صحــــتك
20 أكتوبر 2022

تركت أمي وأبي وهاجرت للعمل والإحساس بالذنب يقتلني

بالله عليكم ساعدوني. أنا فى حالة نفسية صعبة جداً. أنا وحيد أبي وأمي من الرجال، ولي أختان، اضطرتني الظروف إلى السفر للحاجة المادية، وأشعر بأني بهذا الفعل تركت أبي وأمي فى سنّ يجب أن أكون بجانبهما فيه. أشعر بالذنب صباحاً ومساءً، لدرجة أني أتمنى الموت، وأشعر بأني أصبحت أقل نشاطاً مما كنت عليه، وأني لست مقبلاً على الحياة. شعور الذنب هذا يمزقني لدرجة أني مقتنع بأني بهذا الفعل قد عققت أبي وأمي، بل وأتمنى الموت قبلهما.

أهلاً وسهلاً بك عزيزي،

أحتاج منك إلى أن تهدأ، وتأخذ نفساً عميقاً، لتتمكن من إدراك ما أريد توضيحه لك. فرغم أن السفر والبعد عن الأهل والائتناس بهم أمر يمر به كل مسافر بدرجات حتى يتمكن من التكيف بدرجة تجعله يستمر في حياته دون تعطل في أدواره المختلفة كشخص يعمل في مكان عمله ومتطلبات هذا الدور، وكزوج، وكأب، وكفرد يتعامل مع مقربين كأصدقاء أو زملاء، إلا أن الشعور بالذنب أمر مختلف!. فالإحساس بالذنب ليس هو نفسه الإحساس بأننا فعلنا خطأً. فالإنسان كائن يخطئ، وسيخطئ في أمور قد يعلمها أو يجهلها، وهنا تكمن المسؤولية تجاه تصحيح الخطأ، إما بإيقافه، وإما بردّ الحق إلى صاحبه إن كان متعلقاً بشخص آخر، وهنا تنتهي القصة تماماً.

بمعنى، لا يوجد إحساس سلبي آخر بعد الانتهاء من تصحيح الخطأ بالتوبة، أو إعادة الحق إلى أهله، وهذا اختلاف جوهري وضخم عن الإحساس بالذنب؛ لأن الإحساس بالذنب لا ينتهي، ولا يجعل الشخص قادراً على القيام بشيء يحتاج إلى وقفه فيوقفه، ولا يبدأ بعمل شيء يحتاج إلى البدء به! فهو مجرد شعور ثقيل يرهق صاحبه ولا يجعله يتقدم خطوة حقيقية تُحْدِث تغييراً يريده الشخص نفسه! وسطورك يا صديقي "تغرق غرقاً" في إحساس الذنب الذي اعتبره علماء النفس من أسوأ المشاعر التي يمر بها الإنسان وأقساها، فما بالك بهذا الإحساس حين يكون دائماً؟! وأرى من خلال ما سمعته ورأيته وتعلمته خلال سنوات حياتي العملية أن حساسيتك وإحساسك بالذنب والتقصير أمر قديم لديك من قبل السفر، فهو صديق مؤذٍ لك منذ سنوات، يسرق الفرحة، ويكدّر الحياة، ويقلق صاحبه، ويثقل قلبه وجسده دون أي تغيير! لذا، إن كنت فعلاً تريد أن تتخلص من تلك المعاناة، فعليك أن تدرك الآتي:

  •  الإحساس بالذنب ليس احساساً فطرياً، بل هو إحساس يُكتسَب من البيئة المحيطة من حول الشخص، وخاصة إن كانت بيئة حساسة بشكل زائد، أو ناقدة بشكل زائد، أو فيها مقارنات، أو محاسبة زائدة على كل تصرف، أو فيها دور الضحية، الأبوان أو أحدهما موجود، ففتش عما جعلك عرضة لاكتساب كل هذا الكم من هذا الإحساس الصعب.
  •  الإحساس بالذنب ليس هو الإحساس بالقيام بأمر خاطئ.
  • الله سبحانه وتعالى الذي خلقني وخلقك وخلق والدي ووالديك وكل البشر، يعلم بأن هذا الإحساس بالذات إحساس معطِّل وسيّئ يعوق الحياة عن الإنسان، حتى وإن مارس المهام الأساسية من طعام وشراب وجنس ونوم، إلخ. لذا، وضَّح لنا سبحانه أهمية التخلص من هذا الإحساس بعشرات الأحاديث والآيات التي تحثنا على عدم الوقوع أسرى لهذا الإحساس الذي اكتشف العلماء بعدها بآلاف السنين أنها مشاعر مؤذية للصحة النفسية للشخص، فتجده سبحانه يقول في كتابه العزيز: "الحسنات يذهبن السيئات" سورة هود، "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم" سورة الزمر، وأحاديث "التائب من الذنب كمن لا ذنب له"، و"إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها" إلخ. ماذا يريد الله لنا من كل هذا؟ يريدني ويريدك ويريد كل انسان ألّا يتعطل في الذنب الذي لا ينتهي ولا يقدمنا خطوة! ولكن نكون مسؤولين عن تصحيح الخطأ كما أوضحت وتنتهي القصة، وهذا ما قاله الله تعالى، وليس أنا، ولا حتى العلم.
  •  أن تدرك أن حديثي لا يتعارض مع أهمية ومكانة برّ الوالدين في ديننا، وهذا يتطلب أن تدرك أمراً آخر، وهو أن كلاً منا له نصيبه من التجربة الذاتية في الحياة بحلوها ومرّها، وهذا يسري عليك وعلى أولادك ووالديك، وكذلك أنا وكل البشر، وأن هناك مسؤوليات ذاتية يقوم بها غيرك، كرعايتك لزوجتك وأولادك كما فعل والداك معك من قبل، وأن البر له ألف شكل وشكل، وهو مرن مع محدثات الأمور، فقد يكون تواصلك معهما بالاتصال، وتيسير بعض المهام لهم من مكانك، ووجود مجموعة سند لهم هو البر في وضعك يا صديقي دون شعور الذنب هذا الذي وجب أخذ قرار تجاهه بالتحرر منه، لتكون مسؤولاً وتجد حلولاً وسطاً تشعرك ببرّك بهما، فالله عزّ وجلّ سبحانه يعلم قلبك، ويريد لك التخلص من مشاعر الذنب، ويقبل الطبيعي دون زيادة حتى في العبادات، وبرّك لوالديك من العبادات.
  • مراجعة الزيادات في مشاعرك بشكل عام، لأنها "بيت القصيد"، فقد تجد أنك تحزن بقوة وتفرح بقوة أفضل، وتسامح بقوة، فأي مشاعر زائدة هي مشاعر أخرى اندمجت مع المشاعر الطبيعية الأصلية الفطرية التي خلقنا الله سبحانه بها، ولكننا لا ندرك. فمثلاً، ما نسميه حباً شديداً واهتماماً كبيراً تختلط معه مشاعر القلق من الوحدة دون أن ندري! ويسمى حباً واهتماماً، مشاعر التسامح الشديد تختلط بها مشاعر الخوف من الترك، أو إحساس بأنني قد أكون سيّئاً، أو لا أتمكن من المواجهة بشكل صحي دون أن ندرك، ويسمى تسامحاً، وهذا واجب الوقت لك يا صديقي.
  • لا أحد يأخذ وقتاً ولا نظرة ولا أي شيء غير مكتوب له.

  • لا أحد يضمن السيناريو الأمثل لوجوده مع الأحباء مثلاً، وقت نهاية الأجل كل ذلك مقدر بمقداره والله تعالى يريد منا العمل وليس النتيجة.
  • يمكنك زيادة الزيارات قدر إمكانك، ومتابعتهما بالفيديو أكثر، وحاول أن يكون الحديث معهما حديثاً فيه امل وخفة ظل ووضع بدائل ممكنة بأي أمر تناقشونه. وكما قلت، القصة داخلك أكثر من حقيقة الواقع ويزيده غيابك عنهم بالسفر.
  • اخيراً، اعلم أن ما تحدثت معك فيه ليس سهلاً، ويحتاج إلى جهد، لكنه يستحق، وربما في مثل عمرك تبدأ مراجعات التصحيح لتنعم بصحة نفسية جيدة دون إفراط أو تفريط، وإن صعب ذلك عليك وحدك فلا تتردد في التواصل مع متخصص نفسي يساعدك ويفضل ألا يكون من النوع الذي يساعد بالأدوية فقط، دمت بخير.
آخر تعديل بتاريخ
20 أكتوبر 2022

قصص مصورة

Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.