اليقظة الذهنية أو الوعي الذهني (Mindfulness) هي القدرة على الحضور الكامل والوعي بمكان وجودنا والإحساس الكامل والعميق بما نفعله دون المبالغة في ردود الفعل أو الانفعال بما يدور حولنا، والوعي الذهني يمتلكه كل إنسان، وليس شيئاً يجب استحضاره، بل عليك فقط تعلم كيفية الوصول إليه. في مقالنا هذا سنتعرف ما اليقظة الذهنية وكيفية ممارستها والاستفادة منها لتقليل القلق والتوتر والحصول على الراحة والاسترخاء.
ما معنى اليقظة الذهنية ؟
اليقظة الذهنية هي نوع من التأمل، وتعني أن العقل منتبه تماماً لما يحدث من حوله وللمساحة التي تتحرك فيها، وتتضمن ممارسة الوعي اليقظ أساليب التنفس، والتخيل الموجَّه، وممارسات أخرى تريح الجسد والعقل وتساعد على تخفيف التوتر، لأن قضاء وقت طويل في التخطيط وحل المشكلات وأحلام اليقظة أو انشغال الذهن في أفكار سلبية أو عشوائية قد يكون مرهِقاً، كما أنه يزيد من احتمالية تعرّضك للتوتر والقلق وأعراض الاكتئاب. تساعد ممارسة تمارين اليقظة على صرف انتباهك عن هذا النوع من التفكير، وعلى التفاعل مع العالم حولك.
فوائد اليقظة الذهنية
تُستخدم اليقظة الذهنية بكثرة في التأمل وبعض أنواع العلاج النفسي، وتشمل فوائدها خفض مستويات التوتر والإحباط والحزن، وتحسين الأداء، والحد من التفكير السلبي، والحماية من الاكتئاب والقلق وتزيد من اهتمامنا برفاهية الآخرين. تشير الأبحاث أيضاً إلى أن الوعي الذهني يساعد الناس على التعامل بشكل أفضل مع الرفض والعزلة الاجتماعية، وقد بلّغ الأشخاص الذين يمارسون الوعي الذهني عن مستويات عالية من السعادة والصبر والقبول والتعاطف.
كيف تعمل اليقظة الذهنية؟
لا يقتصر مفعول التأمل الذهني على تغيير عقليتنا ومنظورنا فقط، بل يمكنه أيضاً تغيير شكل أدمغتنا، وقد وجدت دراسات أن تأمل اليقظة يغير أيضاً أدمغتنا ويعيد توجيهها نحو أفكار ومشاعر أكثر إيجابية، ويتيح لنا التأملُ الانتقال من موجات الدماغ العالية التردد إلى ترددات أقل، مما ينشط مناطق معينة في الدماغ، فعلى سبيل المثال؛ يمكنه تقليل الروابط العصبية مع القشرة الجبهية الأمامية أو مركز "الأنا"، مما يقلل من مشاعر الخوف والتوتر والقلق، وفي المقابل؛ يمكن للتأمل أيضاً بناء مسارات جديدة إلى أجزاء الدماغ المسؤولة عن التركيز واتخاذ القرارات.
ويمكن لتأمل اليقظة أيضاً تغيير شكل الدماغ، وهي عملية تعرف باسم اللدونة العصبية، وتظهر الأبحاث أن المادة الرمادية وهي منطقة الدماغ المسؤولة عن تنظيم المشاعر والتخطيط وحل المشكلات، وكذلك سُمك القشرة الدماغية المسؤولة عن التعلم والذاكرة، تزداد مع ممارسة التأمل بانتظام. وفي المقابل يتقلص حجم منطقة اللوزة الدماغية المسؤولة عن الشعور بالقلق والتوتر والخوف.
أنواع اليقظة الذهنية
مع أن اليقظة الذهنية فطرية، فإنه يمكن تنميتها من خلال تقنيات مجرَّبة، وإليك بعض الأمثلة:
- التأمل أثناء الجلوس والمشي والوقوف والحركة (ويمكن أيضاً أثناء الاستلقاء).
- فترات توقف قصيرة نضفيها إلى حياتنا اليومية.
- دمج ممارسة التأمل مع أنشطة أخرى مثل اليوغا أو الرياضة.
ما مبادئ اليقظة الذهنية؟
نقدّم لك هنا تفاصيل تمارين تأمل اليقظة والوعي الذهني وأهم المبادئ والأساسيات لتنفيذ هذه التمارين والاستفادة منها:
- اجلس على كرسي مستقيم الظهر أو متربعاً على الأرض.
- ركّز على جانب من جوانب تنفسك مثل الإحساس بتدفق الهواء إلى الأنف وخروجه من الفم أو ارتفاع البطن وهبوطه أثناء الشهيق والزفير.
- بعد أن تضيّق نطاق تركيزك بهذه الطريقة، ابدأ بتوسيعه وكن واعياً للأحاسيس والأصوات وأفكارك.
- احتضن كل فكرة أو إحساس وتأمل فيه دون الحكم عليه بالخير أو الشر، وإذا بدأ عقلك بالتسارع فأعد تركيزك على تنفسك ثم وسع نطاق وعيك مرة أخرى.
كيف أمارس اليقظة الذهنية؟
هناك العديد من الطرق البسيطة لممارسة الوعي الذهني والتي يمكن تنفيذها بسهولة خلال حياتك اليومية ولا تتطلب الكثير من الجهد. تتضمن هذه التمارين ما يلي:
- الانتباه: حاول أن تختبر بيئتك بكل حواسك، اللمس والصوت والبصر والشم والتذوق، فعلى سبيل المثال؛ عندما تتناول طعامك المفضل خصص وقتاً لشمه وتذوقه والاستمتاع به بشكل عميق.
- عش اللحظة: حاول أن تولي كل ما تفعله انتباهاً منفتحاً ومتقبلاً وواعياً، وابحث عن المتعة في الملذات واللحظات البسيطة.
- تقبل نفسك: عامِل نفسك كما تعامل صديقاً عزيزاً.
- ركّز على تنفسك: عندما تراودك أفكار سلبية حاول الجلوس، خذ نفساً عميقاً وأغمض عينيك وركّز على تنفسك وهو يدخل ويخرج من جسمك، فالجلوس والتنفس لو لدقيقة واحدة قد يساعدك.
تمارين وعي ذهني أكثر تنظيماً
يمكنك تجربة تمارين وعي ذهني أكثر تنظيماً وتركيزاً والتي يمكن توضيحها على النحو الآتي:
- تأمل مسح الجسم: استلق على ظهرك مع مد ساقيك وذراعيك على جانبيك وراحتي يديك متجهتين لأعلى، وركّز انتباهك ببطء ووعي على كل جزء من جسمك بالترتيب من أصابع القدم إلى الرأس، أو من الرأس إلى أصابع القدم، وانتبه لأي أحاسيس أو مشاعر أو أفكار مرتبطة بكل جزء من جسمك.
- تأمل الجلوس: اجلس بشكل مريح مع استقامة ظهرك وقدمين مسطحتين على الأرض ويديك في حضنك، وتنفس من أنفك وركّز على حركة أنفاسك داخل وخارج جسمك.
- تأمل المشي: ابحث عن مكان هادئ بطول 10 إلى 20 قدماً وابدأ المشي ببطء وركّز على تجربة المشي مع إدراك أحاسيس الوقوف والحركات الدقيقة التي تحافظ على توازنك، وعندما تصل إلى نهاية مسارك استدر وواصل المشي مع الحفاظ على الوعي بأحاسيسك.
متى وكم مرة يجب ممارسة تمارين اليقظة الذهنية ؟
يعتمد ذلك على نوع تمارين الوعي الذهني التي تخطط لممارستها، ويمكن ممارسة التمارين البسيطة في أي مكان وزمان، وتشير الأبحاث إلى أن المشاركة والتركيز بجميع حواسك في الهواء الطلق قد يكون مفيداً، أما تمارين اليقظة الأكثر تنظيماً مثل تأمل مسح الجسم أو تأمل الجلوس، فستحتاج إلى تخصيص وقت يمكنك فيه التواجد في مكان هادئ دون أي تشتيت أو مقاطعة، ويمكنك ممارسة هذه التمارين في الصباح الباكر قبل بدء برنامجك اليومي.
ضع هدفاً أمامك لممارسة اليقظة الذهنية يومياً لمدة ستة أشهر تقريباً، ومع مرور الوقت قد تجد أن اليقظة الذهنية أصبحت سهلة، واعتبرها التزاماً بإعادة التواصل مع نفسك ورعايتها.
الأسئلة الشائعة
هل اليقظة الذهنية فعالة؟
تشير الدراسات إلى أن اليقظة الذهنية قد تساعد في تقليل القلق والاكتئاب والألم، وبدرجة أقل يمكنها تخفيف التوتر وتحسين جودة الحياة.
هل اليقظة الذهنية تساعدني على التخلص من العادات السيئة؟
يمكن لليقظة الذهنية أن تساعد الناس على التخلص من بعض العادات السيئة كالتدخين أو الإفراط في تناول الطعام، لذا فإن إدراك السلوك وما ينتج عنه من عواقب يساعد على استبداله بسلوك صحي.
هل تحسّن اليقظة الذهنية العلاقات؟
تشير الأبحاث إلى أن المستويات العالية من الوعي الذهني تنبئ بعلاقات أكثر سعادة ورضى، ومن الصعب تحديد ما إذا كان الوعي الذهني يسبب هذه التحسينات بشكل مباشر، ولكنه قد يفيد في تحسين بعض مهارات العلاقات الأساسية مثل: الحضور والانتباه وتنظيم المشاعر والوعي بالذات وتنمية التعاطف والرحمة.
نصيحة من موقع صحتك
قد يبدو البدء بممارسة اليقظة الذهنية أمراً صعباً في بعض الأحيان، لكنه أمر فطري موجود لدينا بشكل طبيعي، إنما علينا التدرب على تطويره واستخدامه، فتذكّر أن بضع دقائق من يومك قد تكون مفيدة جداً لصحتك العقلية والنفسية، فبضع دقائق من الحضور الذهني والتأمل والتفريغ العقلي قد يعود عليك بفوائد جمّة حتى لو لم تمارسها يومياً، فهي سلوك يمكنك ممارسته كلما احتجت إليه.