لطالما كان الاعتقاد السائد في الماضي أن مرضى التصلب المتعدد (Multiple Sclerosis – MS) عليهم تجنّب المجهود البدني والالتزام بالراحة لتفادي تدهور حالتهم. لكن العلم الحديث قلب هذه الفكرة رأسًا على عقب، إذ أظهرت دراسة جديدة أن الرياضة تفيد مرضى التصلب المتعدد وتساعدهم على تقليل خطر الإعاقة مع مرور الوقت. هذا التحول في الفهم الطبي يمنح الأمل للمرضى ويضع الرياضة في مقدمة العلاجات المساندة.
تفاصيل الدراسة: الرياضة تفيد مرضى التصلب المتعدد
قام الخبراء بمتابعة 3284 مريضًا تم تشخيصهم بالتصلب المتعدد، بمتوسط عمر 38 عامًا، ولمدة تصل إلى 15 سنة. خلال هذه الفترة، تم قياس تطور حالتهم باستخدام مقياس الإعاقة الموسع (Expanded Disability Status Scale – EDSS)، وهو مقياس يتراوح بين 0 (لا توجد إعاقة) و10 (إعاقة شديدة جدًا).
النتائج كانت واضحة: الأشخاص الأكثر نشاطًا بدنيًا واجهوا تدهورًا أبطأ في إعاقتهم مقارنة بالأشخاص الخاملين. وبعبارة مباشرة، الرياضة تفيد مرضى التصلب المتعدد لأنها تبطئ مسار المرض وتمنح المريض فرصة لحياة أكثر استقلالية.
مستويات النشاط البدني
صُنّف النشاط البدني للمشاركين إلى أربع درجات:
-
منخفض: نشاط محدود أقل من ساعتين أسبوعيًا.
-
متوسط: مثل المشي أو ركوب الدراجة لساعتين أو أكثر أسبوعيًا.
-
متوسط-مرتفع: تمارين تسبب التعرق لنصف ساعة مرة أو مرتين في الأسبوع.
-
مرتفع: تمارين تسبب التعرق لنصف ساعة ثلاث مرات أو أكثر في الأسبوع.
وأظهرت التحليلات أن كل ارتفاع في مستوى النشاط ارتبط بانخفاض كبير في احتمالية تدهور المرض، مما يوضح أن الرياضة تفيد مرضى التصلب المتعدد في كل مرحلة تقريبًا من حياتهم اليومية.
فوائد إضافية للنشاط البدني
لا تتوقف الفائدة عند الجانب الحركي فقط، بل إن الدراسات بينت أن الرياضة تفيد مرضى التصلب المتعدد عبر حماية الأعصاب (Neuroprotection) وتقليل الالتهابات بفضل تعديل جهاز المناعة (Immunomodulation). وهذا يعني أن التمارين لا تقوي العضلات وحسب، بل تؤثر أيضًا في آليات المرض البيولوجية.
دلالات الدراسة
من المثير أن هذه النتائج تناقض ما كان يدرّس سابقًا في كليات الطب. ففي حين كان المرضى يُنصحون بتجنب الجهد، أصبح من الواضح الآن أن الرياضة تفيد مرضى التصلب المتعدد بشكل فعال، وقد يُنظر إليها كجزء أساسي من العلاج إلى جانب الأدوية. ويؤكد الخبراء أن تبني أنشطة بسيطة مثل المشي، ركوب الدراجة، أو حتى بعض تمارين اليوغا يمكن أن ينعكس إيجابًا على حياة المريض اليومية.
الرسالة التي تحملها هذه الدراسة واضحة: الرياضة تفيد مرضى التصلب المتعدد، ليس فقط لتحسين اللياقة الجسدية، بل أيضًا لإبطاء تطور المرض وتقليل الإعاقة. وبينما كان يُعتقد في الماضي أن الراحة هي الحل، أصبح الدليل العلمي اليوم يشير إلى أن النشاط هو الطريق الأفضل. إن تبني الرياضة كعادة مستمرة يمكن أن يمنح مرضى التصلب المتعدد فرصة أفضل للعيش باستقلالية وجودة حياة أعلى. ببساطة، لم تعد الرياضة خطرًا كما كان يُظن، بل أصبحت حليفًا حقيقيًا لكل مريض.



