عندما نسمع كلمة "السكري"، يتبادر إلى أذهاننا نوعان معروفان: النوع الأول والنوع الثاني، لكنْ هناك نوع ثالث غير شائع كثيراً يُعرف باسم سكري الشباب عند الناضجين (Maturity-Onset Diabetes of the Young)، أو كما يُطلق عليه أحياناً السكري 1.5 (Type 1.5 Diabetes)، وهو مزيج في خصائصه بين النوعَين. يُعتبر هذا النوع من السكري حالة وراثية نادرة، تُشخَّص غالباً قبل سنّ 25، وقد يتم الخلط بينها وبين النوع الأول أو الثاني من السكري، مما يؤدي إلى تأخر التشخيص الصحيح، ووضع العلاج المناسب.
ما هو سكري الشباب عند الناضجين ؟
سكري الشباب عند الناضجين (Maturity-Onset Diabetes of the Young – MODY) هو نوع نادر من السكري يُصيب الأطفال أو الشباب في سن مبكرة، وغالباً ما يكون وراثياً. يتميز هذا النوع بأنه ناتج عن خلل في جين واحد فقط (Single Gene Mutation)، وهذا ما يجعله مختلفاً عن النوع الأول أو الثاني من السكري. يسمى هذا النوع أيضاً بـسكري 1.5 أو السكري 5 لأنه يشترك في بعض صفاته مع النوعين الأول والثاني. ومن أهم ميزاته:
-
يُشخص عادة قبل سن 25.
-
له طابع عائلي قوي، ويظهر في أكثر من جيل من العائلة.
-
لا يعتمد دائمًا على الإنسولين في العلاج.
-
نادر الحدوث، إذ يُقدر أن نسبته تتراوح بين 1-3% من حالات السكري.
الأسباب الوراثية وراء سكري الشباب عند الناضجين
ينتج سكري الشباب عند الناضجين بسبب طفرات في جينات معينة تتحكم في إنتاج الإنسولين في البنكرياس. ومن أبرز هذه الجينات:
-
HNF1A gene
-
HNF4A gene
-
GCK gene
-
HNF1B gene
تُنتج هذه الجينات بروتينات تعمل كمحفزات لتنشيط جينات أخرى (Transcription Factors) تلعب دورًا حيويًا في تطور وعمل خلايا "بيتا" (Beta Cells) في البنكرياس، وهي الخلايا المسؤولة عن إنتاج الإنسولين. عندما تحدث طفرة في هذه الجينات، يتأثر أداء هذه الخلايا ويقل إنتاج الإنسولين، مما يؤدي إلى ارتفاع مستويات السكر في الدم (Blood Glucose).
كيف يُورث سكري الشباب الناضجين؟
يُورث سكري الشباب الناضجين بطريقة تُسمى الوراثة الجسمية السائدة (Autosomal Dominant Inheritance)، أي أن وجود نسخة واحدة فقط من الجين المتحوّر كافية للإصابة بالمرض. إذا كان أحد الأبوين مصابًا، فإن احتمال انتقال المرض إلى الأبناء تصل إلى 50%.
أنواع سكري الشباب عند الناضجين
يوجد أكثر من نوع من سكري الشباب عند الناضجين تختلف باختلاف الجين أو الجينات المتأثرة. إليك أبرز الأنواع:
1. MODY3 (HNF1A-MODY)
-
النوع الأكثر شيوعًا، ويمثل حوالي 50-70% من هذه الحالات.
-
يؤدي إلى نقص تدريجي في إنتاج الإنسولين.
-
يظهر في فترة المراهقة أو أوائل العشرينات.
-
لا يحتاج المصابون به عادة إلى الإنسولين، ويُعالَجون بأقراص سلفونيل يوريا (Sulphonylureas).
2. MODY1 (HNF4A-MODY)
-
أقل شيوعًا.
-
قد يُولد الطفل بوزن زائد (أكثر من 4 كغ).
-
قد يعاني الطفل من انخفاض في سكر الدم بعد الولادة (Neonatal Hypoglycemia).
-
يمكن العلاج في البداية بالأقراص، لكن بعض هؤلاء المرضى يحتاجون إلى الإنسولين لاحقًا.
3. MODY2 (GCK-MODY)
-
ناتج عن طفرة في جين جلوكوكيناز (Glucokinase).
-
يتسبب في رفع طفيف بمستوى سكر الدم، عادة بين 5.5 إلى 8 مليمول/لتر.
-
لا يصاحب هذا النوعَ أعراض واضحة، وغالباً ما يُكتشف بالصدفة، مثل أثناء الحمل.
-
لا يتطلب أي علاج في معظم الحالات.
4. MODY5 (HNF1B-MODY أو متلازمة RCAD)
-
يُصاحبه مشكلات في الكلى مثل الكيسات الكلوية (Renal Cysts)، وقد تُكتشف قبل الولادة.
-
يشمل أيضاً تشوهات في الرحم، والنقرس (Gout).
-
ينشأ عن طفرات في عدة جينات.
-
يحتاج المصابون به غالباً إلى الإنسولين، إضافة إلى النظام الغذائي والرياضة.
أعراض سكري الشباب عند الناضجين
تعتمد الأعراض على نوع السكري، ولكن أبرز الأعراض تشمل:
-
العطش الزائد (Polydipsia).
-
التبول المتكرر (Polyuria).
-
التعب المستمر.
-
فقدان الوزن.
-
التهابات جلدية متكررة.
وفي بعض الأنواع، مثل GCK-MODY، قد لا تكون هناك أعراض واضحة على الإطلاق.
مضاعفات سكري الشباب عند الناضجين
إذا لم يتم تشخيص سكري الشباب عند الناضجين وعلاجه بشكل صحيح، فقد يؤدي إلى مضاعفات مشابهة لمرض السكري من النوع الأول أو الثاني:
-
اعتلال الشبكية السكري (Diabetic Retinopathy): قد يسبب ضعف البصر أو العمى.
-
الاعتلال الكلوي السكري (Diabetic Nephropathy): قد يؤدي إلى الفشل الكلوي.
-
ناميات غدية حميدة في الكبد (Hepatocellular Adenomas): خاصة في MODY3.
أهمية التشخيص المبكر
من المهم معرفة ما إذا كنت أو أحد أفراد عائلتك مصابًا بسكري الشباب عند الناضجين وذلك للأسباب التالية:
-
لتلقي العلاج المناسب، مثل استخدام أو إيقاف الإنسولين في حال عدم الحاجة إليه.
-
لتمكين أفراد الأسرة الآخرين من إجراء فحوصات وراثية (Genetic Testing).
-
لفهم احتمالية نقل المرض إلى الأبناء.
-
لتقليل حدوث المضاعفات المزمنة.
كيفية تشخيص سكري الشباب عند الناضجين
يتضمن التشخيص خطوات متعددة:
-
تحاليل الدم للكشف عن الأجسام المضادة في البنكرياس (Pancreatic Antibodies).
-
قياس مادة سي-بيبتيد (C-peptide) في الدم أو البول لتحديد كمية الإنسولين المنتجة طبيعيًا.
-
التحليل الوراثي (Genetic Testing): لتحديد الجين أو الجينات المتأثرة وتأكيد نوع MODY. يتم إرسال العينة إلى مراكز متخصصة بالدراسات الوراثية مثل جامعة إكستر في بريطانيا.
علاج سكري الشباب عند الناضجين
يعتمد العلاج على نوع السكري:
-
بعض الأنواع مثل GCK-MODY لا تحتاج إلى علاج.
-
أنواع مثل MODY3 و MODY1 تعالج بأقراص سلفونيل يوريا.
-
بعض الحالات تحتاج إلى الإنسولين، خاصة في MODY5.
-
يُنصح الجميع باتباع نظام غذائي صحي، وممارسة الرياضة بانتظام للوقاية من المضاعفات.
البحث العلمي والتطورات الجديدة
ما يزال الباحثون يكتشفون طفرات جديدة قد تكون مسؤولة عن سكري الشباب عند الناضجين. ويعمل العلماء مثل البروفيسور جاي راتر على تحديد هذه الطفرات، وفهم آلية تأثيرها، وتطوير علاجات مناسبة لها. مثل هذه الأبحاث قد تُحدث نقلة نوعية في تشخيص وعلاج سكري الشباب عند الناضجين.
نهايةً، سكري الشباب عند الناضجين هو شكل نادر من أشكال السكري، لكنه مهم جداً من الناحية الطبية والعائلية. وإن فهم أسبابه الوراثية، وأنواعه المختلفة، وتشخيصه المبكر، يُساعد المرضى والعائلات على تجنب التشخيص الخاطئ، وتلقي العلاج الأفضل. إذا كان في عائلتك تاريخ مرضي للسكري تم تشخيصه في عمر صغير دون الاعتماد الدائم على الإنسولين، فقد يكون من المفيد مناقشة احتمال الإصابة بـسكري الشباب عند الناضجين مع الطبيب وإجراء الفحوصات اللازمة.