الانفصال عن الواقع عندما تشعر أنك غريب عن جسدك وعقلك

ما هو اضطراب تبدد الشخصية والانفصال عن الواقع ؟

يمرّ كثير من الأشخاص بتجربة تبدد الشخصية أو الانفصال عن الواقع في مرحلة زمنيةٍ معينة، ولكن حين يأتي هذا الشعور مرارًا وتكرارًا، أو حين لا يختفي بالكامل، تعدّ الحالة اضطراب تبدد الشخصية والانفصال عن الواقع، ويَحدث هذا الاضطراب بصورةٍ أكثر شيوعًا لدى الأشخاص الذين مروا بصدماتٍ قوية في حياتهم.

يؤثّر تبدد الشخصية على قدرتك وإدراك أفكارك ومشاعرك وجسدك على أنها ملكك، وقد تشعر وكأنك تشاهد نفسك تلعب دوراً في فيلم بدلاً من أن تعيش حياتك. على سبيل المثال، إذا كنت تتسوق من البقالة، فقد تشعر وكأنك تشاهد شخصًا آخر يدفع عربة التسوق الخاصة بك، وأنه يختار الطعام من على الرفوف، ويمر عبر طابور الدفع بدلاً عنك.

ويؤثّر الانفصال عن الواقع على قدرتك على رؤية محيطك بدقة، وقد لا تبدو الأشياء حقيقية، أو قد تشعر وكأنك تنظر من خلال نافذة غائمة أو بالأبيض والأسود بدلاً من الألوان الكاملة، وقد تبدو الأشياء مشوَّهة في الشكل أو الحجم، أو قد تشعر وكأنها تتغير أثناء النظر إليها.
وقد يكون اضطراب تبدد الشخصية والانفصال عن الواقع حادًا، وقد يشوّش على العلاقات والعمل وغير ذلك من الأنشطة اليومية، ويُصنّف الأطباء النفسيون اضطراب تبدد الشخصية وانفصال الواقع كاضطراب انفصامي في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-V). وتندرج هذه الحالة أيضًا ضمن فئة اضطراب الهوية الانفصامية وفقدان الذاكرة الانفصامي، والعلاج الرئيسي هو العلاج النفسي، وقد يتم استخدام الأدوية أيضًا. وفي هذا الملف، سنقترب أكثر من هذا الاضطراب لنتعرف عليه.

أعراض الانفصال عن الواقع  

من أهم أعراض الانفصال عن الواقع وجود مشكلات الأداء في العمل أو المدرسة أو في نواحٍ أخرى هامّةٍ من الحياة. وأثناء هذه النوبات، يكون الشخص المصاب مدرِكًا أن الانفصال عن الواقع مجرد شعورٍ وليس حقيقة، مما يزيد من قلقه وتوتره، ومن الأعراض الأخرى:

أولاً: أعراض الانفصال عن الواقع

1. الشعور بالنفور ممّا يحيط به أو عدم الألفة تجاهه، وكأن الشخص يعيش في فيلمٍ سينمائي.
2. الإحساس بالانفصال العاطفي عن الأشخاص الذين يهتم الشخص بهم، وكأن جدارًا زجاجيًا يفصله عنهم.
3. الشعور بأن المجال المحيط مشوّش أو غامضٌ أو عديم اللون أو ثنائي الأبعاد أو اصطناعيّ، أو أن هناك زيادة الوعي بالمحيط ووضوحه.
4. الاختلال في إدراك الوقت، مثل الشعور بأنّ الأحداث القريبة تعود إلى الماضي البعيد.
5. الاختلال في إدراك بُعد الأشياء وحجمها وشكلها.

ثانياً: أعراض تبدد الشخصية

1. الشعور بأن الشخص مراقِبٌ خارجيٌ لأفكاره أو مشاعره أو جسده أو أجزاء من جسده، وكأن الشخص عائمٌ في الهواء فوق نفسه.
2. أن يشعر الشخص وكأنه روبوتٌ، أو كأنه لا يملك السيطرة على حديثه أو حركاته.
3. أن يشعر الشخص بأنّ جسده أو ساقيه أو ذراعيه تبدوان مضطربتين، أو بهما تضخم أو تقلص، أو أن رأسه ملفوفٌ بالقطن.
4. الخدر العاطفي أو الجسدي لحواسه أو استجاباته للعالم المحيط.
5. الشعور أنّ ذكرياته تفتقد إلى العاطفة، وأنها قد تشكل أو لا تشكل جزءًا من ذاكرته.

يمكن أن تدوم نوبات اضطراب تبدد الشخصية والانفصال عن الواقع ساعاتٍ أو أيامًا أو أسابيع أو حتّى أشهرًا في كلّ مرة. ولدى بعض الأشخاص، تتحول هذه النوبات إلى شعورٍ مستمرٍّ، وهذا الشعور قد يتحسن أو يتفاقم بصفة دورية، وللتأكد من التشخيص من المهم التأكد من أن مشاعر تبدد الشخصية والانفصال عن الواقع ليست نتاجاً مباشراً لتعاطي المخدرات أو شرب الكحوليات أو بسبب اضطرابٍ في الصحة العقلية أو نتيجة لحالةٍ طبية.

أسباب الانفصال عن الواقع

لم يتم التعرف بشكل دقيق على أسباب تبدد الواقع، ولكنه غالباً ما يرتبط بضغوط نفسية أو صدمة نفسية شديدة، ومن الأسباب المحتملة:

1. صدمة في الطفولة، مثل الأذى اللفظي أو العاطفي أو المعاناة من العنف الأسري.
2. النشوء في ظلّ أسرةٍ أحد الوالدين فيها مريضٌ عقليًا.
3. الحوادث أو الكوارث الطبيعية.
4. خطر يهدد الحياة.
5. الانتحار أو الموت المفاجئ لأحد الأقارب أو الأصدقاء المقربين.
6. الضغط النفسي الشديد، مثل المشكلات المالية أو المرتبطة بالعمل أو العلاقات.
7. الصدمة الشديدة، مثل التعرض لحادث سيارة.

 عوامل الخطورة لاضطراب تبدد الشخصية والانفصال عن الواقع

قد يكون بعض الأشخاص أكثر عرضة للإصابة للإصابة باضطراب تبدد الواقع، ومن هذه الحالات:

1. إذا كان الشخص يتجنب المواقف الصعبة أو ينكرها، أو لديه مشاكل في التكيف مع المواقف الصعبة.
2. المعاناة أو مشاهدة صدمة أو إيذاء/عنف.
3. السن: خاصة في سن المراهقة.
4. المعاناة من مشكلات صحية عقلية أخرى مثل: الاكتئاب أو القلق.
5. تعاطي مواد وعقاقير الهلوسة أو الماريجوانا.
6. المعاناة من حالات مرَضية بدنية مثل: النوبات المرَضية أو إصابة الرأس.

مضاعفات اضطراب تبدد الشخصية والانفصال عن الواقع

اضطراب تبدد الشخصية لا تعتبر حالة خطيرة ويمكن التعامل معها من خلال العلاجات النفسية المختلفة، لكنها قد ترتبط ببعض المضاعفات إذا استمرت لفترات طويلة وبتكرار مستمر دون علاج، ومن هذه المضاعفات:

1. صعوبة التركيز على المهمات أو عدم تذكّر بعض الأشياء.
2. التشويش على العمل، وغير ذلك من النشاطات الروتينية.
3. المشكلات في العلاقات مع العائلة والأصدقاء.

تشخيص اضطراب تبدد الشخصية والانفصال عن الواقع

يجب أن يستوفي الطبيب معايير الأعراض المذكورة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5) الذي نشرته الجمعية الأميركية للطب النفسي، ويتضمن الدليل التعريفات التالية:

• تبدد الشخصية: حالاتٍ من عدم الواقعية أو الشعور بانفصال الشخص عن أفكاره أو عواطفه أو جسده، أو يشعر وكأنه مراقبٌ خارجيّ يراقب أفكاره أو مشاعره أو أحاسيسه أو جسده أو أفعاله.
• الانفصال عن الواقع: حالة من عدم الواقعية أو الشعور بالانفصال عن المحيط، وكأنّ الشخص في حلم.
• ولكي يتم التشخيص باضطراب تبدد الشخصية والانفصال عن الواقع:
  • لا بدّ أن يعاني الشخص من حالاتٍ مستمرةٍ أو متكررةٍ من الانفصال عن الواقع أو تبدد الشخصية أو كليهما.
  • أثناء حالة تبدد الشخصية أو الانفصال عن الواقع، يكون الشخص مدركا أنّ حالته ليست حقيقية.
  • تسبب هذه الأعراض اضطرابًا كبيرًا أو تشوشًا على الحياة الاجتماعية أو العمل، أو غيرهما من مناحي الحياة المهمة.
  • لا تنتُج الأعراض عن اضطرابٍ صحيٍ عقليّ آخر، مثل فصام الشخصية أو اضطراب الهلع.
  • لا تكون هذه الأعراض ناتجةً عن التأثيرات الفيزيولوجية المباشرة للكحول أو العقاقير أو عن حالةٍ طبيةٍ ما.

قد يحتاج الشخص لمزيد من التقييم أو الاختبارات لاستثناء الاضطرابات الصحية الجسدية أو العقلية الأخرى أو غيرها من الأسباب مثل: إدمان المواد المخدرة.

علاج اضطراب تبدد الشخصية والانفصال عن الواقع

لا يزال الباحثون غير متأكدين من أفضل طريقة لعلاج اضطراب تبدد الشخصية والانفصال عن الواقع، وعند دراسة خيارات العلاج سيتحدث الطبيب معك عن تاريخك الطبي والأعراض والأهداف العلاجية، وقد يوصيك بالأدوية والعلاج النفسي مثل العلاج السلوكي المعرفي أو معالجة إزالة حساسية حركة العين (EMDR)، ويمكن توضيح خيارات العلاج كالآتي:

• العلاج النفسي

يساعد العلاج النفسي على فهم سبب حدوث تبدد الشخصية والانفصال عن الواقع، وفي السيطرة على هذه الحالة بحيث تزول هذه الأعراض.

• الأدوية

بينما ليست ثمة أدوية معتمدة تحديدًا لمعالجة اضطراب تبدد الشخصية والانفصال عن الواقع، فثمة أدوية محددة تُستخدم لمعالجة الاكتئاب والقلق والذهان قد تساعد في هذا السياق. وتتضمن أمثلة الأدوية التي أبدت قدرةً على تسكين الأعراض الفلوكسيتين (بروزاك) والكلوميبرامين (أنافرانيل) والكلونازيبام (كلونوبين).

الآثار الجانبية المحتملة للأدوية 

نظراً لأن أخصائيي الصحة النفسية قد يَستخدمون أدوية مختلفة لعلاج اضطراب تبدد الواقع ،فإن الآثار الجانبية تختلف حسب نوع الدواء، ولكن هناك بعض الآثار الجانبية الشائعة مثل:

• الإمساك.
• الدوار.
• النعاس.
• جفاف الفم.
• زيادة الشهية.
• التفاعل المحتمل مع أدوية أخرى موصوفة أو مخدرات ترفيهية أو تناول الكحوليات.
• احتباس البول.
• زيادة الوزن.

متى تجب زيارة الطبيب؟

الشعور بتبدد الشخصية أو الانفصال عن الواقع هو أمرٌ شائعٌ ولا يستدعي القلق بالضرورة. ولكن استمراره قد يكون علامةً على اضطرابات الصحة البدنية أو العقلية، وينصح المريض بمراجعة الطبيب إذا كان لديه شعورٌ بتبدد الشخصية أو الانفصال عن الواقع يتّصف بما يلي:

1. يسبب الاضطراب أو الاختلال العاطفي.
2. لا يختفي، أو يحدث مرارًا أو تكرارًا.
3. يشوّش على العمل أو العلاقات أو النشاطات اليومية.

الأسئلة الشائعة

كم يستمر الانفصال عن الواقع؟

تختلف مدة الانفصال عن الواقع إذ تتراوح الحالات الشائعة بين دقائق وساعات، لكن النوبات الشديدة أو المستمرة المرتبطة غالبًا باضطرابات الانفصال، قد تستمر لأسابيع أو أشهر أو سنوات أو حتى إلى أجل غير مسمى إذا تُركت دون علاج.

هل القلق يسبب انفصال عن الواقع؟

يمكن أن يسبب القلق انفصالاً عن الواقع وتبدد الشخصية، ويعمل هذا الانفصال كآلية تكيّف مؤقتة لحماية العقل من الضغوط النفسية الشديدة، ولكنه قد يؤثّر بشكل كبير على الحياة اليومية إذا استمر أو أصبح شديداً.

هل تبدد الشخصية خطير؟

قد يكون اضطراب تبدد الواقع مزعجاً للغاية لمن يعاني منه، ولكنه يعتبر غير خطير أو ضار على الإطلاق، وفقدان الشخصية (غياب الشخصية) هو مزيج من الأحاسيس الجسدية والعواطف والأفكار التي تدفعك إلى الشعور بانفصال تام عن نفسك لدرجة أنك قد تتساءل : عمّ إذا كنت بالفعل داخل جسدك أم لا؟

نصيحة من موقع صحتك 

ربما تشعر بانفصال عن نفسك أو عن العالم من حولك، أو قد تشعر وكأنك تعيش في حلم، أو أنك تنظر إلى الحياة من خلال زجاج سميك وضبابي، وقد تجعلك هذه المشاعر تحس بالعزلة، فإذا شعرت بأي من هذه الأعراض أو تكررت معك بشكل مستمر فيجب استشارة الطبيب النفسي لمساعدتك، ويجب أن تخبر عائلتك وأصدقائك بما تخوضه حتى إذا وجَدوا صعوبة في فهم واقعك، وأخبرهم بما تحتاجه منهم ليعرفوا كيف يساعدونك.