خلال الشهور الأخيرة ظهرت حملات تدعو إلى قياس وتحليل الفيتامين د في العديد من وسائل الإعلام، وأرجعت هذه الحملات ضرورة الاهتمام بقياس مستوى الفيتامين د إلى المشاكل الصحية التي يمكن أن تصيب مَن لديهم نقص هذا الفيتامين، وهو ما يدعو هؤلاء الأشخاص إلى تناول جرعة إضافية لتمنع هذه المشاكل، لكن هل كانت هذه الحملات على صواب في هذه الادعاءات؟ وهل يسبب نقص الفيتامين د حقا كل هذه المشاكل الصحية؟ هذه هي الأسئلة التي نسعى للإجابة عنها في هذا المقال.
لكن علينا أولاً أن نتساءل: ما هو الفيتامين د ؟
مبدئياً؛ لا يوجد مركّب واحد يسمي الفيتامين د، فما يُعرف باسم الفيتامين د هو في واقع الأمر عائلة من المركّبات المهمة والضرورية لنمو الأسنان والعظام، وهناك شكلان من هذا الفيتامين يمكن قياسهما في الدم؛ الأول يسمى هيدروكسي الفيتامين د 25-hydroxyvitamin D، والثاني يعرف بثنائي هيدروكسي الفيتامين د 1,25-dihydroxyvitamin D، الأول يعتبر الشكل غير النشط، لكنه الأكثر وجوداً في الدم، لذا فهو يُستخدم بصورة أكثر شيوعاً لتقييم مستوى الفيتامين د في التحاليل، ويمكن الحصول على هذا الفيتامين من مصدرين رئيسيين:
- الأول من خلال الجلد عن طريق التعرض لأشعة الشمس.
- عن طريق الغذاء.
على الرغم من أن الفيتامين د يتم تعريفه دوماً باعتباره فيتاميناً، لكنه يعتبر اليوم نوعاً خاصاً مما يعرف بما قبل الهرمونات، نظراً لتصنيعه في الجلد عن طريق التعرض لأشعة الشمس.
تحليل الفيتامين د
كما ذكرنا؛ أصبح تحليل قياس الفيتامين د وتناول جرعة منه شيئاً شائعاً بين الناس حديثاً، ليس فقط في الدول العربية، ولكن أيضا في الدول الغربية مثل الولايات المتحدة، فقد تضاعف الطلب عليه بنسبة تصل إلى 83 مرة بين عامي 2000 و2010، حتى صار هذا التحليل هو الخامس ضمن أكثر التحاليل التي يتم طلبها في عام 2014.
لكن هناك مشكلة ترتبط بعمل هذا التحليل، إذ يتم التعرف إلى مشكلة النقص فيه من خلال قيم المختبر فقط، وليس عن طريق تقييم وجود مشاكل صحية حقيقية ترتبط بنقص الفيتامين أو أمراض تتحسن مع تناول جرعات منه. بالإضافة إلى ذلك، وطبقاً للجمعية الأميركية للباثولوجيا الإكلينيكية لا يؤدي عمل التحليل عادة إلى تحسن في نتائج العلاج، فالكثير من الأشخاص قد يظهر لديهم نقص في مستوى الفيتامين د لكن قلة منهم فقط لديهم معدلات منخفضة للغاية قد تؤدي فعلاً لحدوث مشاكل صحية.
كما تتأثر قيمة هذه التحاليل بشدة باختلاف التقنيات التي تُستخدم في قياسها، وكذلك بدقة القياس. يمكن القول إنه إذا كانت قيمة التحليل أقل من 12 ng /ml فهذا يعني أن الشخص الذي قام بالتحليل يعاني من نقص كبير في هذا الفيتامين من شأنه أن يؤثر على صحة العظام، أما إذا كانت قيمة التحليل أكثر من 20 ng /mL فهي كافية في حوالي 97.5% من البشر.
هل من فوائد صحية لتحليل وتناول مكملات الفيتامين د ؟
ترى الجمعية أن أغلب الأشخاص لا يحتاجون بالفعل إلى عمل هذا التحليل، لكن قد يحتاجون إلى القيام بتغييرات بسيطة في نمط الحياة من أجل الحصول على قدر كاف منه، وهذه التغييرات تتمثل في التعرض للشمس للحصول على قدر كاف من الفيتامين د وتناوله في الطعام. أما الجمعية الأميركية لطب الأسرة فيؤكد الأطباء فيها أن التجارب السريرية لم تثبت فائدة صحية للقيام بقياس مستوى الفيتامين د والحصول على جرعة مكملة منه، ولا توجد أدلة علمية على أن الحصول على مكملات الفيتامين د يمكن أن يطيل العمر، أو أن يقلل من خطر الإصابة بالسرطان أو أمراض القلب.
كما أن فحص الأشخاص الذين لا يعانون من مشاكل صحية تتطلب قيامهم بهذا التحليل، أو تتطلب إعطاءهم علاجاً إذا أظهرت التحاليل نقصاً فيه؛ لا يقلل أيضاً من خطر حدوث السرطان أو النوع الثاني من السكري، أو حتى احتمالات الكسور في الأشخاص الذين لا يوجد لديهم احتمال كبير للإصابة بها، أما بالنسبة للتجارب العلمية التي أجريت باستخدام الفيتامين د لعلاج الاكتئاب، والإرهاق، والتهابات العظام والمفاصل والألم المزمن فلم تثبت فائدة لهذا الاستخدام.
حتى إذا كان لديك خطر للإصابة بأمراض أخرى مثل السكري أو أمراض القلب، فإن تحليل الفيتامين د قد لا يكون مفيداً، ولن يغيّر من نصيحة الطبيب لك شيئاً، فالتعامل مع هذا الاحتمال يتم أيضاً من خلال تغييرات في نمط الحياة من خلال الامتناع عن التدخين والحفاظ على الوزن الصحي وممارسة الرياضة.
لماذا حدث هذا الاهتمام من قبل الأطباء والعامة؟
هناك عدة أسباب لذلك؛ فالفيتامين د هو ببساطة فيتامين يحتاج إليه الجسم، وبالنسبة للكثير من الناس تبدو العلاقة بين الفيتامين د ومشاكل الصحة علاقة منطقية، فهم يقضون معظم أوقاتهم داخل الغرف المغلقة دون التعرض للشمس، وينصحهم الأطباء أحياناً بعدم التعرض لأشعة الشمس المباشرة لأنها قد تؤدي إلى حدوث سرطان الجلد، وبالتالي يربطون بين النقص الناتج عن ذلك وبين العديد من المشاكل الصحية، لكن هذا الاعتقاد ليس وهمياً تماماً.
في فترة سابقة؛ كانت الدراسات والأبحاث تشير إلى آثار إيجابية بالفعل لتناول الفيتامين د كمكمل غذائي، وأن هناك ارتباطاً بين انخفاض مستواه وبين بعض الحالات المرضية مثل أمراض القلب، وهو الدليل الذي يتبعه بعض الأطباء حتى اليوم، لكن الدراسات التالية الأكثر دقة نفت ثبوت هذه العلاقة.
هناك سبب آخر، وهو تحديد المستوى الذي يجب اعتباره منخفضاً للفيتامين د، فكما ذكرنا لا يعد مستوى الفيتامين بين 20 و30 ng/ mL قليلاً، ذلك أن 97.5% من الأشخاص يمكنهم الحياة بشكل طبيعي بمستويات أعلى من 20 ng / mL لكن بعض الأطباء قد يعتبر هذا المستوى منخفضاً، ويعطي العلاج على هذا الأساس.
ما المشكلة إذا كنت أريد أن أحصل على التحليل لأطمئن على نفسي؟
القيام بتحليل غير مطلوب قد يؤدي إلى الحصول على علاج غير مطلوب، وربما يكون مكلفاً كذلك، وقد يكون هذا العلاج ضاراً في بعض الأحيان، فالحصول على جرعات زائدة من الفيتامين د قد تتسبب في ضرر للكلى وارتفاع مستوى الكالسيوم وتكلس الأوعية الدموية، لأنه من نوع الفيتامينات التي يمكن أن تتراكم في الجسم.
متى إذاً يجب أن أقوم بالتحليل؟
تحدث مع طبيبك المعالج؛ فإذا رأى الطبيب أن عليك أن تجري التحليل، فاسأله عن احتمالات الخطورة لديك، وكذلك عن التحليل الأكثر فائدة بالنسبة لك، إذ سيستخدم هذا التحليل في المتابعة فيما بعد، هناك بعض الحالات التي تتطلب القيام بهذا التحليل، وهي تشمل التالي:
- إذا كانت لديك هشاشة في العظام: هذا المرض يجعل عظامك أضعف، واحتمالات الكسر فيها أكبر.
- إذا كان لديك مرض يمنع جسمك من الاستفادة من الفيتامين د: هذه الأمراض عادة ما تؤثر على الجهاز الهضمي على المدى الطويل، وهي تشمل مرض التهاب الأمعاء Inflammatory bowel disease، ومرض سيلياك Celiac disease، وأمراض الكلى، وكذلك الكبد والبنكرياس.
بناء على هذه المعلومات، ربما يجب إجراء مراجعة وتقييم للدور الذي يمكن أن يلعبه الفيتامين د في الصحة العامة، وكذلك مراجعة الحملات الداعية إلى قياس نسبة هذا الفيتامين من أجل تجنب تناول دواء مكلف قد لا تكون له فائدة مرجوة.
نصيحة من موقع صحتك
نقص الفيتامين د يسبب العديد من المشاكل الصحية، خاصة فيما يتعلق بصحة العظام، ولكن ليس من الضروري إجراء فحص مستوى هذا الفيتامين بشكل دوري، وذلك بسبب تكلفته المرتفعة ونتائج التحليل التي قد تدفعك لتناول المكملات دون أسباب صحية حقيقية قد تؤدي في النهاية إلى ارتفاع مستويات الفيتامين د بشكل مؤذٍ وضار، لأنه يعتبر من الفيتامينات الذائبة في الدهون، والتي تخزّن في الجسم. لذا لا تُجري أي فحوصات إلا من خلال توجيهات الطبيب، وعند ظهور أعراض نقص واضحة ومشاكل صحية تستدعي التحليل، وبناء على النتائج ودرجة النقص يصف لك الطبيب الجرعة المناسبة من الفيتامين التي تحتاجها ولمدة معينة.