صحــــتك
28 مارس 2018

كيف تتعايش مع ألم فقد الزوجة والأم؟

توفيت زوجتي فجأة وبدون أي مقدمات أو مرض منذ أربعة أشهر، وتركت لي ولدان؛ الأول في الثانوية العامة، والثاني في الصف الثاني الثانوي، وبعد أن كان كل دوري هو العمل طول النهار ثم آتي إلى البيت آكل وأنام لبعض الوقت، أصبحت أباً وأماً في آن واحد، وتعلمت أن أطهو الطعام، وأصبحت مهموماً بكل الأمور المنزلية بالمعاونة مع أبنائي، كل هذا والحزن والكمد يمزق قلبي على فقد زوجتي، وأتذكر كلامها ومواقفها وضحكاتنا وأسفارنا، أفتقد حتى مشاكلنا، لأعود من هذه الذكريات حزيناً وحيداً، أحاول أهدّئ نفسي وأصبرها، لكن بلا جدوى، وأشعر بنار في قلبي وجسدي، علماً بأنه لا يوجد أهل أو أصدقاء ولا أقارب... أشعر بوحدة قاتلة ولا أجد أحداً يخفف عني هذه الوحدة، وإن تقابلت مع أحد الأصدقاء لا يريد حتى أن أظهر حزني، أنا داخل في حالة اكتئاب وحزن رديئة، ولست أعلم ماذا أفعل؟


كيف تتعايش مع ألم فقد الزوجة والأم؟

أهلاً بك وسهلاً أخي العزيز،
ألم الفقد من أصعب الآلام التي يحتملها الإنسان؛ فأنا أشعر بمعاناتك وحزنك، وكذلك كم الصدمة الذي أحاط بك بفقدان زوجتك العزيزة من دون مقدمات، وأسأل الله أن يعزي قلبك ويهدهد روحك. ولكن مع كل تلك الصعوبة يتمكن الإنسان أن يقبل فقد الأحباء، فانظر حولك للحظات وستجد أن الموت يحدث كل ثانية، والبشر الذين كانوا في قمة الأسى والحزن بمرور الوقت تمكنوا من تجاوز تلك الصعوبة حتى مع بقاء مشاعر الفقد، وهذا ما تسأل عنه وأقول لك:

- تحتاج أولاً إلى أن تحترم مشاعر ألمك وحزنك على فقدها وتعبر عنها، فهذا حقك الطبيعي؛ فكتم تعبيرك عن حقك في الألم والحزن هو أسوأ شيء تفعله لنفسك، فهو على المستوى النفسي سيجعلك لا تتمكن من التجاوز الحقيقي الطبيعي لصدمة الفقد وألمه، وسيتحول من دون أن تشعر إلى آلام نفسية أعمق، يمكن أن تتطور إلى آلام جسدية.

فالحزن والألم اللذان يرتبطان بفقد الأحباء أمر طبيعي، وتحتاج إلى التعبير عنه بدون خجل، أو تصورات غير واقعية؛ كأن تتصور مثلاً أن عليك أن تكون قدوة لأولادك في كتمان ألمك؛ والحقيقة أنهم يحتاجون منك عكس ذلك تماماً، يحتاجون منك إلى أن تعلمهم أن يتعاملوا تعاملاً صحياً مع حزنهم وألمهم، ولن يكون هناك من يعلمهم هذا الدرس النفسي الصحي سواك؛ لأنك تعاني مثلهم وتفهم معاناتهم تماماً.

التعبير عن حزنكم وألمكم في غاية الأهمية، والسماح لأنفسكم أن تتبادلوا هذا البوح سيغير كثيراً في نفسيتكم، وفي القرب بينكم، وهنا أودّ أن أوضح أن البوح والتعبير عن تلك المشاعر أمران مهمان وأساسيان على المستوى النفسي فيما بينكم، ولكن بدون الغرق الشديد المستمر فيه؛ فالألم الطبيعي أمام فقد من نحب يختلف تماماً عن تحول الألم إلى معاناة تثقل النفس، وكتم الألم يحوله إلى معاناة تملأ مشهد الحياة فتجعلنا أمواتاً في شكل أحياء، وكذلك الغرق الزائد سيفعل نفس الأثر؛ فالبوح واحترام الألم والتعبير عنه دون الغرق الزائد فيه هو التعامل الصحي الآمن.

اسمح لنفسك أن تبكي معهما، وهما كذلك، وعبر عن افتقادك لها، وهما كذلك، وتبادلوا الذكريات الطيبة التي ستجعلونها تؤنس وحشتكم، وتلامسوا بالربت، والاحتضان... كل هذا صحي، واسمحوا لأنفسكم أن تتناقشوا في تقسيم المهام، ومتابعة سير الحياة بما فيها الفرح لأمر مفرح حتى مع وجود الألم؛ لتحدث العملية العلاجية بشكل جيد، واسمح لنفسك ولهما أن بالتناقل بين هذا وذاك بين الحين والحين حتى يلتئم الألم بعد فترة مناسبة بشكل آمن صحي.

- تحتاج إلى أن تمد يدك لنفسك بصدق بعد تلك الخطوة، أو إثنائها حسب استعدادك النفسي إلى الانخراط في علاقات اجتماعية صادقة تشعر معها بالائتناس والدعم والمشاركة؛ فلقد جعلت علاقتك بزوجتك في الغالب علاقة جامعة لكل ما تحتاجه، وعليك ألا تكرر ذلك مع نفسك، واسمح لنفسك أن تحاط بباقة من الأصدقاء يقدم لك كل واحد فيهم شيئاً حقيقياً تحتاج إليه؛ فهذا يقدم لك المواساة، وهذا يشاركك الجزء العقلاني، وهذا ترتاح في الحديث معه، وهذا يمكنك التنزه معه وهكذا، وكذلك شجع ولديك على الانخراط مع الأصدقاء في النشاطات المختلفة إلى جانب الدراسة.

- ساعد نفسك وولديك بالتخفف من الأعباء المنزلية قدر استطاعتكم إن كان يصعب عليكم هذا في ظل الدراسة والعمل، وحاول أن تجد من يعينكم في شؤون البيت المتنوعة ولا بأس أن يكون رجلاً؛ فهناك سيدات يستعن في متابعة شؤون المنزل برجل وليس امرأة فعلاً، فإن تيسر لك هذا فخير، وإن لم يكن فاسأل من يمكنه توفير من يساعدك ولو في الشؤون الكبيرة مرة أسبوعياً.

- اسمح لنفسك بعمل علاقة جديدة مع ولديك بالتقرب منهما، وبناء صداقة لم يتوفر لها الوقت سابقاً، تحتاجون إليها جميعاً، وخصص وقتاً دائماً لكم للخروج، أو القيام بأنشطة معاً، وشاركهما في تفاصيل أكثر عنك، إذ سيخلق هذا الأمر مذاقاً جديداً بينكم يسعدكم.

- إن لم تتمكن من فعل ذلك بعد فترة مناسبة، فلا تتهاون في التواصل مع متخصص يساعدك أو يساعد ولديك.

ودمت بخير.

اقرأ أيضاً:
فقد الحبيب ألم ومعاناة.. كيف تتجاوزه؟
أرجوك لا تتركني.. عن قلق الفقد والانفصال

آخر تعديل بتاريخ
28 مارس 2018

قصص مصورة

Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.