صحــــتك

ما تأثير الوجبات السريعة على الصحة النفسية؟ 

الصورة
حمدي المهدي
تدقيق طبي

هل فكرت يومًا بتأثير الوجبات السريعة على الصحة النفسية وما الرابط بينهما؟ وهل يكون التأثير بصورة مباشرة أم يكون ناتجًا عن تأثير الوجبات السريعة على الصحة الجسدية والتي بدورها تؤثر سلبًا على صحتنا النفسية؟ تعرف على الإجابة معنا.

منشأ الأمراض النفسية

تنشأ المشاكل النفسية بما في ذلك الاكتئاب والتوتر والقلق، بالتزامن مع بعض الأمراض غير المعدية، بما في ذلك أمراض القلب والأوعية الدموية والسكتة الدماغية والسرطان، وكل هذه المشاكل الصحية العقلية لها آثار سلبية على الحالة الصحية ونوعية الحياة والقدرة على العمل.

ويُعتقد أن العوامل الوراثية والوضع الاجتماعي والاقتصادي وعادات ممارسة الرياضة والنظام الغذائي والحالة الغذائية هي عوامل رئيسية تساهم في تطور المشاكل العاطفية أو السلوكية. حظيت العلاقة بين النظام الغذائي والصحة العقلية باهتمام متزايد في السنوات الأخيرة، وتشير الأبحاث إلى أن الخيارات الغذائية يمكن أن تؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية.

ومن بين الأنماط الغذائية المختلفة، ارتبط استهلاك الوجبات السريعة بنتائج سلبية على الصحة العقلية، بما في ذلك ارتفاع معدلات الاكتئاب والقلق وضعف الإدراك. الوجبات السريعة، التي تتميز بمستويات عالية من الدهون المشبعة والسكريات المكررة والمحتوى الغذائي المنخفض، غالبًا ما تكون مريحة وبأسعار معقولة، مما يؤدي إلى شعبيتها في جميع أنحاء العالم.

ومع ذلك، فإن الآثار الصحية لاستهلاك الوجبات السريعة المنتظمة تمتد إلى ما هو أبعد من الصحة البدنية، إذ تؤثر على الحالات العاطفية والعقلية أيضًا. تستكشف هذه المقالة كيف تؤثر الوجبات السريعة على الصحة العقلية، والآليات الفسيولوجية وراء هذه التأثيرات، والاستراتيجيات لتعزيز العادات الغذائية الصحية لتحسين الصحة العقلية.

ما هي الوجبات السريعة ؟

الوجبات السريعة أو Fast food أصبحت من أكثر المصطلحات تداولاً بين الناس، خاصة فئة الشباب والمراهقين، وهو مصطلح يطلق على الوجبات الغذائية التي تحضّر بسرعة، وهذا هو أصل الاسم، لكن في الوقت الحالي أصبحت الوجبات السريعة تشير إلى الوجبات الجاهزة التي تباع في المحلات التجارية والمطاعم، والتي تتميز بسرعة تحضيرها وتغليفها وإمكانية تناولها بالمطعم أو خارجه، وكذلك إمكانية الحصول عليها في أي مكان آخر بطلبها مسبقًا، ومن الأمثلة على ذلك البرغر والبطاطس المقلية والبيتزا والشاورما والمشروبات الغازية والسكرية.

ما هي مكونات الوجبات السريعة؟

تحتوي الوجبات السريعة على الكثير من الإضافات التي تضفي عليها نكهة خاصة، وقد يكون لبعض هذه الإضافات مخاطر صحية نذكر منها:

  • الدهون: تحتوي بعض الأطعمة السريعة مثل اللحوم الحمراء والجبن على دهون مشبعة طبيعية، كما يتم إضافة الدهون المهدرجة إليها، والتي تزيد من تراكم الكوليسترول على جدران الأوعية الدموية، مما يزيد احتمالية الإصابة بتصلب الشرايين.
  • ملح الطعام: يستخدم ملح الطعام كمادة حافظة تعمل على إطالة العمر الافتراضي للمنتجات، كما يستخدم لتحسين النكهة، ويمكن أن تحتوي وجبة واحدة من الوجبات السريعة على أكثر من نصف الكمية اليومية الموصى بها من الصوديوم، مما يؤدي إلى الإصابة بارتفاع الضغط، وأمراض الكلى.
  • السكر: تحتوي معظم الوجبات السريعة على نسب عالية من السكر، على سبيل المثال المشروبات الغازية، والعصائر الصناعية، كما أنه يضاف إلى التتبيلات، والصلصات، والمايونيز، والعجائن. يسبب استهلاك الكثير من السكر العديد من الأمراض كالسكري، والسمنة، والقلب، والاكتئاب.
  • غلوتامات أحادي الصوديوم: تستخدم غلوتامات أحادي الصوديوم كمحسن للنكهة في العديد من الوجبات السريعة، وتسبب غلوتامات أحادي الصوديوم السمنة، وتلف الكبد، وتقلبات السكر في الدم.
  • مواد كيميائية مضافة: تضاف المواد الكيميائية للمنتجات والوجبات السريعة لتحسين المذاق وإطالة مدة الصلاحية. على سبيل المثال، يضاف البروبيلين غليكول إلى المنتجات المستخدمة في الأطعمة السريعة للمحافظة عليها رطبة، ومنعها من الالتصاق أو الجفاف، كما تضاف نترات الصوديوم إلى منتجات اللحوم بهدف جعلها طازجة لفترة أطول وتعزيز اللون، مما يزيد من جاذبية هذه الأطعمة. تضاف كبريتات الأمونيوم إلى المعجنات المحفوظة الجاهزة للطبخ، إذ تحافظ كبريتات الأمونيوم على جعلها هشة.

تأثير الوجبات السريعة على الصحة النفسية

هناك عدة عوامل تربط بين الوجبات السريعة والصحة النفسية، وقد يكون لتناول الوجبات السريعة تأثير سلبي على الصحة النفسية في بعض الحالات، وهذه بعض التأثيرات:

1- التأثير على الصحة العقلية

توصلت دراسة حديثة صادرة عن جامعة ألاباما برمنغهام الأمريكية، ونشرت في المجلة العلمية المتخصصة "سيكولوجيكل ريبورت" إلى أن استهلاك المراهقين (متوسط أعمارهم 13) للوجبات السريعة بشكل متكرر يرفع من خطر إصابتهم بالاكتئاب، كما أشارت نتائج الدراسة إلى وجود مستويات مرتفعة من الصوديوم ومستويات منخفضة من البوتاسيوم لدى مجموعة المراهقين الذين أجريت عليهم الدراسة.

كما أظهرت دراسة حديثة أجراها باحثون إيرانيون في جامعة طهران للعلوم الطبية، أن تناول الوجبات السريعة، والأطعمة الفائقة المعالجة بانتظام، التي تشمل الوجبات الجاهزة، والحبوب السكرية، والمشروبات الغازية التي غالباً ما تكون عالية في الدهون والملح والسكر ومنخفضة في الفيتامينات والألياف، يزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بالاكتئاب بنسبة 15% والقلق بنسبة 16%، لتسببها بالتهابات في الدماغ الذي يؤدي بدوره إلى مشكلات في الصحة العقلية.

حلل باحثون بيانات تجارب ودراسات سريرية من جميع أنحاء العالم، شملت 160 ألف رجل وامرأة، بحثوا خلالها عن الروابط بين المرض العقلي وسوء التغذية، وخلصت النتائج إلى أن تناول كميات كبيرة من الوجبات المنخفضة المغذيات يزيد من خطر الإصابة بالقلق أيضاً بنسبة 16%، فضلاً عن تسببها بالتهاب الدماغ، مما يؤدي إلى مشاكل في الصحة العقلية.

وكانت دراسة سابقة نشرتها المجلة العلمية المتخصصة "Molecular Psychiatry" توصلت إلى أن اتباع ما يُطلق عليها حمية حوض البحر المتوسط يمكن أن يساعد على محاربة الاكتئاب، فقد لاحظ الخبراء أن تأثير هذه الحمية إيجابي جداً على المزاج، فهي تتكون من الفواكه والخضراوات والحبوب والمكسرات وزيت الزيتون والسمك.

2- تأثير أوجه القصور التغذوية على الصحة العقلية

غالبًا ما تفتقر أنظمة الوجبات السريعة إلى العناصر الغذائية الأساسية، بما في ذلك أحماض أوميغا 3 الدهنية والفيتامينات ب ومضادات الأكسدة، والتي تلعب أدوارًا حاسمة في صحة الدماغ والاستقرار العاطفي. تعتبر أحماض أوميغا 3 الدهنية، الموجودة في الأسماك الدهنية، ضرورية لوظائف المخ، ولها خصائص مضادة للالتهابات تحمي من اضطرابات الصحة العقلية. وقد ارتبط نقص أحماض أوميجا 3 بمستويات أعلى من الاكتئاب والتدهور المعرفي.

وبالمثل، تعتبر الفيتامينات ب، مثل حمض الفوليك والفيتامين ب12، ضرورية لإنتاج النواقل العصبية مثل السيروتونين والدوبامين، والتي تنظم الحالة المزاجية والعواطف. يمكن أن يؤدي نقص هذه الفيتامينات إلى إضعاف وظيفة النواقل العصبية، مما يؤدي إلى اضطرابات المزاج.

وتساعد مضادات الأكسدة الموجودة في الفواكه والخضراوات على تقليل الإجهاد التأكسدي في المخ، وحمايته من التلف. ومع ذلك، فإن الوجبات السريعة عادة ما تكون منخفضة في هذه العناصر الغذائية، مما يزيد من خطر الإصابة بمشاكل الصحة العقلية.

قارنت دراسة أجريت عام 2021 بيانات 322 رجلاً و322 امرأة تبلغ أعمارهم 30 عاما أو أكثر، ووجدت ارتباطًا بين الأطعمة الصحية مثل الخضراوات الورقية والمكسرات والأسماك والمزاج الإيجابي، بينما كان العكس صحيحًا بالنسبة للوجبات السريعة. بالإضافة إلى ذلك، أفادت النساء بارتباطات سلبية أكثر بكثير بالوجبات السريعة مقارنة بالرجال.

3- دور الالتهاب في العلاقة بين النظام الغذائي والصحة العقلية

ثبت أن الالتهاب المزمن متورط في العديد من حالات الصحة العقلية، بما في ذلك الاكتئاب والقلق. تعمل الوجبات السريعة، التي تحتوي على نسبة عالية من الدهون المتحولة والسكريات المكررة والكربوهيدرات المصنعة، على تعزيز الالتهاب في جميع أنحاء الجسم، بما في ذلك الدماغ.

وتشير الدراسات إلى أن النظام الغذائي المؤيد للالتهابات يمكن أن يزيد من خطر الاكتئاب واضطرابات المزاج الأخرى عن طريق تعطيل وظائف المخ وزيادة هرمونات التوتر.

كما تعمل الوجبات السريعة على تحفيز إطلاق السيتوكينات، وهي بروتينات تشكل جزءًا من الاستجابة المناعية. وقد ارتبطت السيتوكينات الزائدة بالتغيرات في إنتاج ونشاط النواقل العصبية، والتي يمكن أن تؤثر على تنظيم الحالة المزاجية. من خلال تعزيز حالة التهابية مستمرة، يمكن أن يساهم استهلاك الوجبات السريعة في ظهور أو تفاقم مشاكل الصحة العقلية.

4- الوجبات السريعة ومستويات السكر في الدم واستقرار الحالة المزاجية

تحتوي الوجبات السريعة على نسبة عالية من الكربوهيدرات المكررة والسكريات المضافة، مما يؤدي إلى ارتفاعات وانخفاضات سريعة في مستويات السكر في الدم. ويمكن أن يؤثر هذا التقلب سلبًا على الحالة المزاجية ومستويات الطاقة والوظائف الإدراكية.

فعندما ينخفض ​​مستوى السكر في الدم، يفرز الجسم هرمونات التوتر مثل الكورتيزول، والتي يمكن أن تؤدي إلى تفاقم مشاعر القلق والانفعال.

بمرور الوقت، يمكن أن تؤدي الارتفاعات المتكررة في نسبة السكر في الدم بسبب تناول الوجبات السريعة بشكل متكرر إلى مقاومة الإنسولين ومتلازمة التمثيل الغذائي، وكلاهما مرتبط بارتفاع خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق. ومن خلال تعطيل تنظيم نسبة السكر في الدم في الجسم، قد تساهم أنظمة الوجبات السريعة في عدم استقرار الحالة المزاجية وزيادة قابلية الإصابة باضطرابات الصحة العقلية.

5- التأثير النفسي لثقافة الوجبات السريعة

إن التأثيرات النفسية لأسلوب الحياة الذي يعتمد على الوجبات السريعة تمتد إلى ما هو أبعد من التغذية، فثقافة الوجبات السريعة، التي تتميز بالراحة والإشباع الفوري، يمكن أن تساهم في التوتر، وضعف ضبط النفس، والسلوك الاندفاعي. إن عادة اللجوء إلى الوجبات السريعة استجابة للضائقة العاطفية، والمعروفة أيضا باسم "الأكل العاطفي"، يمكن أن تؤدي إلى حلقة مفرغة من ضعف الصحة العقلية والاعتماد على الأطعمة غير الصحية كآلية للتكيف.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الطبيعة السريعة والسهلة للوجبات السريعة يمكن أن تنتقص من تجربة الأكل الواعي، والتي ثبت أنها تعمل على تحسين الصحة العقلية من خلال تعزيز الوعي بإشارات الجوع والشبع والحد من الإفراط في الأكل. من خلال الاعتماد على الوجبات السريعة، قد يفوّت الأفراد الفرصة للمشاركة في ممارسات الأكل الواعي التي تعزز العلاقة الصحية مع الطعام والصحة العقلية.

استراتيجيات الحد من تناول الوجبات السريعة لتحسين الصحة العقلية

إن الحد من تناول الوجبات السريعة واتباع نظام غذائي متوازن من الخطوات الأساسية لدعم الصحة العقلية، وتشمل الاستراتيجيات الرامية إلى تعزيز تناول الطعام الصحي ما يلي:

  • إعداد الوجبات: يمكن أن يؤدي التخطيط للوجبات وإعدادها مسبقًا إلى تقليل إغراء الاعتماد على الوجبات السريعة للراحة.
  • تناول الطعام بوعي: تساعد ممارسة تناول الطعام بوعي الأفراد على تطوير علاقة أكثر صحة مع الطعام، مما يجعلهم أكثر وعيًا بخياراتهم الغذائية.
  • دمج الأطعمة الكاملة: يدعم النظام الغذائي الغني بالحبوب الكاملة والبروتينات الخالية من الدهون والفواكه والخضراوات والدهون الصحية الصحة العقلية، ويوفر العناصر الغذائية اللازمة لصحة الدماغ.
  • التوعية للمخاطر: يجب على الأهل توعية الأطفال والمراهقين وتحذيرهم من مخاطر هذه الوجبات التي من الممكن أن تضر بصحتهم.
  • ممارسة الرياضة: إن ممارسة الرياضة تساعد على إفراز هرمون "الإندروفين"، والذي بدوره يحد من الرغبة الشديدة لتناول الحلويات وهذه الوجبات.
  • طلب الدعم: يمكن أن توفر استشارة خبراء التغذية أو المتخصصين في الصحة العقلية استراتيجيات شخصية لتحسين النظام الغذائي والصحة العقلية.

كلمة من موقع صحتك

إن الارتباط بين الوجبات السريعة والصحة العقلية مدعوم بشكل متزايد بالأدلة العلمية، مما يسلط الضوء على الحاجة إلى الوعي حول الخيارات الغذائية وتأثيرها على الصحة النفسية. تساهم أنظمة الوجبات السريعة، التي غالبًا ما تكون عالية الدهون غير الصحية والسكريات وتفتقر إلى العناصر الغذائية الأساسية، في الالتهاب وعدم استقرار نسبة السكر في الدم، ونقص التغذية الذي يمكن أن يؤدي إلى تفاقم مشاكل الصحة العقلية مثل الاكتئاب والقلق.

من خلال فهم المخاطر المرتبطة باستهلاك الوجبات السريعة وتبني ممارسات غذائية أكثر صحة، يمكن للأفراد اتخاذ خيارات مستنيرة تدعم الصحة البدنية والعقلية. ومع تزايد وعي المجتمع بالفوائد الصحية العقلية للأكل المغذي، فإن تقليل استهلاك الوجبات السريعة وتبني نظام غذائي متوازن سيلعب دورًا حاسمًا في تعزيز الصحة العامة.

آخر تعديل بتاريخ
20 فبراير 2025
يرجى تحديد خانة الاختيار "التعليق كضيف" إذا كنت تفضل عدم تقديم اسمك وبريدك الإلكتروني.
Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.