في العقود الأخيرة، برز النظام الغذائي المتوسطي كأحد أكثر الأنظمة الغذائية الصحية التي تحظى باهتمام الباحثين والأطباء على مستوى العالم. لم يعد هذا النظام مرتبط فقط بصحة القلب أو الوقاية من السكري، بل امتد تأثيره الإيجابي ليشمل أنواعًا مختلفة من السرطان، وبشكل خاص سرطان الثدي. تشير الدراسات إلى أن الالتزام بالنظام الغذائي المتوسطي قد يُسهم في خفض معدلات الإصابة بسرطان الثدي، ويقلل من فرص تكراره بعد العلاج. في هذا المقال، نستعرض تأثير النظام الغذائي المتوسطي على سرطان الثدي مستندين إلى أبحاث علمية موثوقة وتجارب سريرية واسعة، كما نقدم نصائح عملية لتطبيقها في الحياة اليومية.
فهم النظام الغذائي المتوسطي
النظام الغذائي المتوسطي مستوحى من الأنظمة الغذائية التقليدية في بلدان مثل إيطاليا، اليونان، تركيا، وإسبانيا، وتعتمد بشكل أساسي على:
- استهلاك وفير للفواكه، والخضروات الطازجة، والحبوب الكاملة، والبقوليات.
- اعتماد زيت الزيتون كمصدر رئيسي للدهون الصحية.
- تناول الأسماك والمأكولات البحرية كمصدر رئيسي للبروتين، مع تقليل استهلاك اللحوم الحمراء.
- تقليل المنتجات المصنعة، والسكريات، والدهون المشبعة.
هذا التنوع والتوازن الغذائي هو ما يمنح هذا النظام خصائصه الوقائية، ويجعله أداة فعّالة في الوقاية من العديد من الأمراض، بما في ذلك سرطان الثدي.
العلاقة بين النظام الغذائي المتوسطي والسرطان
منذ ثمانينيات القرن الماضي، بدأت الأبحاث تركز على العلاقة بين النظام الغذائي المتوسطي وأمراض مزمنة كأمراض القلب والسرطان. وفي عام 2003، أظهرت دراسة طويلة الأمد أن الالتزام الجيد بالنظام الغذائي المتوسطي مرتبط بانخفاض معدل الوفيات العامة.
وفي عام 2015، حللت دراسة شملت أكثر من 1.7 مليون مشارك العلاقة بين هذا النظام الغذائي ومعدلات الوفاة الناتجة عن أنواع متعددة من السرطان، بما في ذلك القولون، الثدي، المعدة، الكبد، والبروستاتا، لتؤكد تأثير النظام الغذائي المتوسطي على سرطان الثدي وتقليل خطر الوفاة المرتبط به.
كما أظهرت مراجعة بحثية نُشرت عام 2023 أن النظام الغذائي المتوسطي إما يقلل من خطر الإصابة بأنواع مختلفة من السرطان أو لا يؤثر سلبًا عليها، مما يعزز الثقة في تبني هذا النمط الغذائي للوقاية والدعم العلاجي.
تأثير النظام الغذائي المتوسطي على سرطان الثدي: دراسات علمية
نظرًا لاختلاف العادات الغذائية من منطقة لأخرى، أجريت دراسات جماعية في عدة دول لقياس تأثير النظام الغذائي المتوسطي على سرطان الثدي:
- في عام 2012، أجريت دراسة شملت 935 مريضة بسرطان الثدي و817 شخصًا سليمًا كمجموعة ضابطة. أظهرت نتائج التحليل باستخدام نموذج الانحدار اللوجستي أنه لا توجد علاقة ذات دلالة إحصائية بين درجة الالتزام الكلية بالنظام الغذائي وخطر الإصابة بسرطان الثدي. ومع ذلك، لوحظ أن زيادة استهلاك زيت الزيتون والخضروات والأسماك كان مرتبطًا بشكل مستقل بانخفاض خطر الإصابة، مما يشير إلى أن النظام الغذائي المتوسطي قد يكون له تأثير وقائي خاص ضد سرطان الثدي.
- في عام 2018، أجريت دراسة شملت 3034 مريضة بسرطان الثدي و3392 شخصًا سليمًا من إيطاليا وسويسرا. أظهرت النتائج أن الالتزام بالنظام الغذائي المتوسطي يقلل من خطر الإصابة بسرطان الثدي لدى النساء في مرحلتي ما قبل وما بعد انقطاع الطمث.
- في عام 2020، أجريت دراسة في شمال إيطاليا شملت 1453 امرأة تم تشخيصهن بسرطان الثدي بين عامي 1991 و1994، مع متابعة لمدة 15 عامًا. أظهرت النتائج أن النساء اللاتي التزمن بالنظام الغذائي المتوسطي بشكل كبير (عددهن 500 – 34.4%) كُنّ أكثر احتمالًا للحصول على نتائج سريرية إيجابية مقارنةً بمن كان التزامهن منخفضًا (عددهن 332 – 22.8%). وبلغ معدل البقاء على قيد الحياة لمدة 15 عامًا في مجموعة الالتزام العالي 63.1%، بينما كان في المجموعة منخفضة الالتزام 53.6%.
وتشير النتائج إلى أن اتباع النظام الغذائي المتوسطي قبل تشخيص سرطان الثدي قد يحسن من فرص النجاة طويلة المدى. - في عام 2021، بحثت دراسة تأثير النظام الغذائي المتوسطي على سرطان الثدي. شملت الدراسة 94 مريضة و88 شخصًا سليمًا. أظهرت النتائج أن الحصول على درجة أعلى من 6 في الالتزام بالنظام الغذائي المتوسطي كان مرتبطًا بانخفاض خطر الإصابة. كما كشفت الدراسة عن تأثير تراكمي وتآزري بين عدم الالتزام بالنظام الغذائي وعدة عوامل خطر أخرى لسرطان الثدي.
كيف يقلل هذا النظام الغذائي من خطر الإصابة؟
تعود فعالية هذا النظام في الوقاية من السرطان إلى عدة عوامل:
- الدهون الصحية: غنية بأوميغا-3 الموجودة في الأسماك وزيت الزيتون، ذات تأثير مضاد للأكسدة ومضاد لنمو الخلايا السرطانية.
- نسبة منخفضة من الدهون الضارة: قلة استهلاك الألبان واللحوم المصنعة تساعد على ضبط الكوليسترول والدهون المتراكمة.
- نسبة عالية من الألياف: تمنع امتصاص المواد الضارة، وتقلل الشهية، وتدعم الجهاز الهضمي.
- نسبة منخفضة من اللحوم: استبدال اللحوم بالأسماك يعزز صحة الأوعية الدموية ويقلل الالتهابات.
- اعتماد كبير على الأطعمة النباتية: الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة تقلل الالتهابات وتدعم التوازن الهرموني.
كل هذه العوامل تجعل من تأثير النظام الغذائي المتوسطي على سرطان الثدي واضحًا في الوقاية وتقليل التكرار وتحسين التنبؤات العلاجية.
الأسئلة الشائعة
ما هو النظام الغذائي المناسب لمرضى السرطان؟
قد يكون النظام الغذائي المتوسطي هو الخيار المناسب لمرضى السرطان، يعتمد هذا النظام على تناول الخضروات والفواكه الطازجة، الحبوب الكاملة، زيت الزيتون، الأسماك، والبقوليات مع تقليل اللحوم والسكريات. هذا النظام يدعم المناعة، يقلل الالتهاب، ويحتوي على مضادات أكسدة تساعد في الوقاية من السرطان وتحسين الاستجابة للعلاج. استشر طبيبك أولا قبل ان تجري تعديل في نظامك الغذائي.
ما هي الأكلات الممنوعة لسرطان الثدي؟
من الأفضل تجنب تناول الكحول، وتقليل الوجبات السريعة، الأطعمة المقلية، اللحوم المصنعة، السكريات المضافة، والكربوهيدرات المكررة لأنها مرتبطة بزيادة خطر سرطان الثدي. استبدل هذه الأطعمة بالكربوهيدرات الكاملة والخضروات المغذية للحفاظ على صحة أفضل وتقليل الخطر.
نصيحة من موقع صحتك
إذا كنتِ مهتمة بحماية نفسك من سرطان الثدي أو دعم صحتك بعد العلاج، فإن اتباع النظام الغذائي المتوسطي قد يكون خيارًا رائعًا. استشيري طبيبك أولًا ثم ابدئي تدريجيًا بإدخال الخضروات، زيت الزيتون، والبقوليات إلى وجباتك. وتجنبي الأطعمة المصنعة والدهون المشبعة، وركّزي على التنوع والتوازن. تأثير النظام الغذائي المتوسطي على سرطان الثدي ليس فقط مدعومًا علميًا، بل يمكن تطبيقه بسهولة.
