في الخامس من مايو/أيار من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي لنظافة الأيدي وهي مناسبة أطلقتها منظمة الصحة العالمية (World Health Organization) لتسليط الضوء على أهمية غسل الأيدي في الوقاية من العدوى، ويعد اليوم العالمي لنظافة الأيدي فرصة لتعزيز الوعي بضرورة الالتزام بإجراءات النظافة في مختلف البيئات، من المستشفيات إلى المنازل.
بقلم: جاسبر واغان- استشاري الوقاية من العدوى ومكافحتها؛ وديفيد رينارد، مستشار الممارسات الطبية المستدامة/ أطباء بلا حدود
هذا العام، يُقام اليوم العالمي لنظافة الأيدي تحت شعار يعكس التوازن المطلوب بين استخدام القفازات والحفاظ على نظافة الأيدي، في رسالة محورية لإنقاذ الأرواح والحد من العدوى في كل أنحاء العالم.
اليوم العالمي لنظافة الأيدي: القفازات الطبية سلاح ذو حدين
في المؤسسات الصحية، يُنظر إلى القفازات كحاجز واقٍ يحمي العاملين والمرضى من العدوى، لكن الواقع يُظهر أن الإفراط في استخدامها قد يؤدي إلى نتائج عكسية، فقد يخلق الاعتماد المفرط على القفازات شعورًا زائفًا بالأمان، مما يدفع البعض إلى إهمال نظافة الأيدي أو استخدامها في مواقف لا تستدعي ذلك.
والأخطر من ذلك أن القفازات غالبًا ما تكون غير قابلة للتحلل البيولوجي (Non-Biodegradable)، مما يجعلها أحد مصادر التلوث البيئي عندما تُستخدم بشكل مفرط أو غير ضروري. ومع تزايد استخدام المستلزمات الطبية ذات الاستخدام الواحد، ترتفع كمية النفايات الطبية، التي قد تؤثر سلبًا على الصحة العامة والبيئة.
التحديات في البيئات الإنسانية: دروس من الميدان
تُظهر التجارب الميدانية في المناطق المتأثرة بالكوارث أو الحروب، والتي تعمل فيها منظمة أطباء بلا حدود (Médecins Sans Frontières - MSF)، أن نظافة الأيدي تلعب دورًا أساسيًا في الوقاية من الأمراض في البيئات محدودة الموارد. وفي ظل غياب البنية التحتية الكافية للمياه أو الصرف الصحي، تصبح إجراءات بسيطة مثل غسل الأيدي حاسمة للحفاظ على الأرواح.
القفازات، رغم أهميتها، ليست ضمانًا مطلقًا، فإساءة استخدامها أو عدم التخلص منها بطريقة سليمة قد تؤدي إلى نقل التلوث بدلاً من منعه. لذلك؛ تؤكد أطباء بلا حدود أن الممارسات الأساسية مثل غسل الأيدي تبقى أهم من الاعتماد الكلي على القفازات.
منظمة الصحة العالمية الموجه العالمي في مكافحة العدوى
تُعد منظمة الصحة العالمية ركيزة أساسية في التوعية بمفاهيم الوقاية من العدوى على مستوى العالم، فمنذ إطلاقها حملة "أنقذوا الأرواح: نظّفوا أيديكم" عام 2009، وهي تقود الجهود العالمية لنشر الوعي بنظافة الأيدي، وتوفير إرشادات مبنية على الأدلة حول متى يجب غسل الأيدي، ومتى يجب ارتداء القفازات.
كما تصدر المنظمة بانتظام أدلة ومخططات مرجعية (Guidelines and Hierarchical Frameworks) تساعد العاملين في المجال الصحي على اتخاذ قرارات مدروسة بشأن استخدام القفازات، بهدف تقليل الاستخدام غير الضروري، وحماية المرضى، وتخفيف الأثر البيئي للرعاية الصحية، وتوفر الدعم التقني للدول وتدعم تدريب الطواقم الصحية في أماكن الأزمات.
ومن خلال إحيائنا اليوم العالمي لنظافة الأيدي نسلط الضوء على هذا الدور القيادي الهام الذي تلعبه المنظمة.
المخطط المرجعي: متى يجب أن نرتدي القفازات؟
بناءً على المخطط الهرمي الذي أعدّته منظمة الصحة العالمية، تُصنَّف مواقف العمل الصحي لتحديد ما إذا كانت تستوجب ارتداء القفازات أم لا. في بعض الحالات –مثل التعامل مع سوائل جسم المريض، أو الجروح المفتوحة– يكون ارتداء القفازات إلزاميًا، أما في مواقف أخرى –كقياس ضغط الدم أو التفاعل الروتيني– فيكفي غسل الأيدي جيدًا قبل وبعد التفاعل.
هذه التوجيهات توضح أن نظافة الأيدي يجب أن تُمارس سواء تم ارتداء القفازات أم لا، لأن الجراثيم قد تنتقل بسهولة عند إزالة القفازات أو عند لمس الأسطح الملوثة بها دون غسل الأيدي.
دعم منظمة أطباء بلا حدود لهذه المبادئ
تلتزم منظمة أطباء بلا حدود تمامًا بتوصيات منظمة الصحة العالمية، فهي ترى في الميدان يوميًا الأثر الإيجابي لنظافة الأيدي في الحد من انتشار الأمراض، كما تسعى إلى توعية فرقها العاملة في أكثر من 70 بلدًا بضرورة الاستخدام العقلاني للقفازات والاهتمام بالأساسيات، ومنها غسل الأيدي كأولوية.
وترى المنظمة أن الجمع بين النظافة والمسؤولية البيئية ضرورة لا ترف، فالرعاية الصحية يجب أن تحمي البشر دون أن تضر البيئة، ولهذا فإن اليوم العالمي لنظافة الأيدي يشكّل فرصة ثمينة لإعادة التأكيد على هذه الرسائل الحيوية.
دعوة مفتوحة للجميع: مسؤولية جماعية تبدأ من الأيدي
من السهل أن نعتقد أن مسؤولية النظافة تقع فقط على عاتق العاملين في القطاع الصحي، لكن الحقيقة أن نظافة الأيدي مسؤولية مجتمعية، فهي تبدأ من البيت والمدرسة والمكتب، وتشمل كل من يلامس الأسطح أو يتفاعل مع الآخرين.
غسل الأيدي قبل الأكل، أو بعد استخدام الحمام، أو عند العودة إلى المنزل، هي خطوات بسيطة لكنها فعالة للغاية، ولا يتطلب الأمر معدات خاصة أو وقتًا طويلاً، فقط القليل من الوعي والالتزام قد يغير مجرى الأمور ويمنع انتشار الأمراض.
ويأتي اليوم العالمي لنظافة الأيدي ليرسخ هذا الفهم، ويحوّل العادات اليومية إلى أفعال منقذة للحياة.
عن منظمة أطباء بلا حدود
أطباء بلا حدود هي منظمة طبية دولية غير حكومية، تُقدم الرعاية الصحية في أكثر من 70 دولة حول العالم، تأسست عام 1971، وتعمل بشكل مستقل عن الحكومات، مقدِّمةً خدماتها الطبية للمتضررين من النزاعات المسلحة، والأوبئة، والكوارث الطبيعية، والمحرومين من الرعاية الصحية.
تضم المنظمة أكثر من 45,000 موظف حول العالم، من أطباء، وممرضين، وخبراء لوجستيين، وإداريين، وعاملين في مجال الاتصال والتثقيف الصحي. تلتزم أطباء بلا حدود بمبادئ الحياد والاستقلالية والإنسانية، وتحرص على توفير رعاية طبية ذات جودة حتى في أصعب البيئات وأكثرها خطورة.
نهايةً، يعلّمنا اليوم العالمي لنظافة الأيدي أن الحلول البسيطة غالبًا ما تكون الأكثر فعالية، القفازات وحدها لا تكفي، المعقم وحده لا يكفي، النظافة وحدها لا تحمي، ما لم تُمارس بانتظام ووعي.