نقل الدم للفصائل الأخرى قد يكون تصوراً شبه مستحيل، فطبيعة الجسم لا تقبل إلا بفصيلة دم مطابقة أو فصيلة دم مناسبة يستطيع الجسم الأخذ منها، لكن قد يكون الخيال قد أصبح حقيقة، فقد أشارت دراسة أجرتها مؤسسة بحثية تعاونية إلى وجود طريقة مذهلة يمكن أن تجعل أنواع الدم متوافقة بشكل متبادل، وتتيح عملية نقل الدم بين الأنواع المختلفة من زمر الدم، وفي حال تم إثبات ادعاءات هذه الدراسة فيمكن أن يكون لها تأثير مدوٍّ.
وفي يناير 2024، أبلغ الصليب الأحمر الأمريكي عن نقص طارئ في كميات الدم المتوفرة مسجلاً أدنى عدد من المتبرعين بالدم منذ 20 عاماً، وقد تم تقدير الانخفاض بنسبة 40% في عدد المتبرعين، وقد رجحوا حدوث ذلك بسبب بعض العوامل المساهمة، بما في ذلك مرض كوفيد-19 الذي أعاق حملات التبرع بالدم، بالإضافة إلى تغيير الأنظمة في بعض المستشفيات، وبسبب الحاجة المتزايدة للتبرع بالدم وضرورة توسيع إمدادات الدم تدفع الآن الأساليب التكنولوجية بما في ذلك التقدم في وسائل حفظ الدم وتخزينه.
إجراء نقل الدم للفصائل الأخرى
أعلن الباحثون في الدراسة الجديدة عن طريقة سليكا الدم المتوافقة حيوياً، والتي تسمى السليكا غير المتبلورة ذات الحجم النانوني، أو باختصار SARNAS، وهذه التقنية عبارة عن هندسة سطحية وزيادة هيكلية لخلايا الدم الحمراء، مما يمنحها هياكل خارجية مكوَّنة من السليكا النانونية. وقد أجروا العديد من الدراسات لهذه التقنية على الجسم الحي، وأوضحت النتائج وجود توافق حيوي ممتاز. والمثير للاهتمام أن هذه التقنية تقوم بحماية المستضدات الموجودة على سطح خلايا الدم الحمراء، وهي البروتينات والدهون السكرية والكربوهيدرات التي تميز فصائل الدم.
تقوم جزيئات السليكا النانونية بتغليف كريات الدم الحمراء وتجعلها تهرب من الكشف المناعي، وهذا يجعل فصائل الدم صالحة للنقل بين الأشخاص الذين يحملون فصائل دم مختلفة، كما قد يكون ذلك اكتشافاً ثورياً وحلاً عبقرياً في حالة حفظ الأعضاء المعدّة لعمليات الزراعة، إذ تحتاج هذه الأعضاء إلى التروية الصناعية للحفاظ عليها حية، لذا تحتاج إلى سائل مؤكسِج لترويتها والحفاظ على درجة حرارة العضو قبل عملية الزرع الجراحية، ويعتبر الدم أفضل سائل مؤكسِج يخدم هذه المهمة.
ولكن لسوء الحظ؛ هناك عيب من استخدام الدم كسائل تروية، وهو قِصر العمر الافتراضي لكريات الدم الحمراء، وبالتالي الحاجة إلى كميات دم بشكل متكرر، بالإضافة إلى مشكلة عدم توافق فصيلة الدم الذي يمكن أن يسبب الضرر للخلايا خلال عملية التروية. لذا؛ فإن الدم المعالَج بالسليكا يمكن أن يكون حلاً مثالياً لهذه العقبة، فقد أظهرت كريات الدم الحمراء المعالَجة توافقاً عالمياً مع جميع الفصائل الدموية، وقد عملت تماماً مثل كريات الدم الحمراء الطبيعية في اختبارات التروية، وحافظت على أغشية الأعضاء وسلامتها الهيكلية.
تجارب نقل الدم
قام الباحثون بإجراء اختبارين لنقل الدم على الفئران للتأكد من سلامة كريات الدم الحمراء المعالَجة بالسليكا Si-RBCs وصلاحيتها لعملية نقل الدم بين الفصائل المختلفة، فقد تلقت المجموعة الأولى من الفئران كريات الدم الحمراء البشرية الطبيعية، وتلقت المجموعة الأخرى كريات الدم الحمراء المعالَجة بالسليكا، وكان حجم الدم المنقول 4% من إجمالي حجم الدم عند الفئران، وهو ما يستوفي التعريف الطبي لنقل الدم. ومقارنة بالمجموعة التي تلقت الدم البشري فقد أظهرت الفئران التي تلقت كريات الدم الحمراء المعالَجة بالسليكا Si-RBCs قدراً ضئيلاً من الأضرار التي لحقت بالأعضاء الرئيسية، بما في ذلك الكلى والكبد.
وفي الاختبار الثاني تلقت كلا المجموعتين من الفئران نقل الدم للفصائل الأخرى بنسبة 20% من إجمالي حجم الدم، وأظهرت المجموعة التي تلقت كريات الدم الحمراء المعالَجة بالسليكا Si-RBCs سلوكاً فسيولوجياً طبيعياً وسلامة بيولوجية جيدة، بينما أظهرت مجموعة كريات الدم الحمراء غير المعالَجة علامات تلف الكبد والالتهاب، وكل هذه النتائج تثبت أن Si-RBCs لا تفلت فقط من النشاط المناعي في الفصائل المختلفة من الدم، بل تنقل الأكسجين أيضاً بشكل مثالي.
وخلص الباحثون إلى أن تقنية إنشاء هيكل خارجي من السليكا حول خلايا الدم الحمراء هي أساس تجريبي مبتكَر لعملية نقل الدم للفصائل الأخرى ، وأنها يمكن أن تخفف من النقص في إمدادات الدم في المستقبل، لكن هذه التجربة ما تزال مطبقة على الفئران فقط، ولم يتم تجربتها على البشر بعد، ولكن نتائجها تبدو واعدة، وقد نكون أمام اكتشاف ثوري في عمليات نقل الدم وتروية الأعضاء قبل عمليات زراعة الأعضاء.