مرض التصلب المتعدد أو التصلب العصبي المتعدد (Multiple Sclerosis) هو أحد أمراض المناعة الذاتية المزمنة التي تصيب الجهاز العصبي المركزي، يُصيب هذا المرض العديد من النساء في سن غالبًا ما يُفكرنَ فيه بتكوين أسرة وإنجاب الأطفال. وللأسف الشديد، لم يتوصل الأطباء حتى الآن لعلاج جذري لهذا المرض، ولكن هناك بعض الأدوية المتاحة التي يمكن أن تسرع التعافي من النوبات، وإبطاء تطور المرض، والسيطرة على الأعراض. فما هو تأثير هذا المرض على صحة الطفل؟ وهل تناول أدوية مرض التصلب المتعدد أثناء الحمل آمن لصحة الأم والجنين؟
هل تناول أدوية مرض التصلب المتعدد أثناء الحمل آمن على صحة الأم والجنين؟
قام باحثون من جامعة الرور في بوخوم (Ruhr University Bochum) في ألمانيا، باستخدام بيانات جُمعت في الفترة من تشرين الثاني/نوفمبر 2006 إلى حزيران/يونيو 2023 من السجل الألماني للتصلب المتعدد والحمل. شملت الدراسة تحليل بيانات أكثر من 3700 حالة حمل لنساء مصابات بمرض التصلب المتعدد، وتم إعطاء أكثر من 2800 امرأة أدوية تعديل المناعة قبل الحمل أو خلاله، بينما لم تتناول 837 امرأة أي علاج لهذا المرض.
قالت البروفيسورة كيرستين هيلويج، الباحثة الرئيسية للدراسة من قسم الأعصاب بجامعة الرور في بوخوم الألمانية: "وجدنا أن معظم العلاجات لم تكن مرتبطة بزيادة احتمال حدوث الإجهاض أو الولادة المبكرة أو العيوب الخَلقية الرئيسية". نُشرت الدراسة في مجلة لانسيت للصحة الإقليمية في أوروبا (The Lancet Regional Health - Europe) في 2 كانون الأول/ديسمبر 2024.
ما هي أدوية مرض التصلب المتعدد المُستخدَمة في الدراسة؟
هذه الدراسة هي واحدة من أكبر الدراسات في العالم، وتتميز بتنوع العلاجات المناعية المستخدَمة خلال فترة الحمل. أوضح الباحثون أن النساء تناولنَ العلاج قبل الحمل أو خلاله، لكن معظمهنَّ خلال الثلث الأول من الحمل. وشمَلت العلاجات المُعدِّلة للمرض (Disease Modifying Therapies - DMTs) المُستخدمة في الدراسة:
- الإنترفيرونات (Interferons).
- أسيتات الغلاتيرامر (Glatiramer Actate).
- ثنائي ميثيل الفومارات (Dimethyl Fumarate).
- التيريفلونومايد (Teriflunomide).
- معدِّلات مستقبلات السفينغوزين-1-فوسفات (S1P modulators)، مثل الفينغوليمود (Fingolimod) والبونسيمود (Ponesimod).
- الأليمتوزوماب (Alemtuzumab).
- الناتاليزوماب (Natalizumab)
- الأجسام المضادة لبروتين CD20، مثل الريتوكسيماب (Rituximab) والأوكرليزوماب (Ocrelizumab) والأوفاتوموماب (Ofatumumab).
- الكلادريبين (Cladribine).
هل يؤدي تناول أدوية مرض التصلب المتعدد أثناء الحمل إلى الإجهاض والولادة المبكرة؟
قام الباحثون بمقارنة معدلات فقدان الحمل (الإجهاض التلقائي)، وحدوث الالتهابات أثناء الحمل، والولادة المبكرة، والعيوب الخَلقية، بالإضافة إلى أوزان الأطفال عند الولادة. ووجدوا أن معظم العلاجات المُعدِّلة للمرض لم تكن مرتبطة بزيادة كبيرة إحصائيًا في حدوث الإجهاض التلقائي والولادات المبكرة والعيوب الخَلقية الرئيسية.
ومع ذلك، أشارت البروفيسورة هيلويج إلى أنه لا يمكن استخلاص أي استنتاجات قاطعة بشأن الحالات النادرة مثل العيوب الخَلقية أو الالتهابات الشديدة، وذلك بسبب العدد القليل للحوامل اللاتي تناولنَ أدوية الكلادريبين، والتيريفلونومايد، والأليمتوزوماب.
تناول أدوية مرض التصلب المتعدد أثناء الحمل قد يزيد احتمال ولادة الأطفال بوزن منخفض
أظهرت الدراسة أن هناك زيادة في احتمال ولادة مولود بوزن منخفض لدى جميع المواليد لأمهات مصابات بمرض التصلب المتعدد، وكان هذا الاحتمال أعلى بشكل خاص عند الحوامل اللاتي تناولنَ بعض العلاجات للمرض، وكانت النتائج كالآتي:
- بلغت نسبة الأطفال الذين ولدوا بوزن منخفض 18.8%.
- بلغت نسبة الأطفال الذين ولدوا بوزن منخفض ولم تكن أمهاتهنَّ يتناولنَ الأدوية 17.6% من الحالات.
- بلغت نسبة الأطفال الذين ولدوا بوزن منخفض وكانت أمهاتهنَّ يتناولنَ أدوية معدِّلات مستقبلات السفينغوزين-1-فوسفات 27.4% من الحالات.
- بلغت نسبة الأطفال الذين ولدوا بوزن منخفض وكانت أمهاتهنَّ يتناولنَ أدوية الأجسام المضادة لبروتين CD20 24.1% من الحالات.
تناول أدوية مرض التصلب المتعدد أثناء الحمل قد يزيد احتمال الإصابة بالالتهابات
كانت حالات إصابة النساء بالتهابات خطيرة أثناء الحمل نادرة بشكل عام، إذ أصيبت حوالي 1% من النساء اللاتي لم يتناولنَ الأدوية بهذه الحالة، وأما بالنسبة للنساء اللاتي تناولنَ الأدوية، فكانت نسبة اللواتي أُصبنَ بالالتهابات كالآتي:
- 2.8% من النساء اللاتي تناولنَ أدوية ثنائي ميثيل الفومارات بالالتهابات.
- 1.9% من النساء اللاتي تناولنَ دواء الأليمتوزوماب.
- 3% من النساء اللاتي تناولنَ دواء الناتاليزوماب وأدوية معدِّلات مستقبلات السفينغوزين-1-فوسفات.
- 4.8% من النساء اللاتي تناولنَ دواء الكلادريبين.
- 0.6% من النساء اللاتي تناولنَ أدوية الأجسام المضادة لبروتين CD20.
تناول أدوية مرض التصلب المتعدد أثناء الحمل والمضادات الحيوية
بالإضافة إلى ذلك، كانت النساء اللاتي تناولنَ بعض أدوية التصلب المتعدد أثناء الحمل أكثر عرضة لاستخدام المضادات الحيوية أثناء الحمل مقارنة بالنساء اللاتي لم يتناولنَ علاجات للمرض، واللاتي بلغت نسبتهنَّ (12.1%). وكانت نسبة النساء اللاتي تناولنَ الأدوية واستخدمنَ المضادات الحيوية كالآتي:
- 26.7% من النساء اللاتي تناولنَ دواء الناتاليزوماب خلال الثلث الثاني من الحمل.
- 20.7% من النساء اللاتي تناولنَ دواء الناتاليزوماب خلال الثلث الثالث من الحمل.
- 23.2% من النساء اللاتي تناولنَ أدوية الأجسام المضادة لبروتين CD20 خلال الأشهر الستة السابقة لآخر دورة شهرية.
أهمية تقييم مخاطر وفوائد تناول أدوية مرض التصلب المتعدد أثناء الحمل لكل امرأة
على الرغم من أن معظم العلاجات المُعدِّلة للمرض لا تزيد من خطر مضاعفات الحمل الخطيرة، فإن أدوية معدِّلات مستقبلات السفينغوزين-1-فوسفات، والناتاليزوماب، والأجسام المضادة لبروتين CD20 كانت مرتبطة بزيادة احتمال تأخر نمو الجنين داخل الرحم وانخفاض وزن المواليد، مما قد يؤدي إلى زيادة مخاطر الوفاة لدى الجنين أو المولود، وكذلك الإصابة بأمراض في مراحل لاحقة من الحياة، مثل السكري من النوع الثاني وأمراض القلب والأوعية الدموية. وأكد الباحثون على أهمية إجراء التقييمات الفردية للمخاطر والفوائد لكل امرأة مصابة بالتصلب المتعدد، مع ضرورة متابعة الحمل بشكل دقيق لضمان أفضل رعاية صحية للأم والجنين.