تعد الصحة النفسية للأطفال (Children's Mental Health) من القضايا التي تستحق اهتمامًا كبيرًا، خاصة في ظل التحديات المتزايدة التي يواجهها الأطفال والمراهقون في العصر الحديث. تتنوع هذه التحديات بين الضغوط الأكاديمية، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي، والتغيرات الكبيرة في الحياة الاجتماعية والعائلية. لهذا السبب، يتم تنظيم "أسبوع الصحة النفسية للأطفال" (Children's Mental Health Week) سنويًا بهدف نشر الوعي بأهمية الصحة النفسية وتعزيز التحدث عنها بحرية.
أسبوع الصحة النفسية للأطفال 2025
يُعقد أسبوع الصحة النفسية للأطفال هذا العام في شهر فبراير، ويتم تنظيمه من قبل جمعية "بليس تو بي" (Place2Be) منذ عام 2015. يهدف هذا الأسبوع إلى تشجيع الأطفال والشباب على التعبير عن مشاعرهم، وتعزيز الوعي بالصحة النفسية، وتوفير الموارد والدعم لمن يعانون من مشاكل نفسية. كما يشهد الأسبوع مشاركة واسعة من المدارس والمجتمعات في المجتمع البريطاني مثلًا، حيث تُنظم الفعاليات والمحاضرات التوعوية لدعم الصحة النفسية للأطفال.
شعار أسبوع الصحة النفسية للأطفال 2025: "اعرف نفسك، نمِّ نفسك"
يحمل أسبوع الصحة النفسية للأطفال 2025 شعار "اعرف نفسك، نمِّ نفسك" (Know Yourself, Grow Yourself)، وهو يركز على بناء الوعي الذاتي وتعزيز القدرة على التكيف مع المشاعر المختلفة. من خلال فهم أنفسنا بشكل أفضل، يمكننا تحديد ما يجعلنا سعداء أو قلقين أو خائفين، مما يساعد على تطوير المرونة النفسية (Resilience). ولتعزيز هذا المفهوم، تعاونت جمعية "بليس تو بي" هذا العام مع فيلم "إنسايد آوت 2" (Inside Out 2)، الذي يساعد في فهم كيفية تأثير المشاعر المختلفة على سلوك الأفراد.
ما هي الصحة النفسية؟
تشير الصحة النفسية إلى الحالة العاطفية والنفسية والاجتماعية للفرد، وهي تؤثر على كيفية تفكيره وشعوره وتصرفه. من الطبيعي أن نشعر بمشاعر مختلفة مثل الحزن، أو الغضب، أو القلق من وقت لآخر، ولكن عندما تستمر هذه المشاعر لفترات طويلة وتؤثر على الحياة اليومية، فقد يكون هناك مشكلة تتطلب تدخلاً ودعمًا مناسبًا.
بعض الأطفال قد يعانون من مشكلات نفسية مثل القلق (Anxiety)، والاكتئاب (Depression)، واضطرابات الأكل (Eating Disorders)، التي تؤثر بشكل كبير على سلوكهم وتحصيلهم الدراسي وعلاقاتهم الاجتماعية. لذا، فإن تشجيع الأطفال على الحديث عن مشاعرهم وطلب المساعدة عند الحاجة أمر بالغ الأهمية.
أزمة الصحة النفسية لدى الأطفال
في السنوات الأخيرة، ازدادت معدلات المشاكل النفسية بين الأطفال والمراهقين بشكل ملحوظ، مما دفع بعض الخبراء إلى وصفها بأنها "أزمة الصحة العامة الأبرز في عصرنا". وفقًا لتقرير صادر عن مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في أمريكا (CDC)، شهدت أقسام الطوارئ ارتفاعًا ملحوظًا في الزيارات المتعلقة بمشاكل الصحة النفسية لدى الشباب، مثل القلق والاكتئاب واضطرابات الأكل.
وتشير دراسة أجرتها الجمعية الأمريكية للطب النفسي (American Psychiatric Association) عام 2022 إلى أن 37% من الأمريكيين صنفوا صحتهم النفسية على أنها "متوسطة" أو "سيئة"، مقارنة بـ 31% في العام السابق. إذا كان البالغون يواجهون هذه الصعوبات، فكيف سيكون الحال بالنسبة للأطفال الذين لا يمتلكون الأدوات الكافية للسيطرة على مشاعرهم؟
دور التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي
مع انتشار التكنولوجيا الحديثة، أصبح الأطفال والمراهقون أكثر تعرضًا للضغوط الناتجة عن وسائل التواصل الاجتماعي، وقد أظهرت دراسة عالمية أجرتها "مؤسسة سابين لابز" (Sapien Labs) أن التأخير في امتلاك الأطفال للهواتف الذكية يرتبط بتحسن الصحة النفسية عند البلوغ.
وقد أثبتت أبحاث عديدة أن الاستخدام المفرط للأجهزة الذكية يؤثر على تطور الدماغ لدى الأطفال، إذ يمكن أن تؤدي كثرة التعرض للشاشات إلى تغيرات في أنماط النوم (Sleep Patterns) وتقليل الإبداع (Creativity). كما كشفت دراسة أجرتها مستشفى "نيشن وايد تشلدرن" (Nationwide Children's Hospital) أن 70% من الآباء يعتقدون أن تطبيقات تعديل الصور تؤثر سلبًا على صورة الجسد لدى أطفالهم.
كيف يمكننا دعم الأطفال؟
مع تزايد التحديات التي يواجهها الأطفال، من الضروري اتخاذ خطوات فعلية لحماية صحتهم النفسية، ومن بين هذه الخطوات:
-
التواصل المفتوح: تشجيع الأطفال على التحدث عن مشاعرهم دون خوف من الحكم عليهم.
-
التقليل من استخدام الأجهزة الذكية: وضع حدود زمنية للاستخدام اليومي للأجهزة والشاشات.
-
تعزيز الأنشطة البدنية والاجتماعية: تشجيع الأطفال على ممارسة الرياضة والانخراط في أنشطة اجتماعية مفيدة.
-
التوعية بالصحة النفسية: تنظيم ورش عمل وبرامج تعليمية لتعزيز فهم الأطفال لأهمية الصحة النفسية.
-
الحصول على المساعدة عند الحاجة: إذا ظهرت علامات تدل على وجود مشكلة نفسية، فمن المهم استشارة متخصص في الصحة النفسية.
نهايةً؛ إن الاهتمام بالصحة النفسية للأطفال لم يعد خيارًا، بل ضرورة في ظل التحديات المتزايدة التي يواجهها الأطفال والمراهقون اليوم. من خلال مبادرات مثل "أسبوع الصحة النفسية للأطفال"، والتوعية المستمرة بأهمية الصحة النفسية، يمكننا توفير بيئة داعمة تمكّن الأطفال من النمو بشكل صحي وسليم. علينا أن نكون واعين بالدور الذي تلعبه التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل تجارب الأطفال، واتخاذ الخطوات اللازمة لضمان رفاهيتهم النفسية والعاطفية. بذلك، يمكننا بناء جيل أكثر قدرة على التعامل مع ضغوط الحياة بطريقة صحية وإيجابية.