فحص دم قد يتنبأ بمرض الشريان التاجي

يُعد مرض الشريان التاجي (Coronary Artery Disease) من أكثر أمراض القلب شيوعًا وخطورة، وهو السبب الرئيسي للنوبات القلبية (Heart Attacks) في مختلف أنحاء العالم. تكمن خطورته في تطوره الصامت غالبًا دون أعراض حتى يحدث انسداد جزئي أو كامل في أحد الشرايين المغذية للقلب. ومع تزايد أعداد المصابين به سنويًا، يسعى العلماء إلى تطوير وسائل أكثر دقة للتنبؤ بالإصابة به مبكرًا. ومن بين أبرز الوسائل الحديثة التي تفتح آفاقًا واعدة فحص دم قد يتنبأ بمرض الشريان التاجي من خلال قياس مؤشرات معينة في الدم، مثل "أبوليبوبروتين ب" (Apolipoprotein B) و"ليبوبروتين أ" (Lipoprotein(a)).

ما مرض الشريان التاجي؟

يحدث مرض الشريان التاجي نتيجة تراكم الترسبات الدهنية أو ما يُعرف بـ"اللويحات" (Plaque) على جدران الشرايين التي تغذي عضلة القلب. مع مرور الوقت، تؤدي هذه التراكمات إلى تضييق الشرايين وتقليل تدفق الدم فيها، ما يسبب نقصًا في الأكسجين المغذي للقلب، وقد ينتهي الأمر بنوبة قلبية إذا حدث انسداد في أحد شرايين القلب المصابة.

وبما أن الاكتشاف المبكر عامل حاسم في الوقاية، فإن وجود فحص دم قد يتنبأ بمرض الشريان التاجي يُعتبر نقلة نوعية في وسائل التشخيص الحديثة.

أهمية الكوليسترول والدهون في الدم

من المعروف أن الدهون، مثل الكوليسترول، تلعب دورًا كبيرًا في الإصابة بمرض الشريان التاجي، لكن الجديد أن الأبحاث الحديثة تُركّز على نوعية الجزيئات الحاملة للكوليسترول، لا الكوليسترول بحد ذاته فقط. وهنا يبرز دور أبوليبوبروتين ب (ApoB) كمؤشر دقيق يمكن قياسه بإجراء فحص دم قد يتنبأ بمرض الشريان التاجي.

ما Apolipoprotein B؟

يُعد Apolipoprotein B بروتينًا رئيسيًا من أنواع البروتينات الدهنية المسبِّبة لتصلب الشرايين (Atherogenic Lipoproteins)، مثل البروتين الدهني المنخفض الكثافة (Low-Density Lipoprotein - LDL)، والبروتين الدهني المنخفض الكثافة جدًا (Very Low-Density Lipoprotein - VLDL)، والمتوسط الكثافة (Intermediate-Density Lipoprotein - IDL).

كل جزيء من هذه الجزيئات يحتوي على جزيء واحد من ApoB، مما يجعله مؤشرًا دقيقًا لعدد جزيئات الدهون الضارة في الدم. ولهذا، فإن وجود فحص دم قد يتنبأ بمرض الشريان التاجي من خلال قياس مستوى ApoB يُعد أكثر دقة من فحوص الكوليسترول التقليدية.

ما هو Lipoprotein(a)؟

يُعد Lipoprotein(a) أحد أنواع البروتينات الدهنية التي تحتوي على ApoB أيضًا، ويُعرَف بأن هناك عاملاً وراثياً يزيد من خطر الإصابة بمرض الشريان التاجي، لأن هذا البروتين الدهني يتميز بقدرته العالية على الالتصاق بجدران الشرايين وتكوين ترسبات فيها.

وبالتالي، فإن وجود فحص دم قد يتنبأ بمرض الشريان التاجي من خلال قياس مستوى Lipoprotein(a) قد يوفّر إنذارًا مبكرًا، خاصة لدى الأشخاص الذين لا تظهر لديهم أعراض وعوامل خطر واضحة.

اقرأ أيضاً

جراحة تحويل مسار الشريان التاجي

نتائج الدراسة الجديدة

في دراسة نُشرت مؤخرًا في مجلة "European Heart Journal"، حلل الباحثون بيانات أكثر من 207,000 مشارك من قاعدة بيانات "UK Biobank"، بعد استبعاد المرضى الذين لديهم تاريخ من وجود أمراض القلب، أو يَستخدمون أدوية خافضة للدهون.

وقد خلصت الدراسة إلى أن:

• ارتفاع مستوى جزيئات ApoB يرتبط بزيادة الإصابة بمرض الشريان التاجي بنسبة تصل إلى 33%.

• في مجموعة تحليل إضافية من السويد، ارتبطت نفس الزيادة بارتفاع احتمال الإصابة بنسبة 26%.

• Lipoprotein(a) حافظ على ارتباطه بهذه الإصابة حتى بعد تعديل تأثير ApoB.

تؤكد هذه النتائج أن وجود فحص دم قد يتنبأ بمرض الشريان التاجي بدقة أعلى، من خلال التركيز على الجزيئات المسببة للضرر وليس فقط على كمية الكوليسترول والدهون العامة في الدم.

ما الجديد في هذه النتائج؟

على عكس الفحوص التقليدية التي تركّز على مستوى الكوليسترول الكلي أو على نوعَيه "الضار" و"النافع"، تبيّن أن عدد جزيئات ApoB يعطي صورة أدق عن الخطر القائم، وهذا يعكس التغير في التفكير الطبي الذي بدأ يتحول نحو تحليل تركيب الجزيئات ونوعيتها بدلاً من قياس تركيزها فقط.

لذا؛ فإن استخدام فحص دم قد يتنبأ بمرض الشريان التاجي بقياس مؤشرات مثل ApoB وLipoprotein(a) يمثل مرحلة جديدة في الفحوص الوقائية.

علاقة نوع وحجم الجزيئات بالخطر

أظهرت الدراسة أن نوع الجزيئات (مثل VLDL أو LDL) وحجمها يؤثران كثيرًا في التنبؤ بالخطر إذا أُخذ عدد جزيئات ApoB في الحسبان. ويبدو أن كمية وحجم هذه الجزيئات وليس النوع هما الأهم. وهذا يعزز أهمية اعتماد فحص دم قد يتنبأ بمرض الشريان التاجي من خلال التركيز على العدد الكلي للجزيئات المسببة للترسبات.

اقرأ أيضاً

علامات تسلخ الشريان التاجي التلقائي وعلاجه

الترايغليسرايد (Triglycerides) ودورها

أظهرت النتائج أيضًا أن تركيز الدهون الثلاثية (Triglycerides) في بعض أنواع الجزيئات قد يزيد احتمال الإصابة بتصلب شرايين القلب، خاصة في حالة البروتينات المنخفضة الكثافة جدًا. لكن عند ارتفاع عدد جزيئات ApoB، يختفي هذا التأثير. وهذا يعني أن العدد الإجمالي للجزيئات هو العامل الحاسم، مما يدعم فكرة اعتماد فحص دم قد يتنبأ بمرض الشريان التاجي بناءً على هذا المؤشر.

ماذا يعني وجود فحص دم قد يتنبأ بمرض الشريان التاجي للمجتمع الطبي؟

إذا استُخدمت هذه الفحوص بشكل أوسع، قد تُغيّر طرق الفحص والتشخيص لمرض الشريان التاجي في المستقبل، إذ يمكن الكشف المبكر وتحديد المخاطر بدقة أكبر، خاصة عند  الأشخاص الذين لا تظهر عليهم أعراض تقليدية. ولهذا السبب، تتجه الأنظار حاليًا إلى إدراج فحص دم قد يتنبأ بمرض الشريان التاجي ضمن الفحوص الدورية.

هل سيصبح هذا الفحص جزءًا من الروتين الطبي؟

من المتوقع، ومع تراكم الأدلة، أن يتم اعتماد فحوص ApoB وLipoprotein(a) ضمن الفحوص الدورية للأشخاص المعرّضين لخطر الإصابة بأمراض القلب، فهذا النوع من فحص دم قد يتنبأ بمرض الشريان التاجي لا يتطلب إجراءات معقدة أو مكلفة، ويمكن إدراجه ضمن تحاليل الدم العادية.

كيف تستعد لهذا النوع من الفحوص؟

إذا كان لديك تاريخ عائلي مع أمراض القلب، أو كنت تعاني من عوامل خطر مثل ارتفاع ضغط الدم أو السكري أو السمنة، فقد يكون من المفيد استشارة طبيبك حول إجراء فحص دم قد يتنبأ بمرض الشريان التاجي. يمكن لهذا الفحص أن يعطي صورة مبكرة تساعدك على اتخاذ قرارات صحية أسرع.

نهايةً، مع تطور الطب، أصبحت الوقاية والتشخيص المبكر الركيزة الأساسية لمكافحة أمراض القلب، وتشير الأدلة المتزايدة إلى أن استخدام فحص دم قد يتنبأ بمرض الشريان التاجي من خلال قياس Apolipoprotein B وLipoprotein(a) قد يُحدث فرقًا كبيرًا في تقليل المخاطر وتحسين فرص العلاج. وإذا ما تم اعتماده بشكل أوسع، فربما سيُحدث هذا التحليل تحولًا جذريًا في فهمنا لأمراض القلب والوقاية منها.