صحــــتك

لماذا يموت بعض مرضى الإيدز وينجو آخرون؟

الصورة
dr. amer.jpg
الإيدز
مرض الإيدز القاتل أحياناً !

منذ اكتشاف فيروس مرض الإيدز وطريقة التحليل المخبري التي تدل على وجوده في جسم المريض، لاحَظَ العلماء أنّ بعض المصابين بهذه العدوى تتدهور حالتهم الصحية بتسارع مخيف، ويصابون بكثير من الأمراض التي تؤدي إلى وفاتهم السريعة، بينما يَتَحَمَّل آخرون هذه العدوى سنوات عديدة دون أن تظهر عليهم علامات المرض الشديد.

فبعد أنْ يتعرض الإنسان للعدوى ويَدخل فيروس مرض الإيدز إلى جسمه، قد تَظهر عليه أعراض مرض خفيف تشبه أعراض الإصابة بالإنفلونزا. يَدخل المَرَضُ بعدها حالة هدوء طويلة قد تستمر سنوات عديدة دون أنْ تظهر على المُصاب أية أعراض مَرَضِّيَة. إلا أنّ الفيروس يستمر في نشاطه ويُعيق عَمَل خلايا المَناعة، فيصبح المريض مُعرَّضاً للإصابة بالالتهابات المتكررة، مثل السلّ والالتهابات التنفسية والاسهال وسرطان الجِلد.

ويصاب بسوء التغذية والنحول الشديد وتَظهر عليه أعراض وعلامات مرض الإيدز الذي لا يوجد له علاج ولا شفاء ولا لقاح ناجع. تَحدث الوفاة عادة خلال فترة تتراوح بين سنتَين إلى إحدى عشرة سنة بحسب نوع فيروس الإيدز الذي سبَّبَ الإصابة، وبحسب قدرة جسم المريض على التعامل مع هذه الإصابة. وقد أدى مرض الإيدز منذ اكتشافه في أوائل الثمانينات حتى عام 2012 إلى وفاة أكثر من 36 مليون مريض في كافة أرجاء العالم، أكثرهم في أفريقيا.

كما يقدَّر أنّ حولي 36 مليون إنسان مازالوا على قيد الحياة رغم إصابتهم بالعدوى. اكتَشَف العلماء وجود نوعَين على الأقل من هذا الفيروس، ووجود أنواع مشابهة له عند بعض الحيوانات، خاصة عند القرود في أفريقيا. ولكن لمْ يَتَّضِح لهم سبب التَّباين الواسع في شدة المرض بعد التعرض للعدوى عند الإنسان حتى لاحَظوا العلاقة بين المرض والزُمرَة المَنَاعية التي يحملها الإنسان.

تبرعٌ مفيد

ذهب العالِم بروس ووكر Bruce Walker في رحلة إلى أفريقيا بصحبة رجل الأعمال الثري تيري راغون Terry Ragon لزيارة مرضى الإيدز ومحاولة الحصول على تبرعات لدراسة هذا المرض. كان ووكر قد قام برحلات مماثلة من قبل دون أن يحقق نجاحاً يُذكَر. وكان راغون قد نجح في جمع ثروة جيدة من تطوير وتسويق برنامج كومبيوتر. بعد عودتهما من أفريقيا، اشتكى ووكر من أنّ تَفرق وتَشتت جهود العلماء يُعيق تقدم البحث العلمي في دراسة مرض الإيدز، وأنّ مراكز الأبحاث تدرس جوانب مختلفة وغير منسّقة بين بعضها، فلا يمكنها الوصول إلى معرفة منهجية في كشف أسرار هذا المرض الذي وَصَل انتشاره إلى درجة الوباء العالمي الخطير.

وبعد حساب سريع قام به راغون صَرَّح قائلاً: " أعتقد أن إنشاء مؤسسة تجمع الباحثين في هذا المجال يحتاج إلى عشرة ملايين دولاراً كل عام لمدة عشر سنوات. ونريد أنا وزوجتي أن نتبرع بهذا المبلغ ونضعه تحت تصرفك لتحقيق هذا الهدف". كان سرور ووكر بهذا الخبر عظيماً، ولكنه أدرك في الوقت نفسه أن حصوله على هذا التبرع الكبير يضع عليه مسؤولية ثقيلة.

دراسة العلاقة بين مرض الإيدز والزمر المناعية عند الإنسان

كان ووكر قد حاول أكثر من مرة خلال ربع قَرن قبل ذلك أن يحصل على منحة علمية لدراسة العلاقة بين مرض الإيدز والزُمَر المَنَاعية عند الإنسان. في سنة 1985 رَفَضَت اللجنة طَلَبه لتمويل بحثه العِلمي قائلة: "إنّ مرض الإيدز يؤدي إلى نقص المَناعة، فما هي الفائدة في دراسة ردّ الفعل المَنَاعي الذي يقوم به جسمنا ضد هذا المرض!". وبعد اطلاعه على الدارسات التي بَيَّنَت تركيب جزئيات الزُمَر المَنَاعية HLA عند الإنسان وطريقة عملها في خلايا الجسم وخلايا المَناعة، قدَّم طلباً آخر لتمويل بحثه عن علاقة الزُمَر المَنَاعية بمرض الإيدز، إلا أنّ اللجنة ردّت عليه بالرفض مرة أخرى وذلك للسبب نفسه!

في سنة 1996 نُشِرت دراسة ذُكِر فيها لأول مرة احتمال وجود علاقة بين زُمَر التَوافق المَنَاعية HLA التي يحملها إنسان ما وتمتّعه بنوعٍ من المَناعة ضد العدوى بفيروس الإيدز. وفي سنة 2000 ركَّزَتْ دراسة أخرى اهتمام العلماء على أنّ وجود الزُمرَة المَنَاعية HLA-B5701 عند الإنسان يَمنحه القدرة على منع تكاثر فيروس الإيدز في جسمه. كما ذَكَرَت دراسة أخرى سنة 2007 أنّ منطقة معينة من المادة الوراثية عند الإنسان، تقع في موضع قريب من مُوَرِّثات زُمَر التَوافق المَنَاعية HLA، ترتبط بانخفاض نشاط فيروس الإيدز. إلا أنّ جميع هذه الدراسات كانت تشمل أعداداً قليلة من المرضى بسبب كلفتها العالية وصعوبة تطبيقها في تلك الأيام، ولمْ يقتنع العلماء بوجود علاقة حقيقية مثبتة بين وجود زُمَر مَناعية معينة وقدرة المريض على تَحمُّل العدوى بفيروس الإيدز.

هناك فئة من الناس تستطيع السيطرة على الإيدز!

أَظهَرتْ إحصائيات متابعة المرضى الذين تعرَّضوا للعدوى بفيروس الإيدز أنّ واحداً مِنْ كلِّ عشرة منهم يتحمّلون وجود الفيروس في جسمهم لأكثر من سبع سنوات قبل أنْ تَظهَر لديهم أعراض مرض الإيدز. كما أنّ واحداً مِنْ كلِّ 300 منهم يكون أكثر حظّاً إذ تستطيع خلايا المَناعة في جسمه أن تقضي تماماً على هذا الفيروس. أُطلِق على هؤلاء اسم: الفئة المُسَيطِرة على فيروس الإيدز. وشُكِّلَتْ لجنة عالمية خاصة بقيادة بروس ووكر من بوسطن، وبول دى باكر Paul de Bakker من جامعة هارفارد لدراسة هذه الفئة المُسَيطِرة.

بفضل الدعم المالي الكبير الذي تلَّقاه، استطاع ووكر أن يُنشِئ مؤسسة راغون للبحث العِلمي، وأن يحصل على تبرعات كبيرة لها من مؤسسة شوارتز Schwartz Foundation، ومؤسسة غايتس Gates Foundation. واستطاع تمويل دراسة كبيرة شَملتْ 3622 مصاباً بفيروس الإيدز في مراكز عديدة، وتمَّت متابعتهم لكشف الميزات الخاصة بالفئة المُسَيطِرة بينهم على مدى عشر سنوات. كما تم تحليل ومعرفة تركيب المادة الوراثية لدى جميع المصابين المشترِكين في الدراسة.

كشَفَت الدراسة أنّ الفارق المهم الوحيد بين أفراد الفئة المُسَيطِرة على فيروس الإيدز وغيرهم من المصابين يتركَّز في مُوَرِّثات زُمَر التَوافق المَنَاعية لديهم. وعند إجراء تحليل دقيق لهذه الزُمَر المَنَاعية، كشَفَت الدراسة أن وجود الزُمَر HLA-B57، أو –B27 أو B-14 يمنح حاملها حماية خاصة ضد مرض الإيدز، بينما وجود الزُمَر HLA-B35 أو HLA-Cw07 يسرع من تطور العدوى إلى الإصابة الصريحة بمرض الإيدز. نُشِرت هذه الدراسة في مجلة Science سنة 2010، ولَفَتت انتباه العلماء إلى أن الزُمَر المَنَاعية التي تتميز بها خلايا جسم الإنسان قد تمنحه حماية خاصة ضد بعض الأمراض، ذلك بالإضافة إلى ما عرفوه عنها من قبل بأنها تجعله فريداً في طبيعة أعضاء جسمه، وأنّ اختلافها وتنوعها الواسع يؤدي إلى رفضه زرع الأعضاء الغريبة عنه. ولم يتمكّنوا من فهم ذلك إلا بعد معرفة التركيب الكيميائي والشكل الجزيئي وطريقة العمل الذي تقوم به هذه الزُمَر الوراثية في خلايا أجسامنا.

 

المصدر:

كتاب "قصة المناعة، كيف كشفها رجالها" للدكتور عامر شيخوني

 

آخر تعديل بتاريخ
01 يونيو 2023

قصص مصورة

Consultation form header image

هل تحتاج لاستشارة الطبيب

أرسل استشارتك الآن

 

  • ابحث على موقعنا عن إجابة لسؤالك، منعا للتكرار.
  • اكتب بريدك الإلكتروني الصحيح (الإجابة ستصلك عليه).
  • استوفِ المعلومات الشخصية والصحية المتعلقة بالحالة المرضية محل الاستشارة.
  • لن يتم إظهار اسمك عند نشر السؤال.

 

Age gender wrapper
Age Wrapper
الجنس
Country Wrapper

هذا الموقع محمي بواسطة reCaptcha وتنطبق عليه سياسة غوغل في الخصوصية و شروط الخدمة

This site is protected by reCAPTCHA and the GooglePrivacy Policy and Terms of Service apply.