غالبًا ما يتَّسم الآباء في الثقافات الشعبية بالتماسك والثبات والقوة، لكن الواقع قد يكون مختلفًا تمامًا، فالأب قد يعاني من الكآبة والإحباط. وفي هذا السياق، كشفت دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعات روتجرز وبرينستون ورايدر في الولايات المتحدة حول تأثير اكتئاب الآباء على سلوك الأطفال أنه عندما لا يتم تشخيص الاكتئاب وعلاجه، فإن تأثيراته الاجتماعية والسلوكية السلبية على الأطفال قد تستمر لسنوات طويلة. نُشرت الدراسة في المجلة الأمريكية للطب الوقائي (American Journal of Preventive Medicine).
تأثير اكتئاب الآباء على سلوك الأطفال.. خطر صامت يهدد الصحة النفسية للأسرة
صرَّحت الدكتورة كريستين شميتز، الباحثة المشاركة في الدراسة والأستاذة المساعدة في جامعة روتجرز، قائلة: "علينا أن نأخذ في الاعتبار اكتئاب كلا الوالدَين، وليس الأمهات وحسب. فالاكتئاب قابل للعلاج، وعلى أطباء الأطفال أن يبدؤوا في التحدُّث مع الآباء عنه وتطوير تدخُّلات علاجية تُركِّز على احتياجاتهم لدعم الأسرة بأكملها".
تُشير الإحصاءات إلى أن ما بين 8% و13% من الآباء في الولايات المتحدة يُعانون من الاكتئاب خلال السنوات الأولى بعد ولادة أطفالهم، وترتفع هذه النسبة لتصل إلى 50% في حال كانت الأم أيضًا تُعاني من اكتئاب ما بعد الولادة. ومع ذلك، لا يوجد سوى عدد قليل من الدراسات التي تناولت اكتئاب الأب بعد فترة ما بعد الولادة أو تأثير الصحة النفسية للآباء على سلوك الأطفال.
دراسة تأثير اكتئاب الآباء على سلوك الأطفال
لِسَد هذه الفجوة المعرفية، حلَّل الباحثون بيانات 1422 أبًا وُلد أطفالهم بين عامَي 1998 و2000 في 20 مدينة أمريكية. وتم تقييم أعراض الاكتئاب لدى الآباء عندما بلغ أطفالهم 5 سنوات، وعند بلوغهم 9 سنوات، تم تقييم سلوكيات الأطفال بناءً على استبيانات أكملها معلموهم في المدرسة. وأظهرت النتائج أن الأطفال الذين عانى آباؤهم من الاكتئاب في مرحلة دخولهم الروضة كانوا أكثر عرضة لأن يعانوا من صعوبات سلوكية وضعف في المهارات الاجتماعية عند بلوغهم سن التاسعة.
وأشار الباحثون إلى أن مرحلة دخول الطفل إلى الروضة مهمة في نموه وتطوره، وقد تؤثّر الصعوبات التي يواجهها الطفل خلال هذه المرحلة بشكل سلبي على سلوكياته وتفاعله في المدرسة، وقد تستمر هذه التأثيرات أو تتَفاقم في المرحلتين المتوسطة والثانوية.
كيفية تأثير اكتئاب الآباء على سلوك الأطفال
كشف الباحثون عن وجود علاقة واضحة بين اكتئاب الأب وسلوك الطفل من خلال تحليل البيانات، والأخذ في الاعتبار العوامل الاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة إلى حالة اكتئاب الأم. وأظهرت النتائج أن الأطفال الذين كان آباؤهم يعانون من أعراض الاكتئاب، مثل الشعور بالحزن والكآبة، عند بلوغهم سن الخامسة، كانوا أكثر عرضة للمشكلات السلوكية عند بلوغهم سن التاسعة، من أبرزها:
- القلق.
- التمرُّد.
- الغضَب.
- ضِعف الثقة بالنفس.
- انخفاض مستويات التعاون مع الآخرين.
أوضحت الدكتورة شميتز أن العلاقة بين اكتئاب الأب وسلوك الطفل قد تكون ناتجة عن عوامل عدة، إذ ربما يُواجه الأب صعوبة في تربية أطفاله، وفي التفاعل الإيجابي معهم بسبب الاكتئاب. كما أن اكتئاب الأب قد يقلِّل من الدعم العاطفي الذي يُقدِّمه للطفل، بالإضافة إلى أنه قد يؤدي إلى حدوث صِراعات أو ضغوطات نفسية أخرى في المنزل.
هل يمكن التخفيف من تأثير اكتئاب الآباء على سلوك الأطفال ؟
قال الباحثون إن هذه الدراسة هي الأولى من نوعها على مستوى الولايات المتحدة التي تُثبت وجود علاقة بين اكتئاب الآباء وسلوك الأطفال في المدرسة، وأشاروا إلى أن الكشف المبكر عن أعراض الاكتئاب لدى الآباء وتقديم الدعم لهم ولأطفالهم، قد يساعدان في تخفيف تأثير اكتئاب الآباء على سلوك الأطفال.
وأضافت الدكتورة شميتز أنه على الرغم من أن اكتئاب الأب مرتبط بسلوكيات الأطفال السلبية، فإن هناك ما يَدعو للتفاؤل، فالتشخيص والتَدخُّل المبكرَين قد يساهمان في تحسين صحة الآباء النفسية، وبالتالي ينعكس ذلك بشكل إيجابي على نمو الأطفال النفسي والاجتماعي. كما أكدت على أهمية أن يعلَم الوالدان أن طلب الدعم عند مواجهة الصعوبات هو أمر طبيعي وصحي، وهو درس مفيد سيتذكره الأطفال طوال حياتهم.
