أصبح موضوع الخمول الجسدي (Sedentary Time) محورًا أساسيًا في الدراسات الصحية الحديثة، نظرًا لتأثيره العميق على صحة الإنسان، لا سيما لدى كبار السن. كشفت دراسة جديدة دامت 7 سنوات عن وجود ارتباط وثيق بين الخمول الجسدي وتراجع الإدراك العقلي، حتى لدى من يمارسون نشاطًا بدنيًا معتدلًا.
الخمول الجسدي والدماغ: العلاقة تتجاوز مستوى النشاط اليومي
خلص باحثون من مركز فاندربيلت الطبي بولاية تينيسي الأمريكية بقيادة الدكتورة أنجيلا جيفرسون، إلى أن قضاء وقت أطول في الجلوس أو الاستلقاء يرتبط بانكماش في حجم منطقة الحُصين (Hippocampus)، وهي منطقة أساسية في الدماغ مسؤولة عن الذاكرة، وكذلك بتراجع في الأداء الإدراكي العام.
وبحسب الدراسة المنشورة في مجلة Alzheimer’s & Dementia، فإن هذا التأثير السلبي للخمول الجسدي استمر حتى بعد ضبط النتائج لأخذ النشاط البدني المعتدل إلى الشديد (Moderate-to-Vigorous Physical Activity) بعين الاعتبار، ما يؤكّد أن تجنب الخمول الجسدي ضروري لصحة الدماغ.
أبرز نتائج الدراسة
من أبرز نتائج الدراسة الآتي:
-
ارتبط الخمول الجسدي بانخفاض علامات مرض ألزهايمر في التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI Alzheimer's Disease Signature) وتراجع في الذاكرة العرَضية (Episodic Memory).
-
ارتبط الخمول الجسدي بانكماش أسرَع في حجم منطقة الحُصين في الدماغ، وتراجع في سرعة المعالَجة (Processing Speed) والقدرة على التسمية (Naming Ability).
-
استمرت هذه العلاقة السلبية حتى بعد احتساب النشاط البدني، مما يؤكد أنه عامل خطر مستقل.
-
التأثير كان أكثر وضوحًا لدى حاملي جين APOE4، المرتبط بزيادة خطر الإصابة بمرض ألزهايمر.
التفاصيل المنهجية للدراسة
شملت الدراسة 404 مشاركين من دراسة الذاكرة والشيخوخة التابعة لجامعة فاندربيلت (Vanderbilt Memory and Aging Project)، وجميعهم لم يكونوا مصابين بالخرف عند بداية الدراسة، وكان متوسط أعمارهم 71 عامًا.
-
استخدام جهاز تسريع ثلاثي المحاور (Triaxial Accelerometer) لرصد النشاط اليومي للمشاركين على مدار 10 أيام.
-
جُمعت بيانات من التصوير العصبي (Neuroimaging) واختبارات الإدراك العصبي (Neuropsychological Assessments).
-
بلغ متوسط الخمول الجسدي 807 دقائق يوميًا (13.45 ساعة)، بينما بلغ متوسط النشاط المعتدل إلى الشديد 61 دقيقة في اليوم.
أهمية تقليل الخمول الجسدي حتى مع النشاط الرياضي
أوضحت الدكتورة ماريسا غونيات، الباحثة المشاركة من جامعة بيتسبرغ، أن هذه النتائج تشير إلى أن تجنب الخمول الجسدي يجب أن يكون هدفًا منفصلًا عن زيادة النشاط البدني، خاصة لمن هم أكثر عرضة وراثيًا لاضطرابات الذاكرة.
وأضافت أن العينة المدروسة كانت نشطة للغاية، إذ استوفى 87% منهم إرشادات مراكز مكافحة الأمراض (CDC) بممارسة 150 دقيقة من النشاط البدني أسبوعيًا، إلا أن هذا لم يمنع التأثير الضار للخمول الجسدي على الدماغ.
دراسات أخرى داعمة
أظهرت دراسات سابقة، مثل تلك التي أُجريت باستخدام قاعدة بيانات UK Biobank، أن الخمول الجسدي لدى من تجاوزوا الستين يزيد من خطر الإصابة بالخرف. كما يجري حاليًا في الولايات المتحدة اختبار سريري ضمن مشروع POINTER لبحث أثر تعديل جوانب عدة من نمط الحياة، منها الخمول الجسدي، على صحة الإدراك لدى كبار السن. من أهم التوصيات العملية الآتي:
-
لا تكتفِ بممارسة الرياضة فقط، بل قلل من الوقت الذي تقضيه جالسًا أو مستلقيًا.
-
احرص على القيام بحركات خفيفة كل ساعة، مثل المشي لبضع دقائق أو أداء تمارين التمدد.
-
راقب عدد ساعات الخمول الجسدي يوميًا، وحاول ألا تتجاوز 6-7 ساعات قدر الإمكان.
نهايةً، يزداد الدليل العلمي قوة حول الآثار الضارة للخمول الجسدي على الدماغ مع تقدم العمر. توضح الدراسة الحديثة أن قضاء ساعات طويلة في الجلوس قد يؤدي إلى انكماش دماغي وتدهور إدراكي، حتى ولو كان الشخص نشطًا بدنيًا. لذا، فإن دمج الحراك الخفيف في الروتين اليومي أصبح أمرًا لا غنى عنه للحفاظ على صحة الدماغ وتقليل خطر الإصابة بالخرف.