صحــــتك
01 ديسمبر 2017

لخريجة الطب.. صوت من هذا؟

انهيت العام السادس لي في كلية الطب.. كانت صعبة وعانيت كثيرا لأن ذكائي محدود وليس لدي قدرة علي التركيز وأشعر بالنقص في هذا الموضوع.. نتيجتي ستظهر بعد أيام واعتقد ان التقدير التراكمي سيكون جيد.. أعلم أن مشواري كطبيبة لا يعني التقدير.. ولكن المشوار حقا صعب.. وفوق احتمالي.. بالاضافة إلي أنني أشعر بالإكتئاب لأن وزني زائد، وأهلي يعتقدون أن هذا يؤخر زواج البنت، وأيضا أشعر بأني لن أستطيع فعل أي شئ لأكون طبيبة متفوقة كما تمنيت.. وأنا لا أفعل أي شئ مهم.. فقط أهدر حياتي.. انصحيني كيف أعيش؟ فأنا حقا لا أعرف كيف أعيش الحياة؟
اساءات الطفولة
أهلا بك يا إسراء، 
كلما كنت أمضي قدما في قراءة سطورك والجمل التي كتبتيها؛ كلما وجدتني أسأل: صوت من هذا؟
انظري معي للجمل التي كتبتيها: الطريق صعب.. لن أستطيع.. الزيادة في الوزن تعطل الزواج.. لن استطيع فعل "أي شيء" حتى أكون طبيبة متفوقة.. لا أفعل شيئا مهما.. أهدر حياتي.. لا أعرف كيف أعيش.

هذا الأصوات الداخلية ليست لك يا ابنتي، ولست وحدك من تعانين من هذه الأصوات فلقد رأينا فتيات وشباب كثر، ورأينا مع كل ألم يعتصرهم صوتاً عميقاً جداً.. صوت سمعوه في الماضي على مدار عمرهم بصور وأشكال مختلفة ممن كانوا حولهم، وبسبب تكراره مرارا صدقوه لدرجة أنهم ظنوا أنه صوتهم هم، وصار الجهد المطلوب هو تصديق الحقيقة، ورؤية أن ما صدقوه بالأمس عن أنفسهم هو ما كان عين الخطأ.

فالانتقاد الزائد والمقارنات والتوبيخ واللوم والتبكيت وعدم التقدير وضعف التشجيع والمشكلات المؤثرة في حياة الابن، وضعف الفرحة داخل المنزل، وضعف التعبير عن المشاعر وكبتها، والكثير غير ذلك؛ يجعل الطفل في بداية عمره، وهو يتعرف على نفسه وعن الحياة والعلاقات تتشوه صورة ذاته عن نفسه بعد أن كان مولودا يحب نفسه والناس والحياة ويصدق أنه فاشل عاجز، بعد أن كان يمتلك القدرات والإبداع، وينقصه فقط تفعليهم.. كل هذا يجعله يغلق بابهم، ويرى الحياة غير آمنة، لا تقدم له عطاء؛ مما يصعب عليه علاقاته في الحياة.

ويعتقد العلماء أن كل هذا التشويه - وغيره مما لا يمكنني سرده كله الآن - يحدث في أول ثلاث لخمس سنوات من سنوات عمره الأولى، وبعدها يستمر في تكرار ما وصل له عن نفسه والبشر والحياة بمواقف وطرق مختلفة تختلف باختلاف التواصل معه في كل عمر يمر به.

وكلما طال العمر بنفس تكرارا التشويه، كلما كان التغيير بالرجوع لذاتك بلا تشويه يتطلب جهدا أكبر، وكلما كان التصديق الحقيقي الذي يلغي التصديق السابق المزيف يتطلب حضورا أقوى لذاتك الحقيقية كما خلقها الله.. غير عاجزة.. تستطيع أن تفعل أمور كثيرة.. ويملؤها الحياة والسعي والحركة أصلا.. وتقبل نفسها والناس.

ما أقوله لك هذا أعلم علم اليقين أنه ليس سهلا، وربما يكون غير مفهوم لحظيا بعض الشيء، ولكنه الحقيقة التي عرفها منذ سنوات كثيرة المجتهدون من علماء متخصصون في دراسة نفس الانسان، ولقد اختبرت ذلك الطريق بنفسي ومع كثير من البشر ممن تغيروا، وتمكنوا من العودة لحقيقتهم كما هي بعد رحلة حرمان طويلة؛ فهذا الطريق يابنيتي ولا طريق سواه.

لذا اقترح عليك أن تجتهدي فيما سأتركه لك من نقاط لفترة تتناسب مع حقيقة جهدك مع نفسك مهما طالت نسبيا، وإن لم تتمكني بعد تلك الفترة؛ فلا ضير من التواصل مع متخصص يساعدك مساعدة مهنية من خلال جلسات فردية، وجلسات في شكل مجموعات، فإسراء الحقيقية تستحق، واترك لك هذا بجانب ما قلته:

* لكي تساعدي نفسك أن تقتربي من جديد لنفسك بدون تشويه، تحتاجين للتعرف على حقوقك التي تساعدك على هذا، هذه الحقوق هي إحتياجات، وهي ليست تسولا، ولا تخصك وحدك، ولكنها موجودة عندنا جميعا؛ فتعرفك عليها وقرار تصديقها سيساعدك كثيرا جدا، وهذه الاحتياجات كثيرة ومتنوعة، ولكن يمكن أن أقول لك أهمها؛ فأنا وأنت ووالداك وصديقاتك وكل البشر يحتاجون للحب غير المشروط؛ فأنت لست مضطرة للقيام بفعل أمور، أو الكف عن أمور لتنالي رضا أي آخر، وتحتاجين للقبول كما أنتي حتى لو لم يوافق على بعض تصرفاتك آخرون، وتحتاجين أن تقولي "لا" لأي شخص يؤذيكي، أو يستغلك بأي شكل مهما كان، وتحتاجين أن تصدقي أنك تستحقين الاهتمام والاحترام وأنك حاضرة موجودة، ووجودك مهم.

* احتياجاتك كما اتفقنا هي حقوقك التي لم تتعرفي عليها، ولم تأخذيها، والحق لا ننتظر أن يمنحه لنا آخر، ولكن حقنا نأخذه ونطلبه؛ لأنه حقنا؛ فلا يتسلل لك مشاعر الخوف أو الدونية، أو غيره حين تطلبيها، وأولهم والداك وبأدب جم.

* قد لا أستطيع الدفاع عن تصرفات الأهل الخاطئة، ولكن أستطيع أن أدافع عن حبهما وخوفهما عليك، ولكن من الممكن جدا أن يكون هناك جزء غير صحي التصق بحبهما، وخوفهما عليك؛ فكثيرا ما وجدت من يستسهل تعليق كل ما ألم به من صعوبات في حياته على ما حدث له في تربيته، ونسي أنه أصبح مسئولا عن نفسه؛ فالشجاعة تتطلب ألا نتنصل من مسئوليتنا عن إعادة ترتيب وتغيير أنفسنا.

* تذكري ما تمكنت من القيام به فعلا يا ابنتي؛ فلقد تفوقت ودخلت كلية تحتاج جهدا يحلم بها الآلاف، ولها رسالة وتمكنت من اجتياز سنواتها الطويلة المرهقة، ومن فعل ذلك هو "أنت" وليس أي أحد سواك، وانك رغم كل ما يؤلمك تتمكنين من التفكير في أهدافك وملامح وجودك، وعلى درجة من الوعي تجعلك تشعرين بأنك تحتاجين لتغيير يصعب على كثير أن يفعلوه.

* كلما لاحقتك تلك الأصوات المزيفة؛ تذكري أنها رسائل الأمس، وأنك تجددين كل يوم اختيارك؛ فتختارين ألا تنصتي لها بعد الآن، وأنك ستسمحين لنفسك الحقيقية أن تحضر، وتظهر، وأنك لن تحكمي على نفسك بشيء كما علموك في السابق لعبة الأحكام القبيحة، وتذكري أن الزواج ليس جنسا فقط، وأن من سيختزلك في جسد لا يستحق منك الإهتمام، وأن اردت أنت أن تغيري من وزنك؛ فستفعلينه لنفسك فقط.. دمت بخير.

اقرئي أيضاً:
نصف حياة
الشعور بالذنب.. سلاح مدمر

سيناريوهات متعددة .. فاختر لنفسك
تشويه نفسي منظّم في الصغر.. وجودك مسؤوليتك


آخر تعديل بتاريخ
01 ديسمبر 2017

قصص مصورة

Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.