أثار مخدر جديد يُطلق عليه الفطر السحري ضجة كبيرة في مصر نهاية الشهر الماضي بعدما ألقت وزارة الداخلية القبض على أحد العناصر الإجرامية بسبب زراعته لهذا الفطر وبيعه كمخدر بعد تجفيفه وخلطه بالشوكولاتة. يشبه الفطر السحري أو الماجيك مشروم بقية الفطريات العادية، لكنه يحتوي على مواد كيميائية مهلوِسة يمكن أن تؤثر على جميع الحواس، وتغير تفكير وعواطف الشخص، وإحساسه بالوقت، كما تتسبب في رؤية أو سماع أشياء غير موجودة. سنتعرف في هذه المقالة إلى طبيعة هذا الفطر، وطريقة عمله، واستخداماته وتأثيره، بالإضافة إلى أخطار استعماله واحتمالية إدمانه.
ما هو الفطر السحري؟
الفطر السحري (Magic Mushrooms) عبارة عن فطر بري أو مزروع يحتوي على السيلوسايبين Psilocybin، وهو مركّب طبيعي يمكن أن يُسبب الهلوسة، استُخدم قديمًا في الطقوس الدينية لعدة قرون. يشبه الفطر السحري بقية الفطريات السامة التي قد تؤدي إلى الوفاة، ويوجد أكثر من 180 نوعًا من الفطور التي تحتوي على المواد الكيميائية الفعالة السيلوسايبين أو السيلوسين، والتي يمكن تصنيعها معمليًا.
تعتمد فعالية الفطر السحري على نوعه وأصله وظروف نموه وفترة حصاده، بالإضافة إلى ما إذا كان الشخص يأكله طازجًا أم مجففًا. فعلى سبيل المثال، كمية السيلوسايبين الموجودة في الفطر المجفف أعلى بنحو 10 مرات من الكمية الموجودة في الفطر الطازج.
عادةً ما يكون لون الفطر السحري الذي يحتوي على السيلوسيبين بنيًا أو بنيًا باهتًا (تان)، ويستهلكه الناس غالبًا كشاي مخمر أو بعد تحضيره عن طريق التجفيف، ويُؤخذ بعد خلطه بالطعام أو المشروبات لإخفاء طعمه المر. يقوم المصنعون بسحق الفطر المجفف إلى مسحوق وإعداده في شكل كبسولات، كما يقوم بعض الأشخاص بتغطيته بالشوكولاتة، ويمكن أيضًا خلطه بالقنب أو التبغ وتدخينه. هناك بعض الناس الذي يأكلون فطر السيلوسايبين الطازج.
ماذا يحدث عند تناول الفطر السحري؟
عندما يتناول الشخص الفطر السحري الذي يحتوي على السيلوسايبين، يحوله الجسم إلى مادة أخرى تُسمى السيلوسين، وهي المادة الكيميائية المؤثرة ذات الخصائص النفسية. يعمل السيلوسين عن طريق الارتباط بمستقبلات السيروتونين في الدماغ وينشطها، غالبًا في منطقة قشرة الفص الجبهي من الدماغ. يؤثر هذا الجزء من الدماغ على الحالة المزاجية والإدراك، ويعتقد الباحثون أن هذا التأثير مسؤول عن الكثير من التجربة الذاتية للشخص عندما يتناول هذا الفطر. كما تعمل هذه المواد المهلوسة الموجودة في هذا الفطر في مناطق أخرى من الدماغ تنظم استجابات الإثارة وتحريك المشاعر والذعر.
تأثيرات الفطر السحري
تختلف تأثيرات السيلوسايبين الموجودة في الفطر السحري من شخص لآخر بناءً على الحالة العقلية للشخص المستخدِم وشخصيته والأشخاص المحيطين به والبيئة التي يعيش فيها، كما تلعب الكمية المتناولة من الفطر دورًا مهمًا أيضًا، بالإضافة إلى عمر الشخص وتاريخ تعاطيه للمخدرات. يكون خطر التعرض لتجربة سيئة أعلى إذا كان المستخدِم يعاني من حالة صحية عقلية أو يشعر بالقلق من استخدام المهلوسات.
تتشابه تأثيرات السيلوسايبين عمومًا مع تأثيرات عقار LSD، وتشمل ما يلي:
- ردود فعل نفسية مثل الهلوسة البصرية والسمعية وعدم القدرة على التمييز بين الخيال والواقع.
- فقدان الإحساس بالزمان والمكان، وتغيرات شديدة في المزاج والشعور.
- النشوة، واضطراب تبدد الشخصية وتبدد المحيط والغياب عن الواقع.
تحدث التأثيرات المهلوسة للسيلوسايبين عادةً في غضون 30 دقيقة بعد تناول الشخص للفطر، وتستمر لمدة 4 إلى 6 ساعات، كما يمكن أن تستمر التغيرات في الإدراك وأنماط التفكير لعدة أيام لدى بعض الأشخاص. عند تناول جرعة أكبر أو زائدة من الفطر السحري، يزداد تأثير السيلوسايبين، وقد يؤدي إلى هلوسة شديدة لمدة أطول. كما يمكن أن تحدث مجموعة مكثفة من الآثار والتجارب السيئة والتي تُسمى بالرحلة، والتي قد تشمل مزيجًا من الهلع وجنون العظمة والذهان والتصورات المخيفة فيما يعرف بالرحلة السيئة (bad trip). نادرًا ما تؤدي الجرعات الزائدة إلى الوفاة، لكن يمكن أن تستمر ذكرى "الرحلة السيئة" مدى الحياة.
أضرار الفطر السحري
يسبب الفطر السحري آثارًا جانبية غير مرغوب فيها، مثل:
- زيادة ضغط الدم ومعدل ضربات القلب، وبالتالي قد يكون استخدامه خطيرًا عند الأشخاص الذين يعانون من أمراض القلب.
- الغثيان والقيء.
- الانفعال والارتباك.
- التثاؤب والشعور بالنعاس.
- الهلوسة والذهان.
- اتساع حدقة العين.
- التفكير المشوه، وضعف التركيز.
- ضعف العضلات، ونقص التنسيق بينها.
يمكن أن يؤدي استخدام الفطر مع مواد أخرى، مثل الكحول والماريجوانا أو الحشيش، إلى زيادة أو تفاقم كل هذه التأثيرات الجانبية.
استخدامات الفطر السحري
استُخدم الفطر السحري لآلاف السنين للاستخدامات الروحية والعلاجية في أمريكا وأوروبا، كما ارتبط بالتجارب الروحية في الطقوس الدينية واكتشاف الذات لفترة طويلة. يتناول بعض الناس كميات صغيرة جدًا من الفطر بانتظام لاختبار فوائده مع تقليل الآثار الجانبية غير المرغوب فيها، وهي ممارسة تسمى الجرعات الصغيرة، في محاولة لتحسين حالتهم العقلية وإنتاجيتهم. كما يتناوله آخرون لتجربة الشعور بالنشوة والتواصل وفقدان الإحساس بالوقت.
يختبر الباحثون إمكانية استخدام السيلوسايبين الموجودة بالفطر السحري لعلاج بعض اضطرابات الصحة العقلية مثل اضطرابات تعاطي المواد المخدرة والاكتئاب والقلق واضطراب الوسواس القهري. هناك أيضًا بعض الأشخاص الذين يستخدمون الفطر السحري لعلاج بعض هذه الحالات آملين في الحصول على نتائج مشابهة، لكن قد يكون من الصعب علاج القلق وغيره من التجارب غير السارة خارج الإطار السريري لأنه قد يؤدي إلى آثار جانبية شديدة (الرحلة السيئة). كما أن الخبراء بحاجة إلى إجراء المزيد من الأبحاث لدعم نتائج استخدام السيلوسايبين وما إذا كانت هناك طريقة لتحقيقها دون آثار جانبية مهلوسة.
ما هي فوائد الفطر السحري؟
يُستخدم الفطر السحري غالبًا لتأثيراته النفسية فقط، لكن هل توجد فوائد محتملة له؟ وهل يمكن استخدامه في علاج الحالات الطبية أو استخدام السيلوسايبين كدواء؟
وجد الباحثون أن مادة السيلوسايبين قد تكون علاجًا فعالًا للاكتئاب واضطرابات القلق، إذ منحته إدارة الغذاء والدواء الأمريكية تصنيف العلاج الاختراقي، وهي عملية لتسريع تطوير ومراجعة الأدوية المخصصة لعلاج حالة خطيرة، لبضعة تركيبات من السيلوسايبين قيد الدراسة من أجل السلامة والفعالية كعلاج طبي للاكتئاب، وذلك لدعم المزيد من الأبحاث.
تشير الأبحاث الأولية أيضًا إلى أن السيلوسايبين قد يكون مفيدًا في علاج اضطراب استعمال المواد أو تعاطي المخدرات (SUD)، مثل إدمان النيكوتين والكحول، فضلاً عن اضطرابات تعاطي المواد الأخرى. هناك دراسة كبيرة ومتعددة المواقع ممولة من المعهد الوطني لمكافحة تعاطي المخدرات في الولايات المتحدة تبحث في فعالية السيلوسايبين مقارنةً بلصقة النيكوتين، بالاشتراك مع العلاج، لمساعدة الناس على الإقلاع عن التدخين.
كما أظهرت الدراسات الأخرى أن الفطر السحري كان فعالًا في تخفيف الاضطراب النفسي أو الضائقة العاطفية للأشخاص الذين شُخصوا بإصابتهم بالسرطان المهدد للحياة. تشير الأبحاث إلى أن بعض المواد المخدرة يمكن أن تقلل من القلق والاكتئاب للأشخاص المصابين بالسرطان، ويمكن أن تعزز الرفاهية ونوعية الحياة وقبول مرضهم.
هل الفطر السحري يسبب الإدمان؟
تشير الأبحاث حتى الآن إلى أن استخدام الفطر السحري أو السيلوسايبين لا يؤدي عادةً إلى الإدمان، ولا تظهر أي أعراض جسدية بعد التوقف عن استخدامه، لكن هناك حاجة إلى مزيد من البحث. استخدام الفطر السحري بانتظام قد يؤدي إلى تحمل الشخص لتأثيرات السيلوسايبين، ويمكن أن يحدث التحمل بسرعة إلى حد ما، مما يجعل من الصعب الحصول على أي تأثير بعد عدة أيام من الاستخدام المتكرر.
بالنسبة لأعراض الانسحاب، نادرًا ما يعاني الأشخاص من أعراض جسدية للانسحاب عندما يتوقفون عن استخدام السيلوسايبين، لكن بعد عدة أيام من الاستخدام قد يعاني البعض من أعراض انسحاب نفسية، والتي قد تشمل الاكتئاب بالإضافة إلى صعوبة التكيف مع الواقع.
هل الفطر السحري سام؟
يحتوي السيلوسايبين المتواجد بالفطر السحري على مستوى منخفض من السُّمّية، هذا يعني أن إمكانية تسببه في أحداث مميتة محتملة مثل مشكلات التنفس أو النوبة القلبية منخفضة. لكن تناوله دون إشراف طبي وخارج دراسة بحثية قد يؤدي إلى أخطار صحية كبيرة، كما أن سوء استخدام الفطر السحري قد يؤدي إلى التسمم أو الوفاة، فالخطر الرئيسي من تناوله أنه يشبه أنواعًا معينة من الفطر السام، وقد يخاطر البعض بالتسمم العرضي من تناول فطر سام عن طريق الخطأ.
تشمل أعراض التسمم بالفطر تقلصات العضلات، والارتباك والهذيان. ويجب على الشخص طلب الرعاية الطبية على الفور وزيارة الطوارئ إذا ظهرت هذه الأعراض، أو إذا بدأ الشخص في القيء أو الإسهال، أو شعر بتقلصات المعدة بعد عدة ساعات من تناول الفطر.