صحــــتك
22 ديسمبر 2021

أعمل طبيبة ومشاكل الناس والوفيات جعلتني قاسية

مشكلتي اني مش قادرة افصل بين الحياة الاجتماعية والشغل بشوف حالات وفاة كتير جدا زهدت الدنيا ومش لاقية حاجة تفرحني مش دي مشكلتى المشكلة انى بقيت استهون بمشاكل الناس حتى القريبين منى بقيت اشوف أن ما دون الموت ولا حاجة بحسنى بقيت من قساة القلوب اعمل ايه
طبيبة ومشاكل الناس والوفيات جعلتني قاسية
أهلا وسهلا بكِ؛
يبدو أن مصادفة تشابه اسمَينا وتشابه مجال عملنا أحدثت في داخلي مشاعر وتساؤلات وذكريات، فوجدت نفسي حين كنت في عمر أصغر كثيراً مما أنا عليه الآن، حين كنت أبكي وأغضب وأقلق مع صاحب كل مشكلة هنا في الفضاء الإلكتروني أو في العيادات، حتى وجدت نفسي كما حالك الآن تماماً، وكان موت الروح، وموت القيم، وموت الرحمة، وموت الضمير، ذا صوت عالي يقضّ مضجعي، ويجعل البشر في عيني إما في حالة ضعف وقهر، أو في حالة استبداد واستغلال.



وكنت حين أسمع أحداً خارج نطاق عملي حتى لو من أقاربي يتحدث عن أي ألم أو ضيق أجد نفسي تقول "مقارنة" أي ألم هذا بجانب ألم فتاة اغتُصبت من رجل ولا بد أن تظل معه وتحت سلطته ولا تتمكن من فعل أي شيء! وغيره الكثير، حتى توقفت! نعم لم أحتمل كل هذا وتوقفت، وبدأت في القيام بإشراف فردي لي مع معالجين أكبر مني ومن هنا اختلفت الأمور وعدت أفضل مما كنت بكثير.

ولعل رسالتك تلك تكون بمثابة هذا الإشراف لتعودي لقراءته مرات ومرات، أو إن لم تتمكني من لملمة ذاتك فلا تتردي في التواصل مع متخصص نفسي يساعدك على تجاوز ذلك، وأعود فأقول لك إنني اكتشفت أن هناك فارقاً ضخماً بين أن أشعر بما يمر به الشخص، وأن أحمل ألمه وأضعه بجانب ما عندي من ألم أو خوف وأصبح أنا صاحبة الاثنين معاً من دون أن أدري، وبمرور التعامل مع الناس نصبح من دون وعي حاملين لكل هذا الكم من الألم، فلا تتمكن نفوسنا من تحمله.



واكتشفت كذلك أن حملنا لهذا معهم لا يفيدهم في شيء ولا يفيدنا في شيء، بل نتعطل عن مساعدتهم لأننا صرنا ثقال الحمل من الألم المضاعف ولسنا في جانب المساعدة التي هي أساس عملنا! وأن هناك فارقا نفسيا كبيرا يحتاج لوعي وتكرار وتذكّر أن التعاطف والمساعدة أمر، وأن حمل الألم الذي يخص الآخر ليكون حملي أنا أمر آخر تماما.

وهذا يحتاج إلى وقت وتدريب وتكرار حتى لا تفقدي تعاطفك المتزن ليصبح بإمكانك المساعدة برحمة من دون قسوة أو تجنب، وبعدها ستشعرين بهم وتفصلين بين أن هذا ألمهم وليس ألمك أنت، وهذا يرتبط أيضا بالموت الذي سنصير كلنا إليه؛ فنجتهد في علاقتنا بالله سبحانه، وطاعته في مختلف مساحات حياتنا ببشريتنا التي خلقنا سبحانه وتعالى بها التي ستحمل الخطأ والفشل والعجز والإنجاز والمحاولات، وستتخلين عن الخوف والهلع والألم الكثير الذي تحملينه مع كل وفاة شاهدتها أو ستشاهدينها كل يوم؛ وستحملين رجاءك أنت النابع من فهمك أنت وتحملين كذلك حذرك أنت الذي يخصك أنت.

وأمر آخر لاحظته وأتمنى أن تلاحظيه أنت أيضا وهو غريزة الحياة وغريزة الموت فكلنا نحمل الغريزتين داخلنا بالتساوي، فكلما تغلبت إحداهما على الأخرى وجب الانتباه والعودة إلى نقطة الاتزان، وهذا ما يجعلنا نحيا الحياة بكل ما فيها، ونقبل الموت كجزء لا ينفصل عن الحياة أصلا، فنتمكن من القيام بدورنا الذي أراده الله لنا الذي هو يخص الحياة بالأساس لنصل إليه عن طريق ممر الموت.

وأعلم أن ما قلته يحتاج إلى تدريب واتزان لا يجعلنا في كفة الحياة فقط أو الموت فقط لأن كلاهما يبعد عن حقيقة بشريتنا، وأكبر مفتاح لهذا الاتزان والتدريب هو أن تتذكري أن هناك ما يخصك وهناك ما لا يخصك، ولكنك تتعاطفين معه وتساعدين فيه بتعاطف وليس بألم صاحبه أو زاوية الموت فقط، وهذا نفسه ما سيجعلك لا تسفّهين الحياة، ولا مواقف وتفاصيل الحياة، وأخيرا تذكري…. إن قبولك للموت حياة... وقبولك لموتك حياة لك ولمن حولك من الأحياء، فحامل الموت لن يتمكن من إعطاء الحياة لأحد، ولكن من يقبله يتمكّن بتلقائية من منحها لنفسه ولغيره.
آخر تعديل بتاريخ
22 ديسمبر 2021

قصص مصورة

Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.