تُعد الأمراض النفسية شائعة الانتشار، وهي ثالث أكثر الأسباب شيوعًا لدخول المستشفيات، ومن أبرز الأمثلة على المشاكل النفسية الشائعة الاضطرابات: القلق والاكتئاب والفصام والاضطراب ثنائي القطب، ولكن هناك أمراض نفسية نادرة جدًا لدرجة أن بعض أخصائيي الصحة النفسية قد لا يمر عليهم مريض مصاب بها طوال فترة حياتهم العملية. نبيّن فيما يلي أمراض نفسية نادرة الحدوث.
أمراض نفسية نادرة .. الليكانثروبيا السريرية
تنطوي متلازمة الليكانثروبيا السريرية على توهم أن الشخص المصاب قد يتحول إلى حيوان، وغالباً ما يرتبط ذلك بالتحول إلى ذئب أو مستذئب، ويعود أصل اسم المتلازمة إلى الحالة الأسطورية التي يُطلق عليها اسم "ليكانثروبي" أو التحول إلى شكل ذئب. يعتقد الأشخاص المصابون بالليكانثروبيا أن بإمكانهم اتخاذ شكل حيوان معين، بل ويمكن للمصابين أن يتصرفوا مثل ذلك الحيوان أثناء هذا الوهم أو الهلوسة. على سبيل المثال، قد يتصرف الأشخاص مثل الذئاب ويتواجدون في الغابات والمناطق المشجّرة. تصنف مجلة الطب النفسي العصبي وعلوم الأعصاب السريرية الليكانثروبيا السريرية كنوع من متلازمة سوء التعرف الوهمي.
اضطراب تبدد الشخصية أو فَقد الواقع
يصف الانفصال عن الذات أو عن المحيط أو كليهما الحالة المتغيرة لاضطراب تبدد الشخصية أو فَقد الواقع، ويشعر المرضى الذين يعانون من هذا الاضطراب بأنهم يراقبون أنفسهم من خارج أجسادهم، وقد يعتقدون أيضًا أن الأشياء ليست حقيقية، كما لو أن الأشياء المحيطة بهم مشوَّهة أو أن الوقت يتسارع أو يتباطأ.
قد تؤدي إحدى هاتين النزعتَين أو كلتاهما إلى اضطراب تبدد الشخصية أو فَقد الواقع، ويجب أن تكون الأعراض مستمرة ليتأهل المصاب لهذا التشخيص، وذلك لأنه من الطبيعي أن يشعر الشخص بشيء من هذا لفترة وجيزة بسبب تأثيرات جانبية لبعض الأدوية أو لبعض الحالات الصحية الجسدية أو النفسية الأخرى.
متلازمة ديوجين
يُعد التكديس القهري للقمامة والأشياء التي تبدو عشوائية هي السمة الرئيسية لمتلازمة ديوجين التي توجَد بشكل رئيسي لدى كبار السن وترتبط بالخرف، وتشمل الخصائص الأخرى: الإهمال الشديد للذات، واللامبالاة، والانسحاب الاجتماعي، وانعدام الخجل. تُعد تسمية المتلازمة خاطئة، إذ إنها سُميت على اسم الفيلسوف اليوناني ديوجين من سينوب. كان ديوجين فيلسوفاً ساخراً، وفقًا للفلسفة التي ساعد في تأسيسها، رفَض الرغبة في الثروة والسلطة والشهرة، واختار أن يعيش متحررًا من كل الممتلكات، إذ وجد الفضيلة في الفقر، وكان ينام في جرّة خزَفية كبيرة، وسعى إلى التفاعل الاجتماعي.
متلازمة ستندال
تُعد متلازمة ستندال أحد الأمثلة على أمراض نفسية نادرة يعاني الأشخاص المصابون بها من القلق الجسدي والعاطفي، بالإضافة إلى نوبات الهلع وتجارب انفصالية وارتباك وهلوسة عند التعرض لأحد أشكال الفن، وعادةً ما تَحدث هذه الأعراض بسبب الفن الذي يُنظر إليه على أنه جميل بشكل خاص، أو عندما يتعرض المصاب لكميات كبيرة من الفن في مكان واحد مثل المتاحف أو المعارض. قد يعاني المصابون أيضاً من ردود فعل مماثلة تجاه الجمال في الطبيعة. سُميت هذه المتلازمة على اسم مؤلف فرنسي من القرن التاسع عشر عانَى من هذه الأعراض خلال رحلة إلى فلورنسا عام 1817، وقد تسمى متلازمة ستندال أيضًا بفرط الثقافة أو متلازمة فلورنسا.
الأبوتيمنوفيليا
تُعرف الأبوتيمنوفيليا أيضًا باسم اضطراب هوية سلامة الجسد، ويتميز بالرغبة العارمة في بتر أجزاء سليمة من الجسم. على الرغم من أنه لا يُعرف الكثير عن هذا الاضطراب، فإنه يُعتقد أنه اضطراب عصبي. قد يحاول المصابون بهذا الاضطراب بتر أطرافهم أو إتلاف الطرف بحيث قد يصبح بتره الجراحي ضرورياً. قد يكون اضطراب الأبوتمنوفيليا مرتبطاً بتلف الفص الجداري الأيمن في الدماغ. تُعد هذه الحالة صعبة العلاج لأن الأشخاص الذين يعانون منها لا يسعون في الغالب إلى العلاج، ولكن يمكن محاولة العلاج السلوكي المعرفي والمعالجة بالتنفير من أجل علاج الأبوتمنوفيليا عندما يسعى المصاب لطلب العلاج.
متلازمة اليد الغريبة
تتسم هذه المتلازمة بالاعتقاد بأن يد الشخص لها حياتها الخاصة ولا تنتمي إلى الشخص نفسه. يمتلك المصابون بهذا المرض إحساساً طبيعياً ولكنهم يشعرون بأن يدهم مستقلة بذاتها، وقد يجسّد المصابون بمتلازمة اليد الغريبة الطرف المصاب كأنه كيان منفصل عنهم، كأن تكون اليد غير المصابة تحت سيطرة الفرد في حين أن اليد المصابة لها حركاتها الخاصة. قد تَحدث هذه المتلازمة لدى الأفراد الذين يعانون من تلف في الجسم الثفني الذي يربط بين نصفَي الكرة المخية في الدماغ، وتشمل الأسباب الأخرى السكتة الدماغية وتلف الفص الجداري، وتبدو اليدان عندئذ في حالة "صراع بينهما" أو "تعذر الأداء الحركي"، مما يعني أنهما تتصرفان بشكل متعارض مع بعضهما البعض.
متلازمة كابغراس
سُمّيت هذه المتلازمة نسبة إلى جوزيف كابغراس، وهو طبيب نفسي فرنسي اكتشف وهم الازدواجية. يحمل المصابون بمتلازمة كابغراس الاعتقاد الوهمي بأن شخصًا آخر موجود في حياتهم، عادةً ما يكون زوجًا أو صديقًا مقربًا أو أحد أفراد العائلة، قد تم استبداله بشخص آخر يشبهه، وقد تصيب هذه المتلازمة مرضى الفصام أو الخرف أو الصرع، وقد تحدث بعد إصابات الدماغ الرضية. تطبق أساليب علاج هذه الحالة تلك المستخدمة للاضطرابات الكامنة، وغالباً ما تشمل الأدوية المضادة للذهان.
متلازمة أليس في بلاد العجائب
من أبرز الأمثلة على أمراض نفسية نادرة وغريبة متلازمة أليس في بلاد العجائب، المعروفة أيضاً باسم متلازمة تود، وهي حالة عصبية يتشوّه فيها إدراك الشخص لصورة جسده أو تصوره للزمان أو المكان. قد يعاني المصابون بمتلازمة أليس في بلاد العجائب من الهلوسات والتشوه الحسي وتغيّر الإحساس بالسرعة. وعلى الرغم من وجود العديد من الأعراض، فإن أكثرها انتشاراً هو تغيّر صورة الجسم بحيث يشعر المرضى بالارتباك بشأن حجم وشكل أجزاء من أجسامهم. قد تؤدي هذه الأعراض إلى الذعر والخوف، وغالباً ما يرتبط هذا المرض بالصداع النصفي المتكرر أو أورام الدماغ أو تعاطي المخدرات، وقد يصيب الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و10 سنوات.
الأسئلة الشائعة
لماذا من المهم التعرف على الأمراض النفسية الشائعة والنادرة؟
فهم الصحة النفسية يعني النظر إلى ما هو أبعد من الحالات الأكثر شيوعًا مثل القلق والاكتئاب، ففي حين أن هذه الحالات الشائعة تؤثّر على الملايين وهي مدروسة بشكل جيد، إلا أن الاضطرابات النادرة والمحصورة في بعض الثقافات تؤثّر على حياة الناس بطرق عميقة، ويساعد التعرف على هذه الحالات الأقل شيوعًا في الحد من الشعور بوصمة العار، ويعزز التدخل المبكر، ويضمن عدم تجاهل المصابين أو تشخيصهم بشكل خاطئ لمجرد أن أعراضهم لا تتطابق مع الأنماط المألوفة.
لماذا تبدو بعض حالات الصحة النفسية غير مألوفة أو غريبة مقارنة بغيرها؟
تُعتبر بعض حالات الصحة النفسية نادرة أو محصورة ثقافيًا، بمعنى أنها لا تظهر إلا في مجموعات سكانية معينة أو في ظل ظروف معينة. قد لا يصادف أخصائيو الصحة النفسية هذه الاضطرابات على نطاق واسع، وغالباً ما يساء فهمها من قبل عامة الناس، وبعضها الآخر قائم على أساس عصبي، أو ينطوي على أوهام غير عادية أو تشوهات إدراكية، مما يجعل تشخيصها وعلاجها أكثر صعوبة. ومع ذلك، فإن جميع حالات الصحة النفسية -مهما كانت نادرة- تستحق الفهم والدعم المناسبين.
نصيحة من موقع صحتك
إذا كنت أنت أو أي شخص تعرفه يعاني من أفكار أو مشاعر أو سلوكيات غير عادية أو مزعجة، وحتى لو لم تتطابق مع حالات نفسية شائعة، فمن المهم طلب المساعدة المتخصصة. الصحة النفسية معقدة، وتختلف بشكل كبير من شخص لآخر، وقد يُحدِث الدعم المبكر والتواصل المفتوح والرعاية المختصة فرقًا كبيرًا في التعامل مع حالات الصحة النفسية الشائعة والنادرة.