أصبحت العلاقة بين وسائل التواصل الاجتماعي والصحة النفسية محور اهتمام متزايد مع انتشار استخدام هذه المنصات في الحياة اليومية. وفي هذا السياق، أجرى باحثون من كلية لندن الجامعية (UCL) في المملكة المتحدة دراسة حول تأثير الأنماط المختلفة من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على صحة البالغين النفسية مع مرور الوقت. أظهرت النتائج أن البالغين الذين ينشرون المحتوى بشكل متكرر على منصات وسائل التواصل الاجتماعي أكثر عرضة للإصابة بمشكلات الصحة النفسية مقارنة بالذين يشاهدون المحتوى ولا يتفاعلون معه. نُشرت هذه الدراسة في مجلة أبحاث الإنترنت الطبية (Journal of Medical Internet Research) في 30 تشرين الأول/أكتوبر 2024.
وسائل التواصل الاجتماعي والصحة النفسية.. كيف يؤثر فرط النشاط الرقمي على البالغين؟
يشير الاستخدام النشط لوسائل التواصل الاجتماعي إلى التفاعل والمشاركة الفعالة على هذه المنصات بشكل مستمر، ويشمل ذلك إنشاء المحتوى أو التعليق على منشورات الآخرين، بينما الاستخدام السلبي لهذه الوسائل يعني تصفح المنصات ومشاهدة المنشورات دون التفاعل معها.
لدراسة العلاقة بين أنماط استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والصحة النفسية لدى البالغين، قام الباحثون بتحليل بيانات أكثر من 15000 شخص بالغ في المملكة المتحدة ممن تزيد أعمارهم عن 16 عامًا. وأظهرت النتائج أن النشر بشكل متكرر على وسائل التواصل الاجتماعي كان مرتبطًا بزيادة مشكلات الصحة النفسية بعد عام واحد من هذه الممارسة، وفي المقابل، لم يكن لمشاهدة المحتوى التأثير نفسه.
كما أظهرت أن الأشخاص الذين يشاهدون وينشرون المحتوى باستمرار على وسائل التواصل الاجتماعي يعانون من مستويات أعلى من مشكلات الصحة النفسية مقارنة بالأشخاص الذين نادرًا ما يستخدمون هذه المنصات. وبعد مراعاة العمر والجنس، لم يختلف تأثير هذه الأنماط.
وأوضحت الدكتورة روث بلاكيت، المؤلفة الرئيسية للدراسة من قسم علم الأوبئة والصحة في كلية لندن الجامعية، أن هذه النتائج تشير إلى أن الاستخدام النشط لوسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما النشر، قد يؤثر بشكل أكبر على الصحة النفسية مقارنة بالاستخدام السلبي لهذه الوسائل، مثل مشاهدة المحتوى.
وأضافت: "قد يكون السبب في ذلك هو أن النشر على وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يؤدي إلى تفاعلات سلبية من الآخرين أو يسبب القلق بشأن أحكامهم، وهذا يسلط الضوء على الحاجة إلى التوعية بشأن كيفية تأثير الأنشطة المختلفة على وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية".
اختبار نفسي يوضح العلاقة بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والصحة النفسية
تم تقييم الصحة النفسية باستخدام استبيان الصحة العامة (GHQ) الذي يتضمن 12 سؤالًا يتعلق بالصحة النفسية، مثل ما إذا كان المشاركون قد عانوا مؤخرًا من مشكلات في التركيز، أو صعوبات في النوم، أو شعروا بالتوتر والقلق. وتم تقييم الإجابات على كل سؤال بدرجات تتراوح من 0 إلى 3، ليكون المجموع الكلي للدرجات بين 0 و36 درجة، وتشير الدرجات الأعلى إلى مستويات أعلى من الضغوط النفسية.
وأظهرت النتائج أن الأشخاص الذين ينشرون يوميًا على وسائل التواصل الاجتماعي عانوا من مشكلات نفسية أكثر، وهو ما يعادل زيادة قدرها 0.35 نقطة في درجات الاختبار. كما أظهرت أن الأشخاص الذين يشاهدون وينشرون المحتوى بشكل متكرر على وسائل التواصل الاجتماعي سجلوا زيادة قدرها 0.31 نقطة في درجات الاختبار مقارنة بالأشخاص الذين نادرًا ما يستخدمون هذه المنصات.
العلاقة بين وسائل التواصل الاجتماعي والصحة النفسية تستدعي تعزيز العادات الرقمية الصحية
على الرغم من أن الزيادة في مشكلات الصحة النفسية كانت طفيفة، لكن نتائج الدراسة تؤكد على أهمية تطوير استراتيجيات للتخفيف من التأثيرات السلبية المحتملة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتعزيز العادات الرقمية الصحية.
وأوضحت الدكتورة بلاكيت أن الأدلة تشير إلى أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تكون له تأثيرات إيجابية وسلبية على الصحة النفسية، ما يعزز الحاجة إلى إجراء المزيد من الدراسات لفهم الآليات الكامنة وراء هذه الأنماط لوضع تدخلات وسياسات فعالة.
وأضافت: "ما زلنا غير متأكدين من تحديد الفئات الأكثر تأثرًا بشكل سلبي بوسائل التواصل الاجتماعي والأسباب وراء ذلك، وكذلك تحديد الفئات التي تستفيد من استخدامها. وإن فَهم هذه العوامل يمكن أن يساعدنا في تقديم إرشادات أفضل حول العادات الرقمية الصحية، وعن ضرورة إبلاغ شركات منصات التواصل الاجتماعي وصانعي السياسات بالجوانب التي تتطلب مزيدًا من الاهتمام".