يقضي معظم الأشخاص أوقات فراغهم في ممارسة الأنشطة المستقرة مثل مشاهدة التلفاز، وتصفح الإنترنت، وقراءة الكتب، ولعب ألعاب الفيديو. وفي ظل تزايد معدلات الإصابة بالخرَف عالميًا، تزداد الحاجة إلى فهم تأثير عادات أنماط الحياة على صحة الدماغ. وفي هذا السياق، وجدت دراسة أسترالية حديثة حول تأثير الأنشطة المستقرة على صحة الدماغ والوظائف الإدراكية على المدى الطويل أن بعض هذه الأنشطة التي تحفز العقل يمكن أن تقلل من خطر الإصابة بالخرَف وتعزز الذاكرة، بينما ترتبط أنشطة أخرى بتأثيرات سلبية على الإدراك. نُشرت نتائج الدراسة في أيلول/سبتمبر 2024 في مجلة علم الشيخوخة، قسم العلوم البيولوجية والعلوم الطبية.
تأثير الأنشطة المستقرة على صحة الدماغ.. كيف تؤثر هذه السلوكيات على الذاكرة والإدراك؟
قام باحثون من جامعة جنوب أستراليا بدراسة تأثير الأنشطة المستقرة على صحة الدماغ والوظائف الإدراكية من خلال تحليل أنماط النشاط اليومي على مدار اليوم (24 ساعة) لدى 397 شخصًا من كبار السن الذين تبلغ أعمارهم 60 عامًا أو أكثر. كشفت النتائج أن نوع النشاط قد يؤثر على صحة الدماغ على المدى الطويل، وأظهرت أن بعض السلوكيات المستقرة أو الأنشطة التي تتطلب الجلوس قد تكون مفيدة لوظائف الدماغ أكثر من غيرها.
وعندما قام الباحثون بتقييم السلوكيات المستقرة المختلفة، وجدوا أن الأنشطة الاجتماعية أو المحفزة للعقل كانت مفيدة للذاكرة، ومن بين هذه الأنشطة: القراءة، والاستماع إلى الموسيقى، والصلاة، وممارسة الحرف اليدوية، والعزف على آلة موسيقية، والتحدث مع الآخرين. وفي المقابل، كانت الأنشطة الأخرى، مثل مشاهدة التلفاز أو لعب ألعاب الفيديو مضرة لصحة الدماغ.
أوضحت الدكتورة ماديسون ميلو، الباحثة الرئيسة في الدراسة من جامعة جنوب أستراليا، أن الأنشطة المستقرة تختلف في تأثيرها على الذاكرة وقدرات التفكير، وأشارت إلى أن هناك تسلسلًا هرميًا للسلوكيات المستقرة من حيث تأثيرها على الوظائف الإدراكية، فبعضها له تأثيرات إيجابية على الدماغ بينما للبعض الآخر تأثيرات سلبية.
تأثير الأنشطة المستقرة على صحة الدماغ.. هل تحمي من الخرَف؟
يعاني حوالي 411100 شخص في أستراليا من الخرف، أي بمعدل شخص واحد من كل 1000 شخص، وتشكل النساء الجزء الأكبر من هذه الحالات (حوالي الثلثين). وأما على الصعيد العالمي، فتُظهر إحصاءات منظمة الصحة العالمية (WHO) أن أكثر من 55 مليون شخص حول العالم مصابون بالخرف، مع ما يقرب من 10 ملايين حالة جديدة كل عام.
أشار الباحثون إلى أنه يمكن تقليل خطر الإصابة بالضعف الإدراكي، خاصة وأن حوالي 45% على الأقل من حالات الخرف يمكن الوقاية منها من خلال إجراء بعض التغييرات على العوامل المرتبطة بنمط الحياة. أظهرت دراسات سابقة عدة أن النشاط البدني يمكن أن يحمي الدماغ من الخرف، ما يؤكد ضرورة إعطائه الأولوية لتحسين صحة الدماغ. وأوضح الباحثون أن نوع النشاط يغير تأثيره على الوظائف الإدراكية، وأن الأنشطة المختلفة تقدم مستويات متفاوتة من التحفيز المعرفي والتفاعل الاجتماعي.
الأنشطة البدنية والذهنية تحسن الوظائف الإدراكية وتعزز صحة الدماغ
قالت الدكتورة ميلو: "وجدنا أن السلوكيات المستقرة التي تعزز التحفيز العقلي أو التفاعل الاجتماعي، مثل القراءة أو التحدث مع الأصدقاء، مفيدة للوظائف الإدراكية، بينما الأنشطة الأخرى مثل مشاهدة التلفاز أو اللعب بالألعاب الإلكترونية لها تأثيرات سلبية على الدماغ. لذا، فإن نوع النشاط مهم".
وأضافت: "بالرغم من أن قاعدة (تحرك أكثر، واجلس أقل) تسري على الصحة القلبية الأيضية وصحة الدماغ، فإن هذه الدراسة تشير إلى ضرورة تبني نهج أكثر دقة عندما يتعلق الأمر بتأثير السلوكيات المستقرة على الوظائف الإدراكية".
للحصول على أفضل الفوائد الصحية للدماغ والجسم، أشار الباحثون إلى أنه ينبغي إعطاء الأولية للأنشطة الحركية التي ترفع معدل ضربات القلب لأنها تعود بالفائدة على جميع جوانب الصحة. كما أوضحوا أن تخصيص فترات قصيرة (مثل 5 دقائق) لممارسة الأنشطة الذهنية أو البدنية أثناء فترات الجلوس الطويلة يمكن أن يكون مفيدًا لصحة الدماغ.