- لماذا نتناول الموضوع من منظور مدارس علم النفس؟
- حجم ظاهرة المثلية في مجتمعاتنا العربية
- مساحات اللبس والخلط
- تعريف الجنسية المثلية
- الحساسية النفسية كعامل رئيسي
* الجنسية المثلية من منظور المدارس النفسية المختلفة
ذكرنا أن الحساسية النفسية هي التربة الرئيسية التي تمهد لحدوث المثلية، إذا توافرت العوامل البيئية المساعدة، ولكل مدرسة من مدارس علم النفس رؤيتها في تفسير الظاهرة، ومن الضرورة بمكان فهم هذه الرؤى المختلفة بحيث تساعدنا كأفراد في فهم الظاهرة، ومن ثم تلافي مسبباتها، أو التقاط الإشارات التي تنذر بالخطورة.
- أولا: الجنسية المثلية من منظور المدرسة التحليلية (Psychoanalysis)
يرى فرويد أن الجنسية المثلية نوع من الارتكاس النفسي [Psychological inversion]، ويفرق بين ارتكاس الذات، وهو ما نسميه اليوم باضطراب الهوية الجنسية، حيث يرى الفرد نفسه منتمياً للجنس الآخر، وأن ميله لنفس الجنس هو ميل مبرر، وبين ارتكاس الموضوع، وفيه يرى الفرد نفسه منتمياً لنفس جنسه لكن يميل جنسيّاً أو عاطفياً إلى أفراد من نفس جنسه.
ويمكن النظر للجنسية المثلية في بُعد تحليلي تؤيده أغلب الحالات على أنها انفصال دفاعي ضد إساءة مبكّرة، وتختلف صورة الميول وطبيعة المشكلة بحسب نوع الإساءة ومصدرها. ويرى محررو منهج مانز - وهو منهج للدعم الذاتي كتبه مجهولون نجحوا في استعدال ميولهم الجنسية - أن الفرد ذي الميل الجنسي يميل إلى نفس جنسه لأنه انفصل عنهم نفسيّاً فأصبح يرى نفسه آخراً بالنسبة إليهم. وإذ يمكن تفسير الميل الجنسي على أنه توتر قائم على الرغبة في الآخر المغاير (ميل الرجل للمرأة، وميل المرأة للرجل)، ومن ثم فالشخص الذي انفصل عن جنسه يتوجه إلى أفراد جنسه على أنهم مغايرون.
هناك مرحلة حرجة في فترة النمو، وهي مرحلة من ثلاث لست سنوات تقريباً، وهي المرحلة المصطلح عليها بالمرحلة الأوديبية، والتي يتخذ فيها الطفل موقفاً تملّكيا تجاه الوالد من الجنس الآخر، وموقفاً تنافسيّاً تجاه الوالد من نفس الجنس، ولا يصعب ملاحظة مظاهر هذه المرحلة لدى الأطفال، ولكن في بعض الحالات، والتي ربما يكون السبب فيها عدم توافر الوالد لإشباع احتياج الطفل له، يختبر الطفل أوديباً سالباً، وتنعكس المواقف فيتنافس مع الأم على الأب، وقد تشفى هذه المرحلة أو يطويها الكبت، وتعبّر عن نفسها برد فعل عكسي في صورة رفض وغضب وكراهية تجاه الوالد، وهي بالتمام عكس ما يختبره الطفل في لاوعيه، نتيجة فشل الطفل في التوحّد بالوالد من نفس الجنس (الأب في حالة الولد) في هذه المرحلة، ويستمر بعدها.
ويختبر بعض الأطفال ما يُعرف بـ "طفل نافذة المطبخ kitchen window boy"، وتصوّر الطفل يقف بجوار والدته المتوحّد معها في المطبخ، وينظر من النافذة تجاه بقية الأطفال الذين يتوق للانضمام إليهم، ويشعر داخله برفض منهم أو لهم، وصدّق أو لا تصدّق أن كل هذه الصراعات تعتمل في نفس الطفل قبل أن يطويها أو يشوش عليها النسيان الطفولي Infantile Amnesia، وهذه المرحلة يصطلح عليها بعض المحللين بمرحلة الانجذاب الشعوري المثلي Homo-emotional phase، وهي مرحلة طبيعية تنتهي بمجرد أن يشبع فيها الطفل احتياجه للتوكيد من الذكور، والتوحّد بهم، وتتحوّل للانجذاب الشعوري الغيري Hetero-emotional phase، وهو ما لا يختبره طفل نافذة المطبخ، ويظل عالقاً في مرحلة الانجذاب الشعوري المثلي حتى دخول مرحلة البلوغ [أو التعرّض لإساءة جنسية] فتتجنسن المشاعر الأولى.
نأتي لنقطة أخرى وهي نمط الممارسة، والكثير ممن تعاملت معهم من ذوي الميول المثلية يتمثّل النمط الذي يميلون إليه إلى عكس صورتهم الذاتية المتدنية، فيميل الأسمر إلى الأبيض، والضعيف إلى القوي، وهكذا، ولا يمكن تفسير بعض الأنماط إلا في ضوء أنها منعكس الصورة الذاتية وفقط، بينما يميل الأفراد الذين اختبروا طفولة تنقصها الأبوة الفاعلة -الحزم الحاني- إلى الميل إلى أفراد من سن متقدمة، تمثل لهم الأب المفقود، فعلاً أو حالاً.
تختلف صورة الممارسة من مدى اقتراب الشخص من طرفي متصل الشخصية الماسوشي/السادي، أو الانطوائي/الانبساطي، وهما نوعان مختلفان لكن يتفقان في المخرج، الاختلاف في ردة فعل كل منهما على الإساءة وشعور النقص، فيميل أحدهما إلى استبطان شعور النقص، واعتماده فيكون تفضيله لممارسة النمط السلبي في العلاقة، بينما يميل الآخر إلى التنمر على هذا النقص، ويتصرف برد الفعل العكسي [Reaction formation]، وهو واضح لكل من تعامل مع هذا النمط.
- ثانيا: الجنسية المثلية في نظرية الاحتياجات (Needs Theory)
يجدر هنا الإشارة إلى نظرية اريك اريكسون عن ثماني احتياجات رئيسة يتم إشباعها على مدار العمر، وهي [الأمان/الأمل، والإرادة، والهدف/الغرض، والكفاءة، والولاء، والحب، والرعاية والحكمة]، ومراحل النمو النفسي للطفل من خلال إشباع احتياجات كل مرحلة، وهي على الترتيب:
- مرحلة الثقة الأساسية مقابل الشك [العام الأول]، ويتم إشباعها من خلال اهتمام ورعاية الوالدين والوالدة بشكل أساسي ويختبر فيها تحدي اعتبار العالم مكاناً آمناً من عدمه.
- تليها مرحلة الاستقلالية مقابل الاعتمادية، وتستمر حتى بداية العام الثالث، ويسعى فيها نحو الاستقلال عن الأم ككيان معتمد عليه، ويواجه فيها تحدي أنا أستطيع أو أعجز [والذي لا تباركه كثير من الأمهات فتتأصل الاعتمادية والخزي].
- تليها مرحلة المبادرة مقابل الخزي في مرحلة اللعب الطفولي، ثم الاجتهاد مقابل القصور في مرحلة الدراسة، والفردانية والاستقلال الذاتي في مرحلة المراهقة، والألفة مقابل العزلة في مرحلة الرشد.
- ثالثا: الجنسية المثلية من منظور مدرسة العلاقة مع الموضوع (Object relation)
هذه المدرسة مبنية على أن الإنسان يفهم نفسه والعالم من خلال العلاقات (العلاقة بالموضوع والمقصود بالموضوع هو الطرف الآخر في العلاقة)، وكما يقال فإننا ننكسر داخل علاقة، ونشفى من خلال أخرى، وحين تتحول العلاقات الرئيسية في حياة الإنسان إلى بيئة غير آمنة فإن النفس البشرية لا تجد نمطاً سويّاً تتشكل فيه وبه. الكثيرون مرّوا بالكثير من العلاقات المنهكة لاسيما ذوي الميول المثلية، علاقات تشوّه صورة الفرد عن النفس والعالم.
واحدة من صور هذه العلاقات، علاقة الأم المسيطرة التي ترفض في جزء من لاوعيها جنس ابنها، فتقوم بترويضه ليوافق النمط الذي تقبله هي عما ينبغي أن يكونه، والكثيرات منهن لا يدركن التشويه الذي تحدثه في نفس ابنها، وإنما ترى أنها تهذبه بدافع الحب، فحين تربي الأم ولدها لنفسها لا لنفسه، وحين توجهه لإشباع احتياجاتها هي لا احتياجاته هو، فبلا شك هذه علاقة مسيئة، حتى وإن كانت بلا قصد.
وحين لا يدعم الوالد ذكورة ابنه المترددة، وحين لا يحتوي ضعفه بفهمه أن بتوحّده به سيتشرّب منه، ويدفعه بعيداً عنه ظاناً منه أنه يجعل منه بذلك شيئاً أفضل، أو حين لا يتدخل للفصل بين الأم المسيطرة وابنها، أثناء محاولاتها المستمرة وغير الواعية في كثيرٍ من الأحيان للسيطرة عليه، ومحو تمرّده لنيل استقلاله عنها، فإنه لم يقم بدوره المنوط به مع ابنه.
كل ذلك يمكن فهمه في ضوء مدرسة العلاقة بالموضوع، والتي يمكنها أن تشرح المزيد بما يناسب كل حالة بعينها.
- رابعا: الجنسية المثلية من منظور المدرسة السلوكية
يمكن رؤية الميل المثلي في ضوء المدرسة السلوكية كنمط تعلّم خاصّة لدى من تعرّضوا لحادث تحرّش في الطفولة، فيتم الربط بين شعور اللذة والاحتواء والحب وبين الممارسة المثلية، مما يعمق في جانب آخر من شعور الخزي! وهنا تكمن خطورة التحرش على الاعتداء الصارخ، حيث يعمد المتحرش إلى تدليل الطفل لاستدراجه للفعل وضمان متابعته له، ولعل من المناسب هنا التنبيه على أن الأعم الأغلب من المتحرشين هم من دائرة الأسرة والمعارف.
كما يمكن رؤية دليل آخر على دور التعلم في الجنسية المثلية في نمط الانجذاب الذي يتخذه الميل المثلي بعد ذلك، والذي لا تخطؤه عين المحلل بشكل خاص حيث يرى بوضوح دور إساءة الطفولة في تعيين الموضوع محل الانجذاب.
- خامسا: دور التديّن المرضي في الجنسية المثلية
في منظور تحليلي يلعب التدين دور الأنا العليا في حياة الفرد، وبخاصة بعد استبطانه ليعمل تلقائياً في اللاوعي، أي أن الدين كما قدم لنا يصبح هو المكون الرئيسي للأنا العليا، وتناول هذا العامل هنا شائك جداً، ولذلك أنا أكتب سطراً وأحذفه مهتدياً بمن وضعوا ثقتهم لدي من المسلمين والمسيحيين الذين اختبروا ميولاً مثلية، لأستخلص النمط الذي يمكن تعميمه للحديث هنا عنه!
التوجه الجنسي الغيري الذكوري يتركّب من عاملين: قدر من السادية به يجد لذةً في إحداث ألم، وآخر من الشهوة يتغلّب على قوى الاشمئزاز والنفور الحاصلة بتلاقي النوعين، مع موضوع تتوجه إليه هذه الطاقة الليبدية (الغريزية). وكلا العاملين يعمل التدين المرضي على كبتهما بسلطة متضخمة للأنا العليا. وما نفقده هنا هو التوازن، فكل تطرّف مرفوض!
أصل هنا إلى نهاية هذا الجزء التأصيلي لتناول قضية الجنسية المثلية، وقد تناولت فيها النقاط الرئيسة، ولم أتطرق لبعض النقاط الفرعية كدور الميديا والتعليم، لأنه يكاد أن يكون غير ذي أهمية في مجتمعاتنا العربية، ويلي هذه المقالة إن شاء الله الجزء العملي للتعامل معها.
اقرأ أيضا:
علاقتي مع صديقتي علاقة اعتمادية
أريد علاجاً للتخلص من ميلي إلى الرجال
أشعر أنني مختلفة عن البنات.. هل أنا مثلية؟
هل أنا مثلي؟
ميول جنسية تجاه صديقي
اضطراب الهوية الجنسية.. والعلاج الهرموني غير مجدٍ