نفسيين ولا مجانين، فعلى ما يبدو أن أصوات التحدث إلى النفس لديها الكثير من الأشياء التي يمكن أن تقولها لنا.  

التحدث إلى النفس عادة طبيعية وصحية

إن التحدث إلى النفس (الحوار الداخلي، أو الخطاب الداخلي، أو الدردشة الذاتية) هو سلوك فطري وجزء طبيعي من السلوك البشري، ويشاهد في كل الأعمار من دون استثناء، فالغالبية العظمى من الناس، إن لم نقل الكل، تتحدث إلى نفسها، وقد درس الباحثون هذه الظاهرة على نطاق واسع فخلصوا إلى نتيجة مفادها أن التحدث إلى النفس أمر شائع وطبيعي وصحي على الرغم من أن كثيرين، وهم على خطأ، ما زالوا يربطون الحديث إلى الذات بقضايا الصحة العقلية. 

 

أنواع التحدث إلى النفس

هناك ثلاثة أنواع للتحدث إلى النفس:

  1. التحدث الذاتي الإيجابي إلى النفس، ويساهم هذا النوع في تشجيع وتعزيز المعتقدات الإيجابية عند الشخص، ما يحسن من القدرة على التركيز ويعزز الثقة بالنفس ويخفف من هواجس القلق.
  2. التحدث الذاتي السلبي إلى النفس، وعادة ما ينطوي هذا النوع على حوار نقدي سلبي غير مشجع.
  3. التحدث الذاتي المحايد إلى النفس، ويولد هذا النوع من التحدث أحاسيس قد تكون سلبية أو قد تكون ايجابية.

الفوائد المحتملة للتحدث إلى النفس

إن الدخول في دردشة مع الذات هو عادة طبيعية تماما يمكن من خلالها حصد الفوائد التالية:

1. تقليل القلق

وجد الباحثون أن الأشخاص الذين ينخرطون مع أنفسهم في التحدث الذاتي بصيغة الغائب، يساعدهم ذلك في النأي بأنفسهم عن المشاعر المؤلمة والصعبة ويمكنهم من معالجتها وتنظيمها وتحليلها، الأمر الذي يخدم في التقليل من حدة القلق خاصة بعد الأحداث الحياتية المجهدة. وفي هذا الإطار، كشفت دراسة أجريت عام 2014 أن الأشخاص الذين يشكون من القلق، بما في ذلك القلق الاجتماعي، يمكنهم أن يستفيدوا من التحدث إلى الذات من أجل إدارة القلق وبالتالي التخفيف من وطأته.

2. ترتيب الأفكار وتنظيم العواطف

 يساعد الدخول في حوار مع الذات على تنظيم ومعالجة المشاعر وعلى ترتيب الأفكار التي تدور في الرأس، خاصة عندما يتم قصف هذا الأخير بوابل من الضغوطات التي تنهال عليه من كل حدب وصوب.

 

3. حل المشاكل

 لقد تبين أن استعمال تكتيك التحدث إلى النفس يمكن أن يكون طريقة جيدة للتفكير في المشاكل وبالتالي إيجاد المهارات المناسبة لإدارتها وحلها، كما يسمح هذا التكتيك بوضع الخريطة المناسبة للاستمرار في المهام والمضي بها قدما.

4. تعزيز الأداء المعرفي

أظهرت البحوث، التي جرت هنا وهناك، أن التحدث إلى النفس يساعد الدماغ على القيام بمهامه بشكل أفضل ويجعله أكثر كفاءة من الناحية الفكرية.

في دراسة لقياس الأداء المعرفي، قرأ فيها بعض المشاركين تعليمات لأداء مهمة معينة بصمت، في حين أن البعض الآخر قرأها بصوت عال، فكانت النتائج أن كلا السلوكين ساهما في الحفاظ على التركيز وفي تحسين الأداء، إلا أن النتائج كانت أفضل لدى الذين تحدثوا إلى ذواتهم بصوت عال أسوة برفاقهم الذين تحدثوا إلى أنفسهم بصمت، هذا يعني أن التحدث إلى النفس بصوت عال يزيد من جودة الحوار الداخلي ويجعل الشخص ذا قدرة أعلى على اتخاذ القرارات وحسم الخيارات بشكل أدق.

وفي دراسة أخرى، أكمل المشاركون مهمة معرفية قياسية تضمنت العثور على عناصر معينة عن طريق المسح الضوئي لها، فكانت النتيجة أن المشاركين وجدوا الأشياء بشكل أسرع عندما يتحدثون إلى أنفسهم.  

5. تعزيز الثقة بالنفس

ليس سرا على أحد عندما نعرف مدى أهمية التشجيع الذي نتلقاه من الآخرين في دعم الثقة بالنفس واحترام الذات وزيادة فرص النجاح، إن هذا الأمر يحصل حتى عند قيام الشخص بالتشجيع من خلال التحدث إلى نفسه ذاتيا.

 

6. العثور على الأشياء

وفقا لبحث جرى في عام 2012، فإن قول اسم شيء تبحث عنه بصوت عال يمكن أن يساعد في تحديد موقع الشيء الذي تبحث عنه بسهولة أكبر من مجرد التفكير به فقط.

7. إخراج الأفكار غير المرغوبة

إن التحدث إلى النفس يسمح بإعطاء صوت إلى الأفكار والمشاعر غير المرغوب فيها وإلى خروجها في وضح النهار، خاصة عندما تكون هذه الأفكار والمشاعر شخصية لا يمكن مشاركتها مع آخرين، إن اخراج المشاعر والأفكار الصعبة والسلبية إلى العلن يساعد على استكشافها وبالتالي إدارتها بشكل أفضل، الأمر الذي يقلل من تأثيراتها السلبية المحتملة.

كيف تجعل التحدث الذاتي جهدا مثمرا؟

إن التحدث إلى النفس هو أداة قوية لتعزيز الصحة العقلية والوظيفة الإدراكية، ولكي تحقق أقصى استفادة من هذه الدردشة الذاتية فإنه يتوجب عليك الأخذ بالوصايا التالية:

1. ابق إيجابيا

حاول أن تجعل المحادثة مع الذات مثمرة وبناءة، وابتعد كل البعد عن السلبية. ابتعد عن الأفكار السلبية والمتشائمة لأنها تجعل أمورك أكثر قساوة وأشد صعوبة. إن التحدث الإيجابي إلى الذات يساعد على تكوين رؤية واضحة وكاملة وبالتالي التوصل إلى استراتيجية مناسبة للتأقلم، خاصة عند المرور في أوقات عسيرة وعصبية. حذار التحدث مع الذات بعبارات غير صادقة أو بعبارات تشوبها الأكاذيب لأنها تجعل المحادثة غير واقعية وغير فعالة. لا تنس أن تضع العبارات الإيجابية التي تنطق بها موضع التنفيذ، وإلا يظل ما تقوله حبرا على ورق.

2. حاول التحدث إلى ذاتك بالضمير الغائب

إذا بدأت دردشتك الذاتية باستعمال الضمير الغائب وكأنك تتحدث إلى شخص آخر، فهذا يمنحك بعض المسافة العاطفية في المواقف التي تشعر فيها بالتوتر الأمر الذي يساعد في التخفيف من حدة الضغوطات المرتبطة بالمهمات التي تقوم بها.

3. أقحم اسمك في المحادثة

إذا كانت المحادثة الذاتية مثمرة أكثر في بعض المواقف، فهذا لا يعني ألا تحاول أن تقحم اسمك في الدردشة الذاتية في مواقف أخرى بدل استعمال الضمير الغائب، فهذا قد يمنحك مساحة عاطفية أقوى قد تجعل المحادثة أجود وأفضل.

4. أكد على نقاط القوة لديك

عندما تخاطب ذاتك فإنه عليك أن تركز على نقاط القوة لديك لأنها تعزز من الثقة بالنفس، وتزيد من الشعور بالرضا، وتتيح المجال لمواجهة المشكلات الحياتية وإيجاد الحلول المناسبة لها.

5. اسأل نفسك

قد يساعد طرح أسئلة على نفسك خلال حوارك مع ذاتك في التوصل إلى الجواب، كما يمكن ألا يساعدك هذا، ومع ذلك، فإن طرح السؤال يمكن أن يساعد في إلقاء نظرة ثانية وربما ثالثة ورابعة على كل ما تقوم به أو ترغب في فهمه، كما يمكن أن يسلط الضوء على الخطوات التالية التي تستطيع القيام بها.

 

ثلاثة أسئلة مهمة عن التحدث إلى النفس

السؤال الأول: هل يجب أن يكون التحدث إلى النفس مدعاة للقلق؟

قد يتساءل البعض عما إذا كان التحدث إلى النفس بشكل متكرر يشير إلى وجود مرض عقلي. إذا كان الحوار مع الذات يأتي بكامل وعي الشخص فلا مخاوف من وجود مرض يتعلق بالصحة العقلية. في المقابل، إذا كان الحوار مترافقا مع هلوسات أو سماع أصوات، فإنه من الأفضل طلب الرعاية الصحية لاستكشاف الأسباب الخفية المحتملة لهذه الأعراض.

يمكن للمعالج أن يقدم لك الدعم اللازم إذا:

  1. كنت تريد هجر عادة التحدث إلى النفس ولكن لا تقدر على ذلك لوحدك.
  2. كنت تشعر بالضيق وعدم الارتياح من عادة الدردشة مع النفس.
  3. لاحظت أنك تتحدث مع نفسك مرارا وتكرارا.
  4. عانيت من وصمة العار لأنك تتحدث إلى نفسك.

السؤال الثاني: هل من المقبول التحدث إلى النفس بصوت عالٍ؟

لا توجد قاعدة تنص على أن الحوار الداخلي الخاص بك يجب أن يبقى حبيس الرأس، فالتحدث إلى الذات بصوت عال أمر طبيعي تماما شرط احترام حرية الآخرين، إذ ليس معقولا التحدث بصوت عال خلال مناسبة ما أو اجتماع ما أو في مصعد مزدحم ... إلخ. يجب اختيار اللحظة المناسبة للتحدث مع الذات بصوت عال.

 

السؤال الثالث: هل يجب أن أحاول التحدث إلى الذات؟

إذا كنت مرتاحا من تخصيص بعض الوقت لاجراء دردشة ذاتية فلا مانع من المحاولة في كل مرة تكون فيها الفرصة سانحة، فقليل من الوقت للتفاعل مع الذات قد يحمل معه ما لا تتوقعه على صعيد الصحة العقلية والنفسية.

مسك الختام

إذا كنت واحدا من بين أولئك الذين يقومون بدردشة ذاتية مع أنفسهم، بصوت أو بدون صوت، فإنه عليك أن لا تقلق لأنه تصرف طبيعي وصحي للغاية ويحمل لك باقة من الفوائد، اللهم إلا إذا كان التحدث إلى نفسك يزعجك ويسبب لك إحباطا ومعاناة، أو كنت تعاني من أعراض أخرى مرافقة، أو كنت تتحدث بصوت مرتفع في مكان يجب أن يكون الصمت هو سيد الموقف، فوقتها يمكن القول إن هناك مشكلة لا بد من مقاربتها مع مقدمي الرعاية الصحية لكشف ملابساتها وإيجاد الاستراتيجية المناسبة لتدبيرها بالتي هي أحسن.

 

المصادر

Why Do I Talk To Myself? Causes and When to Worry - Healthline

Talking to Yourself: Is It Normal? - Cleveland Clinic's Health Essentials

Why Do I Talk to Myself? Causes and Benefits - Verywell Mind

Is talking to yourself normal? What it means for mental health

آخر تعديل بتاريخ
07 سبتمبر 2022

قصص مصورة

Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.